الصالون الاقتصادي الليبي يصدر توصيات عن المشاركة بين القطاع العام والقطاع الخاص PPP التحديات والفرص المتاحة في البيئة الليبية

901

أصدر الصالون الاقتصادي الليبي توصيات عن المشاركة بين القطاع العام والقطاع الخاص PPP التحديات والفرص المتاحة في البيئة الليبية

في النظم التقليدية غالبا ما تحتكر الدولة أو الحكومة تحمل مسئولية إنشاء وصيانة وتطوير وإدارة وتشغيل مرافق البنية التحتية من شبكات الطرق والموانئ والمطارات والكهرباء والصرف الصحي ومشاريع المياه وشبكات الاتصالات وتقديم الخدمات بجميع أنواعها، حيث يشكل هذا الأنفاق الاستثماري والتشغيلي جزء كبير من الناتج المحلي الإجمالي.

في العقود الأخيرة لوحظ انخفاض حجم  الإنفاق الاستثماري بشكل واضح لدى العديد من الدول لعدة أسباب أهمها ارتفاع المخاطر على المالية العامة، والعجز في الموارد المالية المتاحة والقيود التي تضعها النظم المالية النافذة في تلك الدول إضافة إلى عدم كفاءة هذا النوع من الإنفاق مما جعل الحكومات لوحدها عاجزة على تأهيل وتطوير وادارة مشروعات البنية التحتية.
لتصحيح هذا الوضع لجأت أغلب الدول لتصحيح اوضاعها المالية الهامة وتخفيض المخاطر المرتبطة بالإنفاق الاستثماري العام  وهو الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص   (PPP) في مجالات تمويل وتأهيل وإدارة وتشغيل مرافق البنية التحتية

تعتبر البنية التحتية (Infrastructure ) عصب التنمية والتطور الاقتصادي لكل بلد حيث لا يمكن قيام نهضة وتنمية بدون بنية تحتية جيدة, فقد اثبتت الدراسات أن زيادة الاستثمارات في البنية التحتية بنسبة 1% فقط سيؤدي الى زيادة في الناتج المحلي الإجمالي ((GDPلذلك البلد بنسبة 1.2%,وأن أي زيادة في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 1% الناتجة عن زيادة الاستثمار في البنية التحتية  تؤدي إلى خلق ملايين فرص عمل غير مباشرة على المدى القصير.

وفي دراسة لمنظمة McKinsey    تؤكد أن حجم الإنفاق الدولي على البنية التحتية يقارب من 2.5 تريليون سنويا, على الرغم من أن العالم يحتاج انفاق ما يعادل 3.5 تريليون سنويا حتى عام 2030 ليحافظ على معدل النمو الحالي وقدرة 3.5 سنويا. وهذا يعني لابد من زيادة الإنفاق الاستثماري في البنية التحتية بما يعادل 1 تريليون سنويا للمحافظة على أهداف التنمية المستدامة التي وضعتها الأمم المتحدة. الدول النامية وحدها تحتاج 60% من هذه الزيادة في الاستثمار في البنية التحتية.

الفجوة في الإنفاق الاستثماري في البنية التحتية كبيرة جدا على المستوى الدولي بشكل عام وبشكل أكبر في دول العالم الثالث ، وبالتالي فإن السير في الطرق التقليدية التي تعتمد  على المالية العامة للدول في مثل هذا النوع من الإنفاق لن يستطيع غلق هذه الفجوة, فلابد من التفكير بشكل جدي في طرق مبتكرة ومنوال تنموي مختلف تتظافر فيه كل الجهود وحشد كل الإمكانيات المتاحة من القطاع العام والخاص لغلق هذه الفجوة.

إن الشراكة بين القطاع العام والخاص Public Private Partnership (PPP),  تعتبر احد الحلول الناجعة لغلق هذه الفجوة في الإنفاق الاستثماري لتحقيق الاهداف التنموية خاصة في ظل عجز الموازنات العامة للدول, وخاصة بعد الأزمات المالية التي تمر بها أغلب دول العالم

ومن خلال قراءة مبدئية لبعض التجارب الدولية هناك مؤشرات نجاحات في بعض نماذج المشاركات، وفي نفس الوقت هناك الكثير من الاخفاقات والتي سببها الرئيسي هو سوء إدارة هذا النوع من المشاركات وعدم تهيئة البيئة الملاءمة التي تكفل النجاح

ان خصوصيات الاقتصادي الليبي والأوضاع التي تمر بها البلاد اليوم تشكل حافزا كبيرا أمام الحكومة لتبني هذا الاسلوب كبديل  لتصحيح أوضاع المالية العامة وتخفيض المخاطر المرتبطة بها، فليبيا بلد كباقي دول العالم الثالث  يعاني من مخاطر عالية على صعيد الموازنة العامة بسبب الاعتماد في تمويلها بشكل شبه كامل على مصدر وحيد هو النفط، والذي ترتبط عوائده على حجم الصادرات ومستوى السعر في الأسواق العالمية، ومن جهة أخرى تعاني ليبيا بشكل كبير من تهالك البنية التحتية من شبكات الطرق والكهرباء والاتصالات والمياه والصرف الصحي وتدني مستوى الخدمات، إضافة الى ما تعكسه المؤشرات المالية ضعف واضح في النواحي الإدارية والتشغيلية لهذه المرافق الأمر الذي انعكس بشكل سلبي على التنمية الاقتصادية والاجتماعية وميزانيات كبيرة من أجل صيانة وتطوير تلك المرافق تعجز الحكومة في ظل الظروف الحالية عن توفيرها، وإذا أضفنا إلى ما آل إليه مستوى الفساد الإداري والمالي في القطاع العام والتي تعكسها تقارير الجهات المعنية سواء المحلية منها أو الدولية، كل ذلك يجعل من منهج الشراكة بين القطاع العام والخاص بديلا ملائما لتأهيل وتطوير وإدارة وتشغيل هذه المرافق بشرط إدارتها بشكل حكيم وتهيئة الظروف المناسبة لنجاحها

ومن الملاحظ في السنوات الأخيرة لوحظ قابلية هذا النوع من المشاركات دون تهيئة البيئة الملاءمة لضمان نجاح مثل هذه المشاركات مما قد يشكل بعض المخاطر واحتمال فشلها مسبقا, وهذا ما دفع بالصالون الاقتصادي لتبني هذا التقرير والخروج بتوصيات تساعد متخذي القرار في تبني انطلاقة سليمة تضمن قدر كبير من النجاعة.

سنتناول في هذا التقرير الآتي:

  1. ما المقصود بنظام المشاركة بين القطاع العام والخاص PPP وماهي النماذج المتعارف عليها  وآليات عملها ومميزات وعيوب كل نموذج؟ 
  2. أهم العوامل التي تشجع وتحفز على تبني هذا النوع من الشراكات في البيئة الليبية وما هي متطلبات تهيئة البيئة لإنجاح مثل هذه التجربة؟
  3. العوامل التي تساهم في نجاح هذا النوع من المشاركات في تحقيق اهدافها في مجال البنية التحتية وكذلك التحديات والمحاذير التي يجب الانتباه والاستعداد لها؟
  4. الحوكمة والشفافية وعلاقتها بنجاح هذا النوع من المشاركات وكذلك الدور المحوري لمؤسسات التمويل 
  5. المخاطر والقيود المرتبطة بحجم الإنفاق الاستثماري العام على مشاريع البنية التحتية في ليبيا في ضوء  المؤشرات الصادرة عن المنظمات المحلية و الدولية، والحاجة إلى تطبيق هذا الأسلوب لتصحيح أوضاع المالية في ليبيا؟
  6. تقييم الحالة الليبية وذلك من خلال الاتي:
    1. دراسة وتقييم الشركة الليبية لإدارة مشاريع المشاركة مع القطاع الخاص المنشأة حديثا
    1. دراسة مشروع قانون الشراكة بين القطاع الخاص والعام والذي عرض على المؤتمر الوطني العام ولازال حبيس الادراج
    1. دراسة بعض المحاولات لعقد صفقات بنظام المشاركة (تجربة مصلحة المطارات  مثلا)
    1. دراسة دليل المشاركة بين القطاع الخاص والقطاع العام المعد من وزارة الاقتصاد

مفهوم المشاركة بين القطاع العام والخاص Public Private Partnership (PPP):

تؤكد أغلب الدراسات على عدم وجود تعريف محدد ومتفق عليه لمفهوم المشاركة, إلا إن أغلب هذه التعريفات لا تخرج على كونها إنها (تعاقد طويل الأجل في العادة  بين القطاع الخاص والوحدات الحكومية لتقديم أصول وسلع او خدمات عادة ما يقدمها القطاع العام على ان تتم المشاركة في المخاطر والعوائد بين الطرفين ويتحمل فيه القطاع الخاص دور أكبر من المخاطرة وكذلك المسئولية الإدارية) وهذا التعريف هو الذي تبناه  الدليل الشراكة بين القطاع الخاص والعام  النسخة 3 PUPLIC-(PRIVATE PARENERSHIP, Reference Guide, Version 3) والصادر عن مجموعة العمل في البنك الدولي بالتعاون مع عدد من المنظمات الدولية والاقليمية الأخرى المهتمة بهذا النوع من المشاركات

“A long-term contract between a private party and a government entity, for providing a public
asset or service, in which the private party bears significant risk and management responsibility and remuneration is linked to performance

ونظرا لحداثة هذا المفهوم  نسبيا وتشابك اطرافه التعاقدية وأصحاب المصالح في هذا النوع من المشاركات يصعب وضع تعريف واضح وشامل لمثل هذه المشاركات ويشير بعض الكتاب في أن هذا المفهوم PPP يغطي المسافة بين الطريقة التقليدية وهي الملكية الكاملة للقطاع الحكومي والخصخصة، والتي قد تكون في شكل عقود الإدارة البسيطة ويكون فيها دور القطاع الخاص محدود وبسيط، وبين نظام BOT أي البناء والتشغيل ونقل الملكية فيما بعد.   وفي كل الاحوال كل التعريفات تصب في انها ترتيبات تعاقدية تتم بين القطاع الخاص والعام يقوم بمقتضاها القطاع الخاص ببناء وتشييد وإدارة اصول وتقديم سلع وخدمات كانت من صميم مهام القطاع العام.

حيث هناك اتفاق في أغلب التعريفات على مجموعة من المعايير والأسس والخصائص التي تعتمد عليها المشاركات مثل: .

  1. مدة العقد عادة ما تكون طويلة الأجل نسبيا
  2. 2.      . ملكية المشروع للقطاع الخاص ملكية مؤقتة ومشروطة وليست دائمة
  3. 3.      . طريقة التمويل والتي عادة ما يكون للقطاع الخاص الدور الأكبر سوء إن كان عن طريق الشريك الخاص المتعاقد معه مباشرة أو عن طريق طرف ثالث (المؤسسات التمويلية)

بعض نماذج عقود الشراكة بين القطاعين العام والخاص:

للشراكة بين العام والخاص أوجه كثيرة تتوقف على مدى المشاركة ونسبة المخاطرة الواقعة على القطاع الخاص. حيث تحدد عقود الشراكة بوضوح التزامات كل طرف والمخاطر التي يواجها. وفيما يلي بعض نماذج المشاركات:

  • عقود إعادة بناء المرافق واللامركزية والخدمات: حيث تقوم الحكومات الراغبة في تحسين أداء مرافقها وبناها

التحتية الى إشراك القطاع الخاص لإعادة بناء أو تطوير او إدارة هذه المرافق. وفي بعض الحالات تقوم الحكومات

بتطوير القطاع أولا ومن ثم إشراك القطاع الخاص لضمان تحقيق اتفاق عادل للطرفين. وتتميز هذه العقود بإعطاء ميزة تنافسية لمقدم الخدمة وذلك بالاستقلالية  التامة في تمويل  المشاريع وضمان استقرارها واستمراريتها بالإضافة الى مبدأ الشفافية في تقديم الخدمات والتعامل مع العملاء والاستجابة لملاحظاتهم واحتساب العوائد من الخدمة بشكل اقتصادي.

  •  الاعمال المدنية وعقود الخدمة: وتتسم هذه  العقود بتوفير الخدمات والمواد وتنفيذ بعض التعاقدات لصالح طرف  اخر يمكن ان تكون الحكومة شريك فيه. هناك عديد من هذه النماذج تم إعدادها من قبل الاتحاد الدولي للمهندسين الاستشاريين (FIDIC) ومحكمة العقود المشتركة (JCT) ومؤسسة المهندسين المدنيين (ICE) وكذلك إعداد نماذج مخصصة من قبل البنك الدولي لمثل هذه التعاقدات
  • عقود الإدارة والتشغيل والصيانة (Q&M): وتشمل هذه العقود عقود المساعدة الفنية والتشغيل والصيانة حيث تقوم الحكومة  بإشراك القطاع الخاص بإدارة أنشطة معينة مدة من الزمن (عادة تتراوح بين 2 الى 5 سنوات(  حيث عادة ما يتحصل المشغل على إيرادات ثابتة من التشغيل والصيانة بغض النظر عن مخرجات الخدمة حيث لا تشمل هذه الإيرادات العوائد السيادية. وتتسم هذه العقود بقله خطورتها وذلك لمحدودية مدة التعاقد من قبل الحكومة, كما أنها تعتبر خطوة لتهيئة القطاع الخاص لعقود أطول مدة.
  • العقود الايجارية: وتعتبر هذه العقود نوع من الشراكة بين القطاعين العام والخاص حيث يقوم القطاع الخاص بالتشغيل والصيانة للمرفق ولكن الاتفاق لا يشمل التمويل والاستثمار. حيث عادة ما تلجأ الدولة لهذا النوع من التعاقد في المشاريع الغير محفزة استثماريا أو لا ترغب في وضع أي رهونات عليها كمشاريع إمدادات المياه والصرف

 الصحي. تختلف هذه العقود عن عقود الإدارة في أن المشغل لا يتلقى مبالغ ثابتة مقابل الخدمة بل يفرض رسوما مقابل الخدمة تدفع منها عوائد للدولة مقابل تكلفة الأصول.

  • عقود البناء والتشغيل ونقل الملكية (BOT) وغيرها: تشمل هذه العقود التصميم أحيانا وفي أحيان أخرى البناء والتشغيل ونقل الملكية للمالك بعد مدة زمنية يتم الاتفاق عليها. تعتبر هذه العقود من العقود طويلة الأمد حيث يعطى صاحب الامتياز كل حقوق الملكية فترة

الامتياز بما في ذلك السيطرة الكاملة على الاستثمارات والأصول الى أن تعود الى السلطة المتعاقدة في نهاية فترة الامتياز وعادة ما يتم تحديد اشتراطات لعوة الملكية للأصول بشكل يمكنها من العمل فترة من الزمن بعد انتهاء مدة الامتياز. حيث تم تطوير صيغ وأنواع عديدة من أهمها

  • مشروعات البناء والتملك والتشغيل ونقل الملكية  BOOT: حيث يكون لصاحب الامتياز حق تملك المشروع ملكية تكفل له سهولة تشغيله وصيانته بشكل مؤقت
  • مشروعات البناء والامتلاك المرحلي والتأجير التمويلي ونقل الملكيةBOLT : حيث يتم تأجير اصول المشروع لتشغيلها بغاية التملك.
  • مشروعات البناء والتملك والتشغيلBOO : حيث تكون الملكية في هذه المشاريع شبه دائمة و تنتهي بانتهاء فترة الامتياز لارتباطه بمشروع آخر.
  • مشروعات البناء والتشغيل وتجديد عقد الامتيازBOR : تعتبر هذه المشاريع ذات ميزة تنافسية حيث تبطئ بالتطور التكنولوجي والتحديث المستمر للمشاريع أو اكتشاف مصادر جديدة من المواد المتعلقة بالمشروع
  • مشروعات تحديث وتملك وتشغيل ونقل الملكية MOOT: تستخدم هذه الاتفاقات لتحديث الأصول المتهالكة من خلالها استخدام معدات تكنولوجية متقدمة ونظم تشغيل حديثة
  • مشروعات إعادة تأهيل وتملك وتشغيل ROO: تستخدم هذه الصيغ لمشاريع قائمة وغير اقتصادية تحتاج الى اعادة تهيئة وتجديد وصيانة وتطوير.
  • مشروعات تصميم وبناء وتمويل وتشغيلDBFO : تستخدم هذ الصيغة  لإقامة مشاريع جديدة يقوم المقاول بالتصميم والبناء التمويل والتشغيل
  • مشروعات الشراء والبناء والتشغيل PBO: يمثل هذا النوع أهمية خاصة في برامج الإصلاح الاقتصادي حيث يتم شراء أصول مشروع قائم وتطويره وإنشاء أصول جديدة ملحقة به وتشغيله والانتفاع به

مبررات الشراكة بين القطاع الخاص والعام PPP: 

  1. تدني حجم الاستثمارات في البنية التحتية والضغوط المتزايدة علي الموازنة العام للدولة .
  2. زيادة الإنفاق الجاري للدول مما سبب ضغوطات على الإنفاق الرأسمالي وتقليص حجمه.
  3. جاذبية الاستثمار في التنمية  للقطاع العام والخاص.
  4. ضعف عامل الكفاءة في الخدمات والمشاريع التي تقدمها الحكومة .
  5. محدودية قدرات الموارد البشرية والتكنولوجيا لدي القطاع العام.
  6. عدم قدرة الحكومة لخلق تنمية مستدامة.
  7. خفض الدور الحكومي المتعلق لتنقيد وتشغيل البنى التحتية للخدمات العامة وتركيز دورها على وضع السياسات وتحديد الأولويات والأهداف ومراقبة وتنظيم الخدمات.
  8. إدخال الابتكار والإبداع  والمنافسة علي تصميم المشروعات الخدمية وتقديم الخدمات بما يواكب التطورات الحديثة.
  9. تقاسم المخاطر بين القطاع العام والقطاع الخاص 

مقومات نجاح المشاركة بين القطاع العام الخاص:

  1. الدعم الواضح والقوي من أعلى سلم السلطة في الدولة.
  2. وجود استراتيجية طويلة الأجل للمشاركة بين القطاعين من أجل تقوية الصلات بين وحدات القطاعين العام والخاص.
  3. وجود إطار مؤسسي ، هيئة أو مؤسسة (UNIT)   تكون هي المسئولة على إدارة وتهيئة البيئة لمثل هذا النوع من التعاقدات
  4. استقرار البيئة الخارجية لتطبيق نماذج المشاركة وبصورة أساسية (الإطار القانوني والإطار المؤسسي واستقرار المالية العامة للدولة). 
  5. تحديث نظام الإدارة والعنصر البشري المخول بإدارة هذا النوع من المشاركات وبصفة خاصة بناء قدرات تفاوضية على درجة عالية من المعرفة بهذه الأمور. 
  6. ارساء مبادئ الشفافية والوضوح لتعزيز الثقة بين القطاع الخاص والعام لزيادة الدعم الشعبي لمثل هذه البرامج. 
  7. التخطيط السليم سواء على مستوى التعاقدات والتنفيذ والرقابة والمتابعة.
  8. بنية تحتية تشريعية وقانونية محكمة. 

دراسة الحالة الليبية:

شهدت الفترة الأخيرة كثيرا من الأصوات التي تؤمن أن تحريك عجلة الاقتصاد وخلق تنمية في جميع المجالات قد يكون أحد أهم المفاتيح للأزمة الليبية وظهرت كثيرا من الأصوات التي أصبحت تدفع في اتجاه منوال تنموي مختلف على المنوال التقليدي في إعادة بناء وصيانة البنية التحتية والتي تعد من أهم مقومات التنمية والنمو الاقتصادي، هذا الحماس في اتجاه منوال المشاركات بين القطاع الخاص والقطاع العام PPP،  كان ملحوظ من خلال  حلقات النقاش والمؤتمرات والاجتماعات على المستوى الأكاديمي وعلى المستوي الحكومي، وكذلك في بعض الإجراءات العملية حتى وإن كانت غير منظمة وبطريقة فوضوية وغير مدروسة.
لهذا السبب توجه الصالون الاقتصادي لدراسة هذا الملف ولفت الانتباه لأي أوجه قصور لاستراتيجية الحكومة في تبني منوال المشاركات بين القطاع الخاص والعام . 

فهناك مجموعة من الأسباب والمبررات التي جعلت نظام المشاركات PPP محور اهتمام صناع القرار في الدولة الليبية والتي قد تكون أسباب منطقية ومتوافقة بشكل كبير مع المبررات العلمية في اغلب دول العالم لتبني هذا المنوال التنموي،

يمكن تلخيصها في الاتي: 

  1. . حالة عجز الموازنات في الدولة الليبية المستمر في السنوات الأخيرة والذي سبب في تراكم دين عام حكومي يتجاوز 100 مليار دينار،
  2. 2.      . التضخم الكبير في حصة النفقات الجارية بجميع أبوابها بشكل مبالغ فيه مما أدى إلى التهام نسبة تتجاوز 80% تقريبا  من الموازنة وتقلص حصة  موازنة النفقات الرأسمالية بشكل كبير جدا. 
  3. 3.      . صغر حجم المخصص للنفقات الرأسمالية  مقارنة بالاحتياجات لهذه النفقات الذي خلق فجوة كبيرة تزداد كل يوم، فلابد من التفكير في أسلوب مختلف لا يكون فيه الاعتماد على الموازنة العام للدولة لتجسير فجوة الأنفاق الرأسمالي 
  4. 4.      . صغر حجم مخصصات الإنفاق الرأسمالي مقترنة ايضا مع عدم الكفاءة في الإنفاق في القطاع الحكومي حيث تشير بعض الدراسات لنسبة لاتصل إلى 25% من كفاءة الإنفاق الرأسمالي 
  5. 5.      . التوقف شبه التام لأغلب مشاريع التنمية والتي بداء العمل بها قبل سنة 2011 والتي يعتبر جزء كبير منها قد تجاوز نسبة الإنجاز فيها 70%، مشاريع ضخمة تتجاوز قيمها التعاقدية 100 مليار دينار 
  6. 6.      . الحالة السيئة للبنية التحتية من طرق وجسور ومطارات ومحطات الطاقة وغيرها حيث يحتاج جزء كبير منها إلى إعادة تأهيل وتحتاج الدولة أيضا لأنفاق استثمارات ضخمة للمشاريع الجديدة أو لإعادة تأهيل البنية التحتية الحالية.
  7. 7.      . تراكم مبالغ تتجاوز 100 مليار دينار في البنوك الليبية تبحث على أوجه للاستثمار المختلفة يمكن الاستفادة منها وضخها في استثمارات على البنية التحتية. 

لكل هذه الأسباب وغيرها يجعل القطاع العام وحده عاجز على تلبية الطلب المرتفع للإنفاق على البنية التحتية، وهنا ولدت الحاجة إلى تحشيد كل الإمكانيات المالية والفنية للقطاع العام والخاص لتجسير فجوة الأنفاق على البنية التحتية.

منوال المشاركات بين القطاع الخاص والعام يحتاج إلى توافر مجموعة من المقومات الأساسية لضمان نجاحها اهمها:

  1. إطار تشريعي محكم يضبط العلاقة بين أطراف الشراكة ويحدد الواجبات والمسئوليات ويضبط كل تفاصيل التعاقد وكل ما يتعلق بالمشاركات 
  2. وجود مؤسسة أو هيئة (unit)  مدعومة من أعلى الهرم في الدولة  توكل إليها تهيئة الظروف قبل تبني منوال المشاركات٠  
  3. وجود قدرات تفاوضية على درجة عالية من الكفاءة والفاعلية وكذلك مستوى عالي من المرونة في هذا النوع من التعاقدات على وجه الخصوص. 
  4. مستوى عالي من الشفافية في كل مراحل التعاقد في هذا المنوال ومن خلال دراسة الواقع والبيئة الليبية الحالية نلاحظ ان الدولة لا تملك كل مقومات النجاح التي ذكرت أعلاه رغم وجود بعض المحاولات

 غير  المنظمة للدخول في هذه المشاركات، حيث إنها لا تملك إطار تشريعي ينظم منوال المشاركاتPPP  والقوانين الحالية لا تسعف تنظيم هذه المشاركات، لا يوجد دعم حكومي معلن على الأقل لتبني هذه المشاركات، لا توجد هيئة أو مؤسسة(Unit)  تعنى بتهيئة البيئة المناسبة لتبني هذه المشاركات، عدم وجود الخبرات الفنية والتفاوضية كذلك ، المؤشرات الدولية والمحلية تخبرنا بمستوى متدني من الشفافية.

وفي هذا الإطار كما أشرنا أعلاه ، هناك بعض المحاولات لخلق مقومات لتبني منوال المشاركات ومن أهم هذه المحاولات المبعثرة والغير منتظمة والتي تم دراستها من فريق الصالون الاقتصادي المكلف بدراسة هذا الموضوع والتي من أهمها : 

  1. هناك محاولة لطرح مشروع قانون المشاركة بين القطاع الخاص والعام والذي تم طرحة على المؤتمر الوطني العام للإقرار ولكن لم يتم اقراره وبالتالي لا يوجد قانون حتى الأن.
  2. أصدرت وزارة الاقتصاد دليل للشراكة بين القطاع الخاص والعام لم يتمكن الفريق من الحصول عليها وتقييمها 
  3. صدور الفترة الأخيرة قرار لمجلس الوزراء بإنشاء شركة تحت مسمى (الشركة الليبية لإدارة مشاريع المشاركة مع القطاع الخاص ) المفترض إنها تعني بتنظيم مشاريع الشراكة والتي سيتم تقييمها لاحقا
  4. هناك محاولات من مصلحة المطارات لعقد مشاريع شراكة مع القطاع الخاص ولكنها لم ترقى أن تكون محاولات منظمة وجدية 

الشركة الليبية لإدارة مشاريع المشاركة مع القطاع الخاص:

بموجب قرار مجلس الوزراء رقم (1) لسنة 2020 بشأن إضافة وغرض وتعديل الاسم التجاري للشركة، بناء على هذا القرار تم تعديل اسم الشركة من (الشركة الليبية للاستثمارات) إلى (الشركة الليبية لإدارة مشاريع المشاركة مع القطاع الخاص) ذات شخصية اعتبارية وذمة مالية مستقلة برأس  مال قدرة 100 مليون دينار. 

وتشير المادة رقم (3) من النظام الأساسي للشركة إلى أغراض الشركة الجديدة كالتالي:

أغراض الشركة: البحث عن مصادر تمويل بديلة للمشروعات العامة، وذلك من خلال العمل على توفير وتطوير البيئة الملائمة التي تسهل تنفيذ تلك المشروعات عن طريق المشاركة بين القطاعين العام والخاص، مع مراعاة تحقيق القيمة المضافة بشفافية وتنافسية، وتحقيق خدمات وبنى تحتية ذات جودة عالية، ولها الحق في إدارة المحافظ واستثمار الفوائض النقدية لصالح الجهات العامة والهيئات والمؤسسات والشركات سواء كانت وطنية أو أجنبية، وإنشاء الصناديق المتخصصة وإدارتها، وإدارة الشركات ذات الغرض الخاص للمشاريع الحكومية، وإعداد الأطر القانونية والإجراءات اللازمة للشراكة بين القطاع العام والخاص وإدارتها وتنفيذها بعد اعتمادها من الجمعية العمومية، وإدارة الإصدارات،

وللشركة في سبيل تحقيق أغراضها القيام بما يلي: 

  • إبرام الاتفاقيات والعقود مع الجهات التي ترغب في استثمار مدخراتها وفوائضها المالية.
  • الإقراض والاقتراض.
  • تملك العقارات اللازمة لتحقيق أغراضها
  • إجراء كافة التصرفات القانونية على ما تملكه من أموال ثابتة أو منقولة بالبيع والشراء والرهن وغير ذلك من أوجه التصرفات القانونية.
  • إجراء كافة التصرفات القانونية للأموال التي تديرها لصالح الغير طبقا لشروط اتفاقيات الإدارة الموقعة معهم ووفقا للتشريعات النافذة.
  • المشاركة في تأسيس الشركات مع الغير في حدود أغراضها بعد موافقة
  • إبرام الاتفاقيات والعقود مع المؤسسات المالية الوطنية والدولية وبما يساعدها على تحقيق أغراضها

عليه من خلال التمعن في النظام الأساسي ومن خلال الاجتماع  الذي عقده فريق الصالون الاقتصادي مع رئيس مجلس إدارة الشركة، وبالرجوع الى أدبيات المشاركة بين القطاع العام والخاص PPP وكذلك التجارب الدولية يمكن ملاحظة الاتي:

  1. أن تجربة إنشاء شركة تعنى بالمشاركة هي تجربة غير مسبوقة في التجارب الدولية, لأن كل التجارب الدولية و أدبيات المشاركات التي تنصح بها المنظمات الدولية وعلى رأسها البنك الدولي هو خلق إطار مؤسسي  مدعوم بدعم حكومي واضح وقوي قد تكون في شكل هيئة او مؤسسة، اما وجود شركة فهو شيء غير مألوف.
  2. الشركة هي مؤسسة ربحية لا يمكن أن يوكل إليها مشروع تهيئة البيئة لعمليات المشاركة
  3. هذا المنوال التنموي (PPP)  يحتاج دعم قوي من السلطة المركزية يتقاطع مع كل القطاعات

 وبالتالي يصعب ان تكون لشركة تتبع قطاع معين لها القدرة على إدارة ملف المشاركات 

  • من خلال النظام الأساسي للشركة لا يوجد وضوح ولا أليات محددة تجعل الشركة قادرة على إدارة هدا النوع من المشاركات   


التوصيات

من خلال دراسة نظام المشاركات واستعراض التجارب الدولية وكذلك دراسة الحالة الليبية يمكن تلخيص مجموعة من التوصيات التي يعتقد الفريق المكلف من الصالون  بانها مهمة ويجب أخذها في الاعتبار عند تبني هذا المنوال التنموي:

  1. نظام المشاركات PPP يعتبر نظام مختلف بشكل كلي على النموذج التقليدي ، يحتاج إلى ظروف وبيئة ومناسبة لضمان نجاحه 
  2. من أهم مقومات نجاح نظام المشاركات هو وجود إطار قانوني محكم وإطار مؤسسي مدعوم من أعلى سلم السلطة في الدولة 
  3. يوصي الفريق بضرورة إصدار بيانات وتعليمات واضحة من اعلى سلم السلطة بتبنى نظام المشاركات كمنوال تنموي وتقديم  الدعم التشريعي والمؤسساتي والفني لكل مرحلة من مراحل المشاركات
  4. إنشاء وحدة (Unit) ) سواء أن كانت هيئة أو منظمة تحت إشراف أعلى سلطة في الدولة تكون مهمتها الرئيسية تهيئة البيئة المناسبة لنجاح نظام المشاركات، ومعالجة الفجوات التشريعية والفنية اللازمة، ففي الحالة الليبية يمكن إنشاء إدارة أو وحدة مختصة في هيئة المشروعات العامة الليبية أو خلق هيئة جديدة تعنى بالمشاركات 
  5. نظرا لعدم وجود الخبرة في مثل هذا النوع من المشاركات يوصي الصالون الاقتصادي باتباع سياسة التدرج الحذر في تبني نظام المشاركات، فمثلا أن تتولى الدولة اختيار مشروع أو اثنين محددين وتقديم الدعم الكامل لها ومعالجة أي صعوبات تواجه جميع مراحل الإعداد والتنفيذ ويتم معالجة وتنقيح أية اخطاء تحدث أثناء التنفيذ،  هذه السياسة قد تجعل المشروع ناجحا ومنها تنتقل إلى  مشاريع أكبر.
  6. و كذلك يمكن أن تكون التجربة الأولية هي في اختيار بعض المشاريع المتوقفة والتي تكون نسبة الإنجاز فيها كبيرة وتكون ذات عائد اقتصادي مضمون مثل أبراج طريق الشط أو مشروع الغزالة، ويتم دعم كامل من السلطة العليا لإنجاح برنامج المشاركة ، 
  7. بالنسبة للشركة الليبية لإدارة مشاريع المشاركة مع القطاع الخاص يعتقد الفريق أنه لا يمكن أن تكون هي المؤسسة  القادرة على تهيئة البيئة للمشاركات سواء قانونيا أو فنيا ونوصي بإعادة النظر في هذه الشركة بناء على الأسباب التي ذكرت أعلاه 
  8. لاحظ الفريق أن هناك عدم وضوع وأحيانا سوء فهم لفكرة المشاركات لدى متخذي القرارات من القطاع العام والخاص في الدولة وبالتالي يوصي الصالون بإجراء دورات ومحاضرات تثقيفية وحلقات نقاش تعزز الفهم وتصوب المفاهيم بالتعاون مع بعض المنظمات الدولية 
  9. 9.       الاستعانة ببعض المنظمات الدولية المهتمة بنماذج المشاركات للاستفادة من خبرة هذه المنظمات في مثل هذا النوع من المشاركات 
  10. تشجيع السلطات المحلية على دراسة وفهم نظام المشاركات والتي قد تكون مخرج لسد العجز في البنية التحتية في البلديات اذا ما أتقن تصميم وتنفيد المشاريع المحلية وفقا لقواعد صحيحة
  11. احد أهم مقومات نجاح نماذج المشاركات هو توافر مستوى عالي من الشفافية، ولهذا نوصي ببناء نموذج عالي من الشفافية في كل مراحل تنفيذ المشروعات عن طريق المشاركات
  12. 12.     تشجيع مؤسسات التمويل المحلية (البنوك) للدخول في العمليات التمويلية للمشاركات لاستثمار فوائض السيولة لديها وإزالة اي عراقيل قانونية تمنع من ذلك.