حبارات يكتب: الإخلال بمبادئ الإفصاح والشفافية مشكلة من شأنها أن تسهم في زيادة تعقيدات الوضع المالي والاقتصادي للبلاد

155

كتب: المهتم بالشأن الاقتصادي نورالدين حبارات مقالاً

تقتضي مبادئ الإفصاح والشفافية بأن ينشر المركزي ووزارة المالية شهرياً البيانات المتعلقة بالإنفاق العام وأوجه إنفاقه على كافة أبواب الميزانية وكذلك البيانات المتعلقة بالإيرادات العامة النفطية والسيادية من ضرائب وجمارك وفوائض شركات عامة إلى جانب البيانات المتعلقة بميزان المدفوعات ، فهذه البيانات يجب أن تكون متاحة للجمهور بهدف الاطلاع والدراسة والتحليل وإبداء أراءهم المختلفة بشأنها .

فأولاً هذه الأموال أموالهم أي أموال الشعب ومن حقه معرفة مصادر تحصيلها وأوجه صرفها، ومن حق المواطنين معرفة قيمة الإنفاق العام على كافة الأبواب وقيمة الإيرادات النفطية والسيادية المحصلة شهرياً ، وهل هذه الإيرادات كافية لتغطية الإنفاق العام أم لا ؟؟ ومن حقهم معرفة من أين وكيف يتم تغطية العجز ؟؟ وكيفية التصرف في الفائض إن كان هناك فائض في الميزانية ، وماذا عن مستقبل عملتهم المحلية أي الدينار وفي أي اتجاه يسير ؟؟.

وثانياً فإن نشر هذه البيانات يساعد ويسهم في إبداء المواطنين سيما المختصين منهم لأرائهم البناءة للحكومة والمركزي بهدف مساعدتهما في إيجاد الحلول، وهذا العرف أو الإجراء أي نشر تلك البيانات للجمهور إجراء متعارف عليه في كافة دول العالم ، بل الحكومات والبنوك المركزية لتلك الدول تنشر كل ربع سنوي بيانات عن المؤشرات الاقتصادية والمالية كالمتعلقة بالناتج المحلي الإجمالي ومعدلات النمو ، معدلات البطالة والتضخم ( أسعار المستهلكين ) ، حجم الدين العام وأقساط القروض والفوائد ومعدلاتها ، حجم الصادرات والواردات ، العجز أو الفائض في الميزانية وميزان المدفوعات ، رصيد الاحتياطي الأجنبي ، حجم الإقراض ، الاحتياطي العام ، قيمة صندوق الثروة السيادية ومعدلات نموه وإلى ما ذلك من مؤشرات وبيانات .

وحقيقةً المركزي الليبي وحتى نهاية العام الماضي كان ملتزم وإلى حداً ما بنشر تلك البيانات في مواعيدها في حين لم تكن وزارة المالية كذلك .

لكن هذا العام وفي ظل عدم إقرار قانون الميزانية يبدو أن المركزي وجد نفسه محرج في نشر تلك البيانات باعتبار أن الصرف يتم بالمخالفة للقانون أي بدون اعتماد للميزانية رغم أن كافة المواطنين يعلمون حقيقة ذلك .

فاليوم المواطنين لا يعرفون بالضبط حجم الإنفاق العام حتى 30 نوفمبر المنصرم وأوجه إنفاقه بل لا يعرفون حتى حجم ( الميزانية ) بالضبط لهذا العام بعد المشاحنات والمشادات التي حدثت بشأنها بين الحكومة ومجلس النواب ما حال دون اعتمادها .

ومعظمهم لا يعرف أن قيمة الإيرادات النفطية حتى نهاية أكتوبر الماضي لا تتجاوز 18.600 مليار دولار أي ما يعادل ( 83.000 مليار دينار ) وفق لبيانات صادرة عن المؤسسة وأن هذه الإيرادات لا تتجاوز ما نسبته ‎%‎38 من إيرادات العام 2012م في مقابل إنفاق عام قد يتجاوز حاجز 100 مليار دينار هذا العام ومرشح للزيادة خلال العام القادم .

والمواطنين اليوم لا يعرفون شيء عن الإيرادات السيادية ، فهذه الإيرادات في أحسن أحوالها قد لا تتجاوز 2.000 مليار دينار وأن جزء منها لا يورد للخزانة العامة بل يتم استخدامها مباشرةً من قبل الحكومة في أوجه وأغراض مختلفة كالإيرادات المتعلقة بشركات الاتصالات ، ولكن الأدهى والأنكى من ذلك أنهم لا يعرفون أن هذه الإيرادات قاربت من 7 مليار دينار عام 2010 وكانت تسهم في تمويل ما نسبته ‎%‎70 من الميزانية التسييرية ( مرتبات وإنفاق تسييري ) .

والمواطنين اليوم أيضاً لا يعرفون أن الإنفاق التسييري على الجهاز الإداري المترهل قد يصل إلى 12 مليار دينار مع نهاية هذا العام ، وما إذا كان هذا الإنفاق مبرر ويتناسب مع أداء الحكومة ؟؟؟.

وبالتأكيد المواطنين لا يعرفون قيمة المبالغ التي تنفق خصماً من باب التنمية والتي قد تناهز من 20 مليار دينار مع نهاية الشهر الحالي رغم إنهم لم يروا أي شيء على الأرض وعادةً ما يشتكون من تردي البنى التحية وسوء الخدمات .

كما أنهم لا يعرفون حجم فاتورة الدعم التي قد تصل إلى 21 مليار دينار مع نهاية هذا الشهر وذلك بعد تخفيض سعر الصرف ، وفيما عدا بند الوقود الذي قد تصل تكلفته إلى 12 مليار فهم لا يعرفون تفاصيل أوجه صرف باقي الفاتورة .

والمواطنين لا يعرفون أن الإنفاق من باب الطوارئ قد يصل إلى 6 مليار دينار مع نهاية العام رغم أن بلادهم لا تعيش حالة طوارئ بمعنى الكلمة .

وفي الجانب الأخر معظم المواطنين لا دراية لهم بأن حجم الدين العام المصرفي فقط قد تجاوز حاجز 150 مليار دينار ناهيك عن قيمة الالتزامات المالية التي خلفتها الحكومات السابقة والمتعاقبة بالمخالفة للقانون على مدار السنوات الماضية، وأن حكوماتهم لم تعد تخصص ما نسبته ‎%‎05 من إجمالي الإيرادات النفطية لسداد أقساط هذا الدين عملاً بأحكام القانون رقم (15) لسنة 1986 م بشأن الدين العام .

ولا يعرفون أن سداد هذا الدين سيتم من خلال الزيادة في قيمة أصول المركزي الناتجة عن تخفيض سعر الصرف ، أي أن المواطنين هم من سيقومون بسداد هذا الدين رغم أنهم لا يعرفون أوجه استخدامه أي هل إستخدم في مصلحتهم أم لا ؟؟ والأسواء هو أن المواطنين غير مدركين بأن هذا الدين سيتفاقم من جديد في ظل محدودية أو إنخفاض الإيرادات العامة وتزايد الإنفاق العام .

كما أن المواطنين اليوم لا يعرفون أن رصيد الأموال المجنبة أو حساب الإحتياطي العام لدى المركزي قد أستنفذ وأن حكوماتهم لم تعد تعمل على إعادة تكوينه من جديد من خلال إستقطاع ما نسبته ‎%‎15 من قيمة الإيرادات النفطية عملاً بأحكام القانون رقم 127 لسنة 1971م بشأن الإحتياطي العام .

وفي المقابل لا يعرفون أي شيء عن صندوق ثروتهم السيادية ( أصول المؤسسة الليبية للإسثتمار ) والمجمدة من قبل مجلس الأمن الدولي عدا التعديات التي تتعرض لها تلك الأصول من حين إلى أخر من قبل بعض حكومات الدول الأجنبية والتي عادةً ما تنشرها وسائل الإعلام .

كما أن المواطنين اليوم لا يعرفون أن الإيرادات النفطية المجمدة عن العام 2020م والمقدرة ب4 مليار دولار أي ما يعادل 17 مليار دينار قد إستخدمت بالمخالفة في تمويل ميزانية العام الحالي .

أما مدى معرفتهم بالمؤشرات المالية والاقتصادية المذكورة أعلاه فهذه مشكلة بحد ذاتها ، فالكثير منهم لا خلفية له عن حجم الناتج المحلي الإجمالي للبلاد ولا عن معدلات التضخم والبطالة المرتفعة ولا عن حجم الواردات والصادرات ولا أي بيانات وتفاصيل أخرى.

لكن في الختام ما يجب أن تدركه الحكومة والمركزي هو أن سياسة التعتيم وعدم الإفصاح عن تلك البيانات لا يمكن بأي حال أن تخدم الوضع المالي والاقتصادي للبلاد دون مشاركة المواطنين من خلال إطلاعهم عليها ، فالأموال أموالهم ومن حقهم معرفة مصادر تحصيلها وأوجه التصرف فيها ومن حقهم معرفة كيف يدار اقتصاد بلادهم وفي أي إتجاه يسير ، ولا يمكن أن يبقوا “كالأطرش في الزفة” يتلقون فقط الصدمات من وقت إلى أخر .