تعويض المواطنين نتيجة الحرب.. تحدي أمام الدولة مع استمرار الصراع

1٬564

ظل ملف تعويض المواطنين نتيجة الحروب في مناطق مختلفة في البلاد يشكل تحديًا أمام الدولة خاصة مع حالة الصراع المستمرة منذ سنوات وتضرر الكثير من المدن والقرى بسببها.

وفي السابق استطاعت الدولة مع نهاية العام 2011، تحقيق نجاح طفيف من خلال تعويض المناطق المتضررة بسبب الحرب في تلك الفترة وبالتحديد في مدينة سرت، حيث كانت مساحة الخسائر في نطاق ضيق ومحدود.

ومع اتساع رقعة الحرب لتشمل مؤخرا جنوب العاصمة طرابلس ومناطق أخرى في وسط وغرب البلاد، أصبح التحدي كبيرا ويشكل عبئ ثقيل على الحكومة والدولة بصورة عامة مع تزايد المطالبات بالتعويض.

إضافة إلى ذلك، لاتملك الحكومة في طرابلس المتمثلة بالوفاق خطة واضحة المعالم لهذا الملف مع استمرار حالة الانقسام والتشضي التي تعيشها البلاد منذ العام 2014، رغم تشكيل لجنة لحصر الأضرار جنوب العاصمة الفترة الماضية.

وشكلت اللجنة التابعة لوزارة الحكم المحلي بحكومة الوفاق الوطني بناء على توصيات من بلديات المنطقة الوسطى والغربية، إضافة إلى مؤسسات المجتمع المدني.

وبدأت اللجنة أعمالها من خلال محاولة حصر الأضرار التي خلفتها الحرب جنوب طرابلس واستلام الملفات من المواطنين، لكنها تبقى خطوة تنقصها الكثير من الإجراءات ومعرضة للمشاكل القانونية.

ومن المتوقع أن يخصص المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني على الأقل نصف مليار دينار لتعويض الخسائر التي لحقت بالبيوت ومساكن المواطنين هناك، لكن لاتوجد معلومات مؤكدة حول القيمة المالية المخصصة.

صناديق غير شرعية

قرار الرئاسي بتشكيل اللجنة يشبه إلى حد كبير الصناديق التي أنشأت في السابق وفي فترات زمنية مختلفة لجبر ضرر بعض الأخطاء حيث جميعها لاقت الفشل في نهاية المطاف.

من غير المعروف ما إذا كانت تستطيع لجنة مشكلة حديثًا من حصر جميع الخسائر والأضرار دون تعرض الملف للنهب والفساد من قبل المتربصين في ظل افتقادها للحماية عبر القوانين والإجراءات اللازمة.

وقال رئيس لجنة حصر أضرار الحرب جهان الشلتات، إنهم شرعوا في استقبال ملفات المواطنين المتضررين من الحرب الأخيرة على طرابلس ومناطق أخرى.

وأوضح الشلتات في تصريح لصحيفة صدى الاقتصادية، بأن اللجنة ستحاول حصر الأضرار التي خلفتها الحرب منذ بدايتها في الرابع من أبريل من العام الماضي في جميع المدن والمناطق الغربية والجنوبية.

وأشار رئيس اللجنة إلى أن هناك لجنة أخرى مشكلة من الإسكان والمرافق بحكومة الوفاق الوطني، إضافة إلى مهندسين مختصين، ستقوم بتقييم الوضع وتحديد القيمة المالية للأضرار التي لحقت بممتلكات المواطنين نتيجة الصراع المسلح.

وعلى الرغم من ذلك، يعتقد الكثيرون بأن المسألة أعمق من ذلك وأكثر تعقيدا حيث هناك العديد من المناطق التي طالتها يد الحرب ويحتاج سكانها للتعويض أيضا.

إن القرارت في هذا الاتجاه وبصورة مباشرة يمكن أن تسرع في عملية حصول المواطنين للأموال والبدء في عملية الترميم وإعادة البناء لكنها أيضا معرضة للفشل ولمشاكل فنية وقانونية.

الاصطدام بالقانون

وقال الخبير القانوني اسماعيل الفاسي إن هناك حكم صادر من المحكمة العليا يقضي بعدم إلتزام الدولة بتعويض المواطنين نتيجة خسائر الحروب الأخيرة التي حدثت في مناطق مختلفة في البلاد طيلة السنوات الماضية.

وأوضح الفاسي في تصريح لصحيفة صدى الاقتصادية، بأن مثل هذه الأحكام يمكن أن تؤثر على الجهود التي تبذلها الحكومة من أجل تعويض المتضررين من الحرب خاصة في جنوب العاصمة طرابلس.

وأضاف : هناك حاجة ملحة للحصول الناس على الأموال خاصة في مناطق جنوب العاصمة، لكن يجب أيضًا وضع آلية محكمة على الأقل لتعويض السكان ماديا من أجل ترميم وإعادة بناء منازلهم.

ووفق الحكم الصادر فإن الدولة غير ملزمة ولديها الخيار في دفع تعويضات للمتضررين من الحروب أو غض الطرف عنها حيث لا يترتب على ذلك أية استحقاقات تجاه المواطنين.

ويعتقد الخبير القانوني بأن مسألة التعويضات أمر مهم للغاية بالنسبة للمواطنين المتضررين لكن مع ضرورة سلوك طرق أكثر فاعلية ويمكن من خلالها تحقيق نوع من النجاح دون وقوع الفساد.

العدالة الإنتقالية

وقال استاذ القانون العام طه بعرة إن حكم المحكمة العليا والقاضي بعدم إلزام الدولة دفع تعويضات لجبر الضرر نتيجة الصراعات أغفل قانون العدالة الإنتقالية الذي صدر في العام 2013 والذي يلزم الدولة التعويض في المرحلة الانتقالية.

وأشار بعرة خلال تصريح لصحيفة صدى الاقتصادية، بأن قانون العدالة الإنتقالية هو أفضل طريق يمكن أن تسلكه السلطات في البلاد لتحقيق تعويض عادل لجميع من تضرر يسب الفوضى والحروب منذ العام 2011 وإلى الآن أو عندما تنتهي المرحلة الإنتقالية في المستقبل.

ووفق استاذ القانون العام، سيمكن قانون العدالة الانتقالية من انشاء صندوق جبر الضرر او التعويض، إضافة إلى لجنة تقصي الحقائق والذي سيسمح بعمل متكامل يتوافق مع القانون ويقطع الطريق أمام المستغلين للفوضى والفساد.

وأضاف بأنه يمكن أن تؤدي قرارات تشكيل اللجان والصناديق بعيدا عن قانون العدالة الإنتقالية إلى تعرضها للفشل والسرقة من قبل لوبي الفساد نظرا لعدم استنادها لمصدر تشريع قوي مثل مجلس النواب.

إن مسالأة التعويض أو جبر الضرر في جميع أنحاء البلاد تمثل تحديًا كبيرًا أمام أي حكومة أو سلطة قادمة، نظرًا لعمق الشرخ الذي خلفته الحرب في المدن والقرى، إضافة إلى الانتهاكات الانسانية الأخرى التي هي أعظم بكثير من الأضرار المادية.

ويتفق الكثيرون على أنه لايوجد طريق يمكن الدولة من الخروج من هذا الملف الشائك والمعقد سوى تحقيق العدالة الانتقالية تمهد لمصالحة شاملة وتؤسس لبناء الدولة المنشودة.