ازمة السيولة النقدية .. من أين البداية .. وكيف النهاية؟

1٬352

المتابع للشأن الاقتصادي الليبي وهموم المواطن يشده في هذه الفترة ، موضوع أزمة السيولة بالمصارف ، ويرى تأثيرها السلبي والحاد على حياة المواطن مما زاد في تفاقم  معاناته في خضم أزمات اقتصادية عدة تعصف بالبلاد ، وتسير بالاقتصاد المحلي إلى منعرج قد يكون بداية لإنهيار اقتصادي أكبر إذا ماقدر لهذه المشكلة ألا تحل قريباً فستصبح حتما كرةُ ثلج تُزيل في طريقها ما كان يعلقه الليبيون من آمال نحو التغيير والتطوير ..

طرقت صحيفة صدى الإقتصادية باب ديوان المحاسبة أولاً وكانت لنا مقابلة مع  ” د .على المحجوب ”  مستشار بديوان المحاسبة وأكاديمي متخصص ووكيل وزارة الاقتصاد سابقاً ..

سؤال؛ هل الديوان سبب رئيسي في ازمة السيولة اليوم ؟
إن بداية أزمة السيولة بالتحديد كانت في 2013 عندما قرر المؤتمر الوطني العام إلغاء التعامل بالفوائد الربوية في عمليات المصارف التجارية في ليبيا ، وبالتالي جعلها غير إستثمارية ، هي تعتمد فقط على إيداع الأموال كأصول إيداعية لدى مصرف ليبيا المركزي ، والحصول على فوائد شهرية ، وهي التي تشكل أو تغطي أرباح المصارف التجارية ، والدليل أن خدمات المصارف كانت تُقدم بسعر مقبول جدا ، فمثلا دفتر الصكوك الذي تبلغ رسُومه حالياً  للعملاء 7 دينار ونصف قديما كان يكلف ديناراً واحداً ، كما أن الصك المصدق كان يعطي للمواطن ويباع وتخصم منه تكلفه بقيمة 3 دينار ، وهذا الحال كان في التسعينات والعشرية الاولى من الالفية وكانت رسوم حسابات الجارية حوالي 600 درهم سنويا كما كانت خدمات المصارف كالابراق والحوالات من فرع لفرع تبلغ رسومها 5 دينار او 10 دينار على الاكثر .

بمعنى أخر كانت جميع الخدمات المصرفيه تُقدم للمواطن بشكل خدمات مدعومة بغير سعرها الحقيقي إعتماداً على الأرباح التي تحققت نتيجة لإيداع أموال المودعين لدى المصارف التجارية ، وبالتالي وجود وفرة في السيولة يمكن المصارف من السحب والاستثمار .

فى مارس 2015 صار التعامل بالفوائد على الحسابات الجارية امراً ممنوعا بموجب القانون وعليه فقد واجهت المصارف التجارية كلها   إشكالية ، اذ أن الأموال كلها باتت تتراكم لديها في وقت لا وجود لدى البنوك أية مشاريع إستثمارية أو مشاركات خارجية مفتوحة ، وايضا فان مصرف ليبيا المركزي لن يقوم بمنح المصارف التجارية اية فوائد في الوقت الذي لازال العملاء يجرون معاملاتهم عن طريق المصارف بما فيها عمليات الايداع ، والسحب بمبالغ كبيرة مما شكل ضغطا على العاملين بالمصرف جعلهم يطالبون بمنحهم ترفيعات في اجورهم ، كزيادة ساعات العمل الاضافي ، ورفع قيمة علاوات الصرافين ، وتحسين خدمات التأمين الصحى ، وغيرها من المنافع التى نادى بها العاملون بالقطاع المصرفي ، ونتيجة لذلك لجأت المصارف الى فرض رسوم جديدة على العملاء ، ورفع قيمة الرسوم السابقة بما فيها فرض رسوم على الايداعات ، واية عمليات مصرفية مهما كان نوعها ، الأمر الذي جعل كبار العملاء يتجهون الى الاحتفاظ بالنقود ، واكتنازها ، والعزوف عن إيداع أموالهم بالمصارف الأمر الذى جعل أزمة السيولة تطفو شيئا فشيئا الى السطح .

وقال ” المحجوب” الي ضعف الأدوات الرقابية والضبطية ، كالشرطه ، والأجهزة الأمنية الاخرى ، وبالتالي أصبح التجار الكبار ممن لديهم اموال مودعة بارقام كبيرة نسبيا بالمصارف باتوا معرضين لعمليات الخطف من بعض المليشيات لأبتزازهم ، وبالتالي فَقد الناس تقثهم بالمصارف ، وصاروا يحتفظون بأموالهم في خزائنهم الخاصة دون الحاجة لإيداعها مصرفياً.
وأشار كذالك علي توقف مصرف ليبيا المركزي عن فتح إعتمادات نتيجة لنقص عوائد النفط ، وبالتالي فإن إيرداته ومحصلاته من النقد الاجنبي ، أصبحت غير متوازنة في مسألة فتح الإعتمادات المستندية ، فأصبح كل التجار يقولون أنهم  سيلجأون لشراء الدولار من سوق السوداء ، وبالتالي باتَ على التاجر ان يحتفظ بأمواله خارج القطاع المصرفي لأنه من الممكن إتمام عمليات الشراء في أوقات وأزمنة لايستطيع المصرف مجاراته ، وهذه كلها اسباب أدت الي نقص السيولة .

وعليه لا أرى سوي أن ديوان المحاسبة هو من اتخد بعض القرارات تجاه شركات لديها شبهة فساد في فتح اعتمادات مستندية وقام الديوان بتجميد حساباتهم ..

ويواصل” د.على المحجوب” القول : انا اعتقد انها حالات معدودة وليست كثيرة ، لأن ديوان المحاسبة يعمل بنظام العينات وليس المسح الشعبي بمعنى ليس كل الشركات تخضع لتلك العمليات التتبعية فالديوان يشتغل على 50 في الالف يعني 5 شركات من الف شركة ، وهذه هي الشركات التي تعرضت لتجميد حساباتها ، وأُجبرت على ترجيع الأموال التى قامت بتحويلها، وبالتالي فإن الدفع بشبهة أن إجراءات الديوان هي التي جعلت الناس تسحب أموالها او إجراءات التجميد ضدها ، هذا أمر غير حقيقي تحديداً لانه يوحي وكأن كل التجار غير نزيهين ومستغلين لتلك الاعتمادات وفي جلب العملة للسوق الموازي وهذا غير حقيقي لأن الكثير من التجار يشتغلون بطريقة صحيحة ، ولكن ليس الكل ، وبالتالي انا اعتقد أن الكثير يشتغل بطريقة صحيحة بأمواله ولكنه من جانب أخر يقوم بسحب ودائعه خوفاً من عدم تحصيلها نقدا وقت حاجته إليها وهو أمر فاقم من مشكلة السيولة حتماً ..

 

وفي سياق بحثنا عن أزمة السيولة والحد منها كان لنا لقاء مع رجل الأعمال/  السيد “حسني بي”

 

سؤال: هناك مسؤولون يتهمونك بأنك السبب الرئيسي لأزمة السيولة !

 

أبدا .. نحن لا نسمح لأنفسنا ولا لمدارئنا ولا لموظفينا ان يتركوا الاموال النقدية عن مبيعات يومية أكثر من ليله قبل إيداعها في المصرف، ولا نسمح لأي موظف أو مدير ان يحتفظ بسيولة لديه وأن السيوله تبقى في الخزائن حتى يتم ايداعها صبيحة اليوم التالي في المصرف..
وقد اضاف : أن من ضمن الحلول الرئيسية لحل مشكلة السيولة هو تغيير سعر الصرف النقدي ذالك لأن تغيير سعر الصرف يخدم الوطن ، والمواطن وأفاد انه كمواطن فمن مسؤوليته أن يري للمدى الطويل ، فصحة الاقتصاد على المدى الطويل هي من مصلحته كمواطن ، وكرجل أعمال ، وفي ذات الوقت تصب في مصلحة الوطن ومصلحة المواطن .

 اتجهنا لنأخذ عينة من تجار ” القطاعي ” والذي بادر بالإجابة عن سؤالنا عن سبب أزمة السيولة

 

قال : السبب هو مصرف ليبيا المركزي ، لأنه ليس عادلا في توزيع السيولة ، وكذلك ليس عادلاً في تعاطيه مع بعض رجال الأعمال فبرأيه أن 90% من التجار فاسدين ، وأن الإعتمادات فاسده ، وحتى مشكلة تهريب البترول أرجعها هذا التاجر إلى أنها احد اسباب أزمة السيولة ، كما أضاف هذا التاجر الى أن تهريب الخردة ساهم في عمليات تضخم الأسعار ، وإنخفاض الدينار في السوق الموازي .

وإستطرد قائلاً اذا ماكان هناك تاجر مثلا يقوم بتصدير خرده لتركيا مثلاً لحسابه وبدل من أن يقوم بفتح إعتماد هنا لهذه العملية ، وإضافة قيمة التصدير لحسابه المصرفي فإنه يلجأ لإستكمال دورته المالية خارج السلسلة المصرفية ، ومن ثم يقوم بضخ ما إستلمه من نقد اجنبي بالسوق الموازي حيث يستنزف رصيداً مالياً محلياً بسعر موازي هذه الأيام يبلغ 8 دينار عن كل دولار في الوقت الذي كان من الممكن أن تتم هذه العملية في إطار مصرفي حمايةً للإقتصاد الوطني من جوانب عديدة ، وقس على هذا جميع عمليات التداول خارج المصارف وما اكثرها حاليا..
# اتجهت صدي – الي أحد أهم ابواب القضية وهي المصارف التجارية .
وقد أجرينا لقاءاً مع السيد ” محمد الاطرش ” وهو موظف بأحد فروع مصرف الجمهورية وفي إجابته: عن أسباب ازمة السيولة ؟

وهل أنتم كمصارف تجارية سبب فيها ؟

أجاب : كموظف داخل القطاع المصرفي أرى أن عدم الشروع في فتح الإعتمادات المستندية هي العامل الرئيسي لنقص السيولة النقدية في المصارف ، إلي جانب عدد من الأسباب الأُخري ، منها عدم توفر السلع التموينية الرئيسية في السوق المحلي ، وذلك لعدم فتح الاعتمادات ، مما يجبر التاجر علي شراء النقد الأجنبي من السوق الموازية فتسبب غلاء الأسعار وعدم توفر السلع بكميات مناسبة يفاقم من المشكلة علاوة على عدم مصداقية بعض التجار في استيراد السلع بالرغم من منح المصرف موافقة الاعتماد المستندي والتغطية لإستيراد السلعة المطلوبة ، إلا ان بعضهم يلجأ لطرح هذه السلع بالاسواق بعشرات اضعافها ..

وفي لقاء أخر مع أحد المصادر بقطاع الاستثمارات النفطية ، فإنه يعزوا وبحسب تخصصه الاقتصادي ان ما فاقم من أزمة السيولة هو الأداء المتراجع للإقتصاد الليبي بسبب تراجع اسعار النفط العالمي وتوقف صادرات النفط الليبية فترة طويلة ، ومن المعروف أن اقتصاد البلاد يعتمد علي النفط بنسبة 98 % حيث أن معظم الليبيين هو عاملين بالقطاع العام ، وهم يتقاضون مرتبات من الدولة فى وقت لا توجد للأنشطة الفردية أي معالم كما ان الفجوة بين المودعين خاصة والمواطنين عموماً ، وبين المصارف التجارية باتت تتسع بحيث صار من العسير إلغائها حالياً ، كما ان حالة الإنقسام السياسي ، ووجود حكومتين ومصرفين مركزين رئيسين متصارعين قد فاقم في المشكلة ، كما ان الانفلات الأمني والخوف من حمل السيولة النقدية من وإلى المصارف في ظل عدم وجود الأمن ، هي امور زادت الوضع سوءاً ..
ويرى هذا الاختصاصي أن الحل يكمن في اللجوء الى بيوت الخبرة الدولية ، والإحتكام الى أرائها وقبل هذا وذاك يجب التوافق سياسياً وإقتصادياً وايقاف ألة الحرب اللعينة داخل البلاد .

وبعد خوض هذه المسالك والدروب يبدو ان نهاية الازمة لم يحن أوانها بعد فالكل كما تابعنا يرمي بأسباب الازمة وتبعاتها على الاطراف الاخرى …