حبارات: الانخفاض المستمر في رصيد الاحتياطي الأجنبي يقف عائقًا مباشرًا أمام مخصصات أرباب الأسر

462


كتب: الخبير الاقتصادي “نور الدين حبارات” قراءة تحليلية من واقع بيانات رسمية

أقر المركزي مع مطلع العام 2017 م وبالتنسيق مع المجلس الرئاسي وحكومته وبالتزامن مع استئناف إنتاج وتصدير النفط برنامج لبيع النقد الأجنبي مباشرةًً للمواطنين وبمعدل 400 دولار لكل مواطن وبالسعرالرسمي في إطار مابات يعرف بمخصصات أرباب الأسر وذلك بهدف التخفيف من معاناة المواطنين التي تفاقمت حينها ولازالت جراء الارتفاع الكبير في الأسعار وشُح السيولة وتدهور الدينار، حيث قدرت تكلفة هذا البرنامج الإجمالية ب 2.800 مليار دولار وذلك استناداً على إيرادات نفطية متوقعة خلال العام المذكور قدرت بقيمة 21.700 مليار دينار أي ما يعادل 15.500 مليار دولار.

ومع إن إنتاج النفط خلال العام 2017 م في المتوسط لم يتجاوز لمنتصف مستوياته التي سجلها قبل توقفه في مطلع يوليو 2013 م، فإن إتفاق مجموعة الأوبك وروسيا لخفض الإنتاج وتعزيز الأسعار الموقع في ديسمبر 2016 م و الذي اسثتنيت ليبيا منه يبدو إنه ساهم وساعد الحكومة في تحقيقها لقرابة 0/090 من الإيرادات النفطية المستهدفة بالميزانية، حيث بلغت الإيرادات المحققة ما قيمته 19.200 مليار دينار أي ما يعادل 13.982 مليار دولار، كما إن انخفاض حجم الإنفاق العام على الجانب الآخر والذي لم يتجاوز حاجز 33.000 مليار دينار تقريباً وبما نسبته 0/048 من حجمه في 2013م الذي لامس آنداك حاجز 64 مليار دينار ساهم وبشكل غير مباشر في اختفاء العجز في ميزان المدفوعات لهذا العام ( 2017 ) رغم تنفيذ برنامج أرباب الأسر وذلك بعد أن سجل هذا الميزان عجزاً تراكمياً ناهز من 50 مليار دولار على مدار السنوات 2013 ,2014 ,2015 ,2016 ( مرفق صورة ) تفاصيله على التوالي 6.233 مليار دولار ، 23.328 مليار دولار ، 13.32 مليار دولار ، 7.767 مليار دولار.

وعلى الرغم من تحفظي اقتصادياً على البرنامج المذكور من حيث المبدأ فإنه ومع ذلك قد أَجِد له ما يبرره بإعتبار تم آقراره بعد توقيع أطراف الصراع لإتفاق سياسي لتقاسم السلطة بعد فترة شهدت فيها البلاد حروب وصراعات وتجاذبات سياسية ألقت سلباً بظلالها على الوضع الاقتصادي والخدماتي ومن تمة كان لزاماً أن يمنح الرئاسي وحكومته والمركزي متنفس وفسحة من الوقت لدراسة أسباب ومبرارات تدهور الأوضاع الاقتصادية والمالية وإقرار إصلاحات اقتصادية حقيقية لمعالجة الإختلالات والتشوهات بالميزانية العامة و ميزان المدفوعات وبالاقتصاد ككل.

في العام 2018 م ومع الإزدهار النسبي لأسعار النقط التي تجاوزت في أواخره حاجز 80 دولار للبرميل نتيجة تعافي الاقتصاد العالمي بسبب زيادة الطلب والعقوبات الأمريكية على إيران وفنزويلا العضويين البارزين بالأوبك فضلاً عن زيادة الإنتاج المحلي عن مستوياته في 2017 م فإن إيرادات النفط لهذا العام ناهزت ما قيمته 33.500 مليار دينار أي ما يعادل 24.000 مليار دولار تقريباً ما سمح ذلك بإستئناف البرنامج ورفع قيمة المخصصات إلى 500 دولار للفرد وبقيمة إجمالية تقارب من 3.723 مليار دولار ، و بالتأكيد ساهم هذا الإزدهار في تحقيق فائض نقدي في ميزان المدفوعات بقيمة 5.418 مليار دولار مع نهاية العام و هو الأول له منذ ست سنوات بل هذا الفائض الذي كان متوقع شجع وسرع حينها في اقرار ما يسمى ببرنامج الإصلاح الاقتصادي في سبتمبر 2018 م المكون نظريا من رزنامة متكاملة من الإصلاحات على كافة المسارات لعل أبرزها تخفيض قيمة الدينار إلى 3.9 دينار للدولار بعد فرض رسم او ضريبة على مبيعات النقد الأجنبي بما نسبته 0/0183 للأغراض الشخصية و التجارية إلى جانب رفع الدعم في مقابل صرف علاوة الأبناء و إقرار صرف دفعة أخرى من أرباب الأسر لهذا العام ( 2018 )، غير أن عملياً.

ومع مرور الوقت أتضح إن البرنامج المذكور مجرد ضريبة فقط دفعها المواطنين بشكل غير مباش وحصلتها المصارف ولم تتخذ الحكومة وعلى مدار عام وأربعة أشهر من عمر هذا البرنامج وقبل إنهياره رسمياً في مطلع العام الحالي مع توقف النفط لم تتخد أي إجراءات على مسار الميزانية العامة فالإنفاق العام في 2019 تزايد عن معدلاته في 2018 م من 42.500 مليار دينار إلى 45،800 مليار كذلك العجز في الميزانية تزايد من 4.900 مليار دينار إلى 11.900 مليار دينار و الإيرادات السيادية لم تتجاوز حتى 0/055 من مستهدفاتها والدين العام المصرفي تفاقم بل عوائد الضريبة او الرسم تحولت وللأسف وسيلة لتمويل العجز و للتوسع في الإنفاق الإستهلاكي و ليس لإطفاء هذا الدين دون أن تدرك الحكومة خطورة و تداعيات ذلك على الإقتصاد، وفي المقابل عجز المركزي من جانبه في إتخاذ أي إجراء على مسار السياسة النقدية التي يبدو معطلة إزاء هذا البرنامج الذي بدأ يتهاوى في نهاية 2019 م فالعجز في ميزان المدفوعات عاد مجدداً والإحتياطي الأجنبي تراجع بعد أن تجاوزت المدفوعات الخارجية قيمة الإيرادات النفطية الدولارية مسجلة .24.000 مليار دولار منها 7.000 مليار دولار مخصصات لأرباب الأسر كما لم يضع المركزي أي قيود للحد من استخدامات النقد الأجنبي بل يبدو إنه لم يأخذ في حسبانه انهيار الإيرادات النفطية ليس بسبب توقف التصدير فحسب بل بسبب تهاوي الأسعار ومغبة إنزلاق الاقتصاد العالمي في دائرة الركود، كما إن المعروض النقدي تزايد أو على الأقل بقى عند مستوياته في نهاية 2018 م وأزمة السيولة تفاقمت حدتها بعد أن خفت نسبياً، في حين السوق الموازية ازدهرت وحجم تداولتها فاق حجم الناتج المحلي للبلاد والسعر التوازني أو الموحد أصبح مطلب صعب المنال إن لم نقل مستحيل.


واليوم ونحن في 2020 م نرى أَن الوضع الاقتصادي يتأزم أكثر فالإيرادات النفطية لم تتعدى حصيلتها حتى سبتمبر المنصرم 2.388 مليار دينار أي ما يعادل 1.705 مليار دولار والإيرادات السيادية سجلت 1.425 دينار فقط أما العجز في الميزانية العامة( الترتيبات المالية ) يقارب من 22 مليار دينار و قد يصل إلى 000 .30 مليار دينار مع نهاية العام في حين العجز في ميزان المدفوعات يقارب من 7.000 مليار دولار و قد يناهز 10.000 مليار دولار.

و بما أن صرف مخصصات أرباب الأسر يخضع لعوامل محددة أبرزها حصيلة الإيرادات النقطية الدولارية وحجم الإحتياطي الأجنبي والفائض في ميزان المدفوعات، وحيث إن جميع هذا العوامل اليوم في تراجع واضح فياساً بما كانت عليه في 2017 ،2018 ،2019 م فإن استئناف صرفها يبدو مسألة غاية في التعقيد خاصةً في ظل حالة عدم اليقين التي تغيم على المشهد السياسي والتي لايستطيع أحد التنبوء بنهايتها وحسابياً الفرضية التالية تعزز هذا الإعتقاد.

رصيد الإحتياطي الأجنبي الحر أي المتاح قدر وفق وفقاً لبيانات عن المركزي في بداية العام الحالي ب 27.000 مليار دولار، يطرح منه قيمة العجز في ميزان المدفوعات والمتوقع أن يناهز 10.000 مليار دولار.

واذا ما أفترضنا تم صرف دفعة من مخصصات أرباب الأسر بقيمة 3.500 مليار دولار خلال هذا العام فأن قيمة رصيد الإحتياطي المتبقي يقدر ب 13.500 مليار دولار، وهذا الرقم قريب جداً من المناطق الخطرة إن لم يكن في نطاقها و بما إننا على بعد شهرين ونصف فقط من السنة المالية 2021 م فإن هذا يعني إن الحكومة ملزمة بتدبير ميزانية بقيمة 40 مليار دينار على الأقل لصرف المرتبات و فانورة الدعم و غيرها من المصروفات الضرورية.

والسؤال هو كيف ومن أين يمكن للحكومة تدبير هذه الميزانية في حال ما استمر توقف تصدير النفط أو تجميد إيراداته و عدم توصل أطراف الصراع إلى حل سياسي لإنهاء الأزمة؟