“أستاذ الاقتصاد بالأكاديمية الليبية” يتحدث لصدى عن التوسع في الإنفاق وزيادة المرتبات

582

قال أستاذ الاقتصاد بالأكاديمية الليبية “أ.د.عمر زرموح” في تصريح لصحيفة صدى الاقتصادية: بالنسبة للتوسع في الإنفاق وزيادة المرتبات فإن خطاب المحافظ تجاوز وظيفة المصرف المركزي كمستشار للدولة أي للسلطتين التشريعية والتنفيذية إلى دور المراقب والناقد للحكومة، لقد كان المحافظ في العهد السابق يحضر اجتماعات اللجنة الشعبية العامة وغيرها من الاجتماعات المهمة، بل ويشارك في بعض اللجان الكبيرة مثل لجنة الملف الاقتصادي التي كانت قائمة سنة 2000 مثلاً ولم نره يوجه نقداً حاداً للحكومة كهذا النقد بل كنا نراه يقدم نصائح اقتصادية فاعلة، إن مثل هذه الانتقادات نتوقعها من الجهات الرقابية مثل ديوان المحاسبة والرقابة الإدارية.

تابع بالقول: إن قرار تغيير سعر الصرف في ديسمبر 2020 وبصرف النظر عن الرأي الاقتصادي في القرار قبل صدوره، فإنه من الناحية الفعلية خفض القوة الشرائية للدينار بنسبة 70% فزادت أسعار الصرف الرسمية للنقد الأجنبي بنسبة 332.8% وأكد هذا القرار على عدم تراجع معدلات التضخم العالية التي وصلت إلى %26 في عام 2016 ومثلها في عام 2017 وبمستويات مختلفة في بقية السنوات (2014-2020) ولا إستثناء في ذلك إلا في سنة 2019 التي شهدت معدلاً سالباً للتضخم (2.2) تحت هذه المعطيات فقد انخفضت القيمة الحقيقية لدخول الأشخاص الطبيعية والاعتبارية وانخفضت من ثم قدراتهم الشرائية، فهل يعقل ألا نزيد المرتبات لتعويض ما فقدته القوة الشرائية لدخولهم تحقيقاً لمبدأ العدالة ؟! إن الحل لمشكلة ارتفاع فاتورة المرتبات ليس هو رفع الأسعار وتجميد المرتبات كما يفهم من الخطاب رفع الأسعار بتخفيض قيمة الدينار وتجميد قيمة المرتبات بانتقاد زيادتها بل هو العمل على استقرار الأسعار والقضاء على البطالة المقنعة في كامل الجهاز الإداري للدولة في الداخل والخارج (السفارات) وهذه نقطة من عدة نقاط أوصت به اللجنة التي شكلها المجلس الرئاسي عام 2017 والتي قدمت تقريراً اقتصادياً من 60 صفحة لكنه مات في أدراج المجلس الرئاسي والمصرف المركزي.

مُضيفاً: أما التوسع في الإنفاق بوجه عام فهو نتيجة لعدة أسباب أهمها تغيير سعر الصرف المشار إليه آنفاً والحاجة الملحة لإعادة بناء ما دمرته الحرب ولو بشكل جزئي ثم، وهذه سنتفق فيها مع خطاب المصرف زيادة حجم التوظف بشكل غير مبرر اقتصادياً، إن ما يمكن أن يعاب على التوسع في الإنفاق ليس بالضرورة حجمه طالما لم يخلق عجزاً في الميزانية، بل احتمال تدني كفاءته وخاصة فيما يتعلق بمدى القدرة الاستيعابية للاقتصاد الليبي، إن مجرد انتقاد حجم الإنفاق دون تحليل لا يكفي، ويمكن اقتراح بعض النقاط لحل هذه الإشكالية، وهي نقاط أتفق في بعضها مع خطاب المصرف وأختلف معه في بعضها الآخر وذلك كالآتي:
( أ ) أتفق مع خطاب المصرف فيما يتعلق بإقرار ميزانية موحدة.
(ب) أن تعتبر الميزانية ميزانية للدولة وليست لشخص أو أشخاص كما يتردد أحياناً.
(جـ) أن تعتمد السلطة التشريعية أو ما في حكمها الميزانية بقانون أو قرار مثل قرارات الترتيبات المالية بحيث يضبط حجم الإنفاق وأوجهه وأهدافه ويتحقق بذلك ترشيد الإنفاق.
( د) أن تعتمد السلطة التشريعية أيضاً السياسات الاقتصادية مالية ونقدية وتجارية المصاحبة لتنفيذ الميزانية في شكل منظومة غير متضاربة كالتضارب الحاصل حالياً، وعلى سبيل المثال: لا يمكن تخفيض قيمة الدينار وتقليص حجم الإنفاق في آن واحد كما لا يمكن تخفيض قيمة الدينار ثم التعجب من ازدياد نشاط ظاهرة التهريب فهذه نتيجة متوقعة.
(هـ) إذا كانت الميزانية غير متوازنة اقتصادياً فيجب أن ينص قانون الميزانية على كيفية معالجة ذلك كما حصل في قرار الترتيبات المالية عام 2020 حيث نص على تمويل العجز بقرض من المصرف المركزي.
وفي هذا الخصوص يجب أن أشير إلى أن الدين العام ليس رقماً جزافياً يقرره المصرف أو الحكومة أو الأمر الواقع بل هو ضرورة تلجأ إليها الدولة متمثلة في سلطتيها التنفيذية والتشريعية عندما تكون هناك أهداف واجبة التحقيق غير قابلة للتأجيل وتتطلب حجماً من الإنفاق لا يتوقع أن تغطيه موارد الميزانية، وفي هذه الحالة يجب أن يتحدد حجم الحد الأقصى للدين العام المسموح به خلال سنة الميزانية وأن ينص عليه في قانون الميزانية أو ما في حكمه الذي يجب أن يصدر من السلطة التشريعية أو من يقوم مقامها، كما حصل مؤخراً في اعتماد الترتيبات المالية لعام 2020، ولكن لا شك في أن تزايد الدين العام، حتى بهذا الأسلوب، يمثل مشكلة ولذلك أوصي باعتماد ميزانية العام 2024 خالية من الدين العام، والأمر في تقديري ليس مستحيلاً، إذ أن كل المطلوب هو إعادة النظر في تقديرات الموارد والاستخدامات وترتيب الأولويات في الإنفاق.
(و) أن تكون السلطة التشريعية في مستوى المسئولية بأن تعتمد الميزانية من بداية السنة المالية أو قبل
ذلك والالتزام بعدم تأخيرها.

قال كذلك: إن فشل السلطة التشريعية في قيامها بواجباتها المذكور آنفاً يجعلها لا تستحق أن تسمى سلطة تشريعية، لذلك فهذا المقترح مرهون بإرادة مجلس النواب بصرف النظر عن قضية الشرعية فهو نفسه المجلس الذي امتنع عن اعتماد الميزانية لكل السنوات التي عملت خلالها حكومة الوفاق وكذلك فعل مع حكومة الوحدة الوطنية، وفي هذا الخصوص قد يتمنى المرء لو أن لدينا قانوناً للإغلاق كما في أمريكا لردع السلطة التشريعية إذا تأخرت في اعتماد الميزانية.

وفيما يتعلق بالاستدامة المالية التي كثيراً ما يتحدث عنها المصرف المركزي لا يمكن أن تتحقق في ظل الوضع الاقتصادي الراهن حتى لو خفضت الحكومة نفقاتها، ذلك أن مفهوم الاستدامة لا يشترط تخفيض الإنفاق الحكومي إذا اتفقنا أن إنفاق الحكومة كان في أوجهه الصحيحة المعتمدة، بل يشترط تحقيق النجاح في البرامج التنموية التي تحدثنا عنها في (أولاً) وخلق بدائل عن النفط والتي مازلنا أبعد ما نكون عنها، أما دور الإنفاق العام في توليد الضغوط التضخمية فهو صحيح عندما لا يقابل هذا الإنفاق زيادة في الإنتاج، ومع ذلك فقد بينت النشرة الاقتصادية للربع الرابع 2023 في الجدول رقم (27) أن معدل التضخم العام 2023 كان فقط %2.3% وهو معدل مثالي تتمناه العديد من الدول، وبالتالي لا توجد مشكلة في هذا الجانب، وحتى زيادة عرض النقود، كما سيأتي توضيح ذلك بعد قليل، لا يبدو لها تأثير يذكر على الأسعار، وهذا عكس ما ورد في الخطاب الذي يصر على توليد ضغوط تضخمية.

استطرد “زرموح” بالحديث قائلاً: لقد ورد في خطاب المصرف إن عرض النقود توسع إلى 160 مليار دينار والمستغرب أن عرض النقود في 2023/12/31 كان فقط 138 مليار دينار بالمفهوم الضيق 141 مليار دينار بالمفهوم الواسع على النحو الوارد في النشرة الاقتصادية للربع الرابع لعام 2023 فهل هو خطأ مطبعي أم ماذا ؟! وإذا كان الإنفاق الحكومي قد أدى إلى زيادة عرض النقود فهناك أدوات للسياسة النقدية التي يمتلكها المصرف المركزي والتي يمكنه إعمالها لتقليص عرض النقود وهي أدوات كثيرة منها على سبيل المثال لا الحصر:
( أ ) زيادة نسبة الاحتياطي القانوني لتقليص حجم الخصوم الإيداعية وخاصة الودائع المشتقة derivative deposits .(ب) اعتماد نسبة بين الخصوم الإبداعية ورأس المال لدي جميع المصارف التجارية وإلزام المصارف بعدم تجاوزها. (جـ) بيع النقد الأجنبي بدلاً من إغلاق منظومته وهي أداة فعالة في تقليص عرض النقود.
(د) تخفيض حجم العملة المصدرة إذا أمكن وسأذكر مثالاً على ذلك في هذه المقالة.
(هـ) إعادة الثقة للمصارف التجارية وللمصرف المركزي بالتزام المصداقية وتطبيق قانون المصارف حتى تعود الودائع الأولية primary deposits للمصارف التجارية مع حث المصارف التجارية على تحسين إدارة أصولها لتجنب العسر المالي.
وفيما يتعلق بالإنفاق، يجب أن يشار إلى أن خطاب المصرف كان غير دقيق في مفهومه للإنفاق العام
فهو كما يبدو يقصد به الإنفاق الحكومي بينما الصحيح هو أن الإنفاق العام أكبر من الإنفاق الحكومي، وهذا
بطبيعة الحال لا يعني التقليل من دور الإنفاق الحكومي فالنظرية الاقتصادية تؤكد أن الضغوط التضخمية
تتولد من زيادة الإنفاق العام الحكومي وغير الحكومي الحقيقي على الدخل الحقيقي.
وإذا كان المصرف يعتقد أن الإنفاق الحكومي هو الذي أدى إلى زيادة الطلب على النقد الأجنبي إلا أني أرى أن العامل الأقوى الذي جعل الطلب على النقد الأجنبي يتصاعد بشكل متسارع هو التغير في سياسة المصرف المركزي اعتباراً من شهر سبتمبر 2023 حيث تعددت عمليات الرفض لطلبات فتح الاعتمادات وتعرقلت عمليات التحويل للأغراض الشخصية ثم أقفلت المنظومة في شهر ديسمبر لمدة شهر ونصف تقريباً وما جاء بعد ذلك من ضوابط في الأول من فبراير 2024 كان أول من انتهكها هو المصرف المركزي
نفسه الذي أصدرها، إن هذه الاضطرابات في سياسة المصرف المركزي هي العامل الأقوى في ارتفاع أسعار
صرف النقد الأجنبي في السوق الموازية بسبب الذعر الذي خلقته هذه السياسة المرتعشة لدى المتعاملين
وهي سياسة تشتغل في الاتجاه العكسي لوظيفة المصرف المنصوص عليها في المادة رقم (5) من قانون
المصارف رقم (1) لسنة 2005 وتعديلاته والتي توجب على المصرف الحفاظ على الاستقرار النقدي.