التليب يكتب مقالاً بعنوان : “الشرعية” بين الوهم والواقع

169

كتب : الخبير والمهتم بالشأن الاقتصادي “عبد الحكيم التليب” لنفرض انك وقعت عقد إيجار بيت مع شخص أخر، هذا العقد يعطيك “الشرعية” للسكن في البيت المنصوص عليه في عقد الإيجار حسب شروط العقد الذي تم توقيعه.

لنفرض الأن أن صاحب البيت وضع العقد في جيبه وأنصرف دون أن يسلم لك مفاتيح البيت حتى يمكنك إستخدامه بناء على العقد المبرم، فهل عقد الإيجار له قيمة أو معنى بالنسبة لك، حتى على فرض أنك قد دفعت قيمة الإيجار مقدما؟لنفرض الأن أنك في عزبة بدائية إقطاعية أنقلبت فيها المفاهيم والمنطق رأسا على عقب، وصاحب العقار يطالبك بتسديد الإيجار بإسم “الشرعية” بناء على العقد الذي تم توقيعه، رغم أنك لا تزال تنام على رصيف الشارع، والمحكمة والجهات الرسمية المختصة تحكم لصالح صاحب العقار بناء على عقد الإيجار وتطالبك بتسديد الإيجار بإسم “الشرعية”، رغم أنك لا تزال تنام على رصيف الشارع؟! هذا السيناريو الطريف ليس خيالي كما يظن البعض بل هو الذي يحدث بشكل فعلي في هذا البلد منذ سنوات بإسم “الشرعية”!في الوضع الطبيعي وكما سبق و تم التوضيح منذ سنوات فأن (الشرعية) ترتبط بتنفيذ (شروط العقد)، ولا يوجد شئ أسمه “صك على بياض”، وعندما يتم الإخلال بشروط العقد فأن الشرعية تفقد في الواقع معناها، وفي السياسة، وفي دولة المواطنة الحديثة، فأن الإنتخابات، وكذلك الحوارات والمفاوضات، والأمم المتحدة، والأبلة ستيفاني، لا يمنحون الشرعية، بل يمنحون فقط “المفتاح” لممارسة الشرعية، أما الشرعية نفسها فأنها لا تتحقق ألا عبر القيام بالمهام والواجبات والمسئوليات التي تم منح الشرعية أساسا من أجل تحقيقها والتي ينبغي أن تكون واضحة ومحددة سلفا لجميع الأطراف وألا فأن العقد يدخل في خانة “التغرير” وهي حالة معروفة ولها توصيف وأحكام شرعية وقانونية وأخلاقية معروفة، وفي حالة إذا كانت المهام والواجبات والمسئوليات غير معروفة سلفا، أو غير محددة سلفا بطريقة واضحة قابلة للقياس فأن الموضوع كله يتحول الى مهرجان للتهريج.

عندما تصبح هذه البديهيات البسيطة التي يعرفها حتى تلاميذ المدارس الصغار في المجتمعات الواعية، عندما تصبح معروفة وواضحة لنسبة كافية في هذا المجتمع فأن فرص الخروج من السرداب ستكون أفضل بأذن الله، أما بدون ذلك فأن الفرصة ستبقى رهن الصدف وضربات الحظ وحدها، وسنن الله لا تتغير ولا تتبدل، ولا تحابي،، ولا ترحم.