“الشحاتي” يتحدث عن تضخم أسعار الخضروات

259

كتب الخبير الاقتصادي “محمد الشحاتي”.

شاهدت اليوم صباحا تقريرا اخباريا مرئيا عن غلاء أسعار الخضروات في ليبيا، التقرير كان مصورا في عدة أسواق للخضار حول ليبيا مع أخذ آراء المتسوقين حول مستوى الأسعار في السوق، الطماطم بثمانية دينار الكيلو أكثر من متسوق أشتكى مستاء وكذلك الفواكه المستوردة أصبح من الصعب اقتنائها بهذه الأسعار الجنونية، وبينما تدور ببصرك في المناظر الخلفية في الأسواق تجد ما شاء الله المعروض من الخضروات وفيرا وجميلا ومتراصا، الأمر الذي يجعلك تفكر عن الدوافع الحقيقة وراء هذا الارتفاع في الأسعار،في اللقاءات مع المواطنين تم ذكر أسباب متعددة أحصرها في الآتي:

الاستغلال، نقص المعروض، عدم توفر الزريعة، غلاء وسائل النقل والتوصيل.

النموذج التوزيعي للتجارة الداخلية المعتمد من وزارة الاقتصاد القائم على سلسلة التوزيع بالجملة ثم التوزيع بالمفرد يبدو أنه نظام قديم لا يتماشى مع حقائق وتقنيات السوق. ولكي أكون منصفا فأنه لا خبرة لدي حول الإجراءات الإدارية التي تتخذها الوزارة في تفعيل آليات التجارة الداخلية ومعايير نجاحها في السيطرة على الأسعار المحلية، ولكن يبدو جليا أن هناك أزمة حقيقية في هذا الخصوص بعملية إدارة سلسلة الامدادات أو ما يطلق عليه في علم اللوجستيات Supply Chain Management.

بداية ومن ناحية شخصية فأني أجد نفسي متعارضا مع صيغة الأسواق الشعبية المؤقتة كمنفذ لتصريف الخضروات بالمفرد. هذه الطريقة من ناحية إدارة اللوجستيات طريقة عديمة المنفعة فيها إهدار كبير للسلع والذي سوف يتم تحميله على المستهلك في النهاية ما يسبب في رفع الأسعار للتعويض المسبق عن المفقود. أما من ناحية أخرى فهي تضيع المسؤولية الصحية عن المنتجات المباعة التي قد تكون غير صالحة للاستعمال البشري نتيجة استعمال المبيدات الكيماوية أو تواجد الحشرات والقوارض وغيرها فيها.

النموذج الحضاري يتمثل في أسواق ثابتة يمكن فيها تخطيط عمليات التزويد بطريقة تقلل الهدر إلى أقل حد ممكن باستعمال سياسات التخزين صفر بحيث يتطابق المعروض مع المتوقع من الطلب Just in Time وهو كذلك يوفر للمزارعين رؤية واضحة عبر السلاسل الزمنية للطلب للاستجابة لأوامر الشراء المتوقعة، هذا يفترض أن يمنع نقل خسائر المزارع عبر السلع مثلا من يزرع الطماطم ويخسر نتيجة قلة الطلب عليها ربما سيحاول استرداد هذه الخسارة في محصول البصل فيرفع سعره.

الأسواق الثابتة أيضا تمنع السماسرة والمضاربين من افتعال أزمات العرض على سلعة معينة حيث يمكن للسلطات مساءلتهم وتحميلهم المسؤولية عن نقص سلعة معينة. كما أن الأسواق الثابتة تتيح عملية هامة جدا هي إمكانية إعادة التوجيه أو إعادة التدوير للتخفيض من الهدر الأمر الذي يصعب تنفيذه في الأسواق المتحركة أو الشعبية.

إدارة سلسلة الإمداد هي عمل تجاري بحت يجب أن يقوم به اتحاد العارضين ولكن يجب أن يكون تحت إشراف دقيق من الدولة بحيث تمنع تأسيس احتكار يسمح لهذا الاتحاد أن يؤسس لممارسات تثبيت الأسعار واستغلال الفرص، وجود الأسواق الشعبية المتنقلة بصورة محدودة ومقننة قد يساعد على وضع ما يسمى تهديد الاحتكار Contestable Market بحيث يمنع أصحاب المصالح الثابتة المانعة للدخول من صبغ سيطرتهم الاحتكارية على السوق. فهي تمنح مجالا هامشيا للعارضين خارج سلطة اللوجستيايين المؤسسين وكذلك تمنح المستهلك الفرصة البديلة خارج سلطة العارضين التقليديين.

ولكن اعتمادها كمنفذ أساسي يصيب عملية إدارة سلسلة الامدادات بعجز كبير يقود إلى استفحال مشاكل الهدر والاستغلال.