حبارات: بيان المركزي الأخير واتجاه الحكومة للتعايش مع وباء كورونا أهم الأسباب وراء ارتفاع الدولار

261

كتب الخبير الاقتصادي “نورالدين حبارات” ( قراءة تحليلية من واقع بيانات رسمية )

شهد سعر الدولار مع بداية الأسبوع الحالي إرتفاع ملحوظ قارب من 6.70 دينار للدولار وهو الأول له من نوعه منذ مطلع مايو الماضي قبل أن ينخفض فجاءةً مساء أمس الأول مثاتراً بالأخبار التي تناقلتها وحرفتها وسائل الإعلام المختلفة حول البيان الصادر عن رئيس جهاز حرس المنشآت النفطية التابع للحكومة المؤقتة في شرق البلاد بشأن تفريغ الخزانات الممتلئة وذلك للسماح بتدفق الغاز للشركة العامة للكهرباء بالمنطقة الشرقية.

رغم إن هذا البيان آحادي الجانب ولا يشير لامن بعيد ولا من قريب إلى مسألة استئناف إنتاج وتصدير النفط وآليات ذلك ولم يصدر الرئاسي أي بيان يؤكد فيه ترحيبه بذلك ولا حتى البعثة الأممية ولا الدول الفاعلة والمؤثرة في الملف الليبي كالولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي ليعاود الدولار ارتفاعه في إعادة لسيناريو الأحداث قبل صدور البيان المشار إليه أعلاه،ـو نظراً للأهمية القصوى للموضوع سيما وإنه يمس عامة المواطنين تقريباً الذين يعانون ويعيشون اليوم أحلك وأسواء الظروف جراء تراكم و تعدد الأزمات التي تحاصرهم و ثتقل كاهلهم.

فأني أردت تناول هذا الموضوع المهم من زاوية اقتصادية بحتة وفي إطار القواعد والنظريات ذات العلاقة وذلك للوقوف على أسبابه وآثاره وتداعياته على معيشة المواطنين، فبيان المركزي الأخير عن إيرادات ومصروفات الدولة وعن استخدامات النقد الأجنبي عن الفترة من 1/1 حتى 31:7:2020 ( مرفق صورة ) أعطى إشارة واضحة لا لَبس فيها عن مدى عمق الأزمة الاقتصادية والمالية نتيجة الإنهيار المتوقع للدينار أمام العملة الخضراء فهذا البيان أظهر ما يلي

-1- عجز في ميزان المدفوعات بقيمة 5.700 مليار دولار و متوقع أن يتجاوز عثبة 10 مليار دولار مع نهاية العام ما يعني خسارة للإحتياطي الأجنبي الحر لما يقارب من 0/050 من. قيمته التي حددها المركزي في بيانات سابقة له ب 27 مليار دولار تقريباً ، فهذا العجز يعكس تزايد الطلب على النقد الأجنبي الذي يفوق المعروض منه ، ونظراً لإنهيار مبيعات النفط فإيرادات النقد الأجنبي خلال الفترة موضوع البيان لم تتجاوز 3.600 مليار دولار منها 2.051 مليار دولار تخص مبيعات نفطية عن سنة 2019 م في حين لم تتجاوز إيرادات النقد الأجنبي عن شهر يوليو المنصرم 53 مليون دينار أي ما يقارب 38 مليون دولار فقط و هذا في الواقع مؤشر سلبي خطير يحمل في طياته الكثير فلا مجال للمركزي لإستئناف بيع مخصصات أرباب الأسر التي آعتمدت كوسيلة في السابق لدعم الدينار و للتخفيف من أزمة السيولة بعيداً عن أدوات السياسة النقدية التي يبدو لم تعد ممكنة ،كما إن مجاله ضيق لإستئناف منظومة الأغراض الشخصية و التي و إن آستئنفت ستكون بشروط أبرزها رفع سعر الضريبة و ذلك بهدف زيادة عوائدها للحد من الدين العام خاصةً مع إحتمال تفاقم العجز في الميزانية إلى جانب تخفيض قيمة السقف و ذلك بهدف الحد من إستنزاف الإحتياطي الأجنبي الأخد في التراجع بسبب تعطل إنتاج و تصدير النفط.

2- فعلياً وإذا ما أخدنا مرتبات يوليو في الإعتبار التي تقدر ب 2 مليار دينار و التي لم يتضمنها البيان المذكور فإنه يمكن ألقول إن الميزانية أو الترتيبات المالية سجلت عجز نقدي قدره 1.500 مليار و نظراً للهبوط الحاد في الإيرادات النفطية و السيادية من جهة و تفاقم تداعيات كورونا من جهة أخرى فإن العجز المقدر ب 26.707 مليار دينار في الميزانية ( الترتيبات المالية ) و الذي سيموله المركزي قد يتجاوز عثبة 30 مليار دينار مع نهاية العام و هذا بالتأكيد سينعكس سلباً على سعر الدولار الذي سيتزايد فزيادة الإنفاق العام ما هي إلا زيادة لدخول للمواطنين سواء كانوا في القطاع العام أو الخاص و هذا سيؤدي بدوره إلى زيادة الطلب و الإستهلاك للسلع و الخدمات التي سترتفع أسعارها تبعاً لذلك ما يعني زيادة في الطلب على الدولار لتوفيرها دون أن يسقط من حسابتنا قيمة الإنفاق العام الذي يتم من خلال الحكومة المؤقتة و أثاره السلبية على ذلك.

3- نظراً للنقص الحاد في السيولة لدى المصارف نتيجة لتوقف منظومتي أرباب الأسر و الأغراض الشخصية التي أعتمدت كوسيل لمعالجة أزمة السيولة أو بإلأحرى للتخفيف منها فإن هذا النقص سيؤدي حتماً إلى زيادة الطلب على الدولار بهدف الحصول على السيولة و من ثم إرتفاع أسعاره.

4- تجاوز الدين العام المصرفي لحاجز 100 مليار دينار ( على الحكومتين ) و عدم العمل على إطفائه ، فإيرادات ضريبة النقد الأجنبي خلال الفترة موضوع البيان و البالغة 13.500 مليار دينار و إن آستحدمت في إطفاء جزء من الدين فإن المركزي بدوره ضخ من جانبه ما يعادل هذ المبلغ أو أكثر في شكل قرض لتمويل الميزانية و ذلك في إطار ما يعرف بإستدامة التمويل ، و على هذا الأساس فإن المعروض النقدي بشقيه ( داخل النظام المصرفي أو خارجه ) الدي يقدر إجمالي ب 105 مليار دينار لم يتقلص بل إزداد و ذلك إذا ما أخدنا في إعتباراتنا العملة المطبوعة من قبل المصرف المركزي البيضاء و المتداولة في شرق البلاد و بالتأكيد الحجم الضخم لهذا المعروض قادر على إمتصاص كافة العملات الأجنبية بالسوق الموازي ما سيؤدي إلى إرتفاع أسعارها.

وفي المقابل فإن الإجراءات التي اتخدها الرئاسي مؤخراً والتي تأتي في إطار الاتجاه للتعايش مع وباء كورونا لها آثارها فعملياً قرار حظر التجول والإغلاق للأنشطة الاقتصادية رقم 523 لسنة 2020 م الصادر في السابع من أغسطس الجاري إنتهى مفعوله و لم يتخد الرئاسي قرار بتمديده على عادته كما إنه تم إستئناف الملاحة الجوية و حركة الطيران مع بعض الدول وذلك منذ السابع والعشرين من الشهر الماضي وهذه الإجراءات بالطبع ستؤدي إلى زيادة الطلب على الدولار لأغراض السفر والتجارة والعلاج وذلك بعد أن ساهمت هذه الإجراءات خلال الأشهر الماضية في الحد من إرتفاع سعر الدولار في السوق الموازي و الذي أستقر في الغالب تحت حاجز 6 دينار للدولار .عليه و بناءاً على ما تقدم و في حال ما أستمرت الأوضاع و الظروف على ما هي عليه الأن خاصةً في ظل حالة عدم اليقين التي تغيم على المشهد الليبي بشكل عام فإن سعر الدولار حتماً سيتخد منحىً تصاعدياً بل قد يتجاوز مستويات 2016 م ما يعني تفاقم أكثر لمعاناة المواطنين ، كما إن هامش المناورة من خلال الحلول التلفيقية و المؤقتة ضيق هذه المرة فالظروف اليوم ليست بظروف 2018 م فقضية إستئناف إنتاج وتصدير النفط العمود الفقري لاقتصاد البلاد ومحركه الوحيد لم تعد قضية محلية كما يبدو بل دولية بإمتياز وذلك في إطار ما بات يعرف بالتوزيع العادل للثروات بين الليبيين وأحد أهم مسارات مخرجات مؤتمر برلين لإنهاء الأزمة الليبية.

وختاماً ونظراً للظروف الحرجة والدقيقة التي تمر بها البلاد نتيجة تعدد الأزمات التي أرهقت مواطنيها وفاقمت معاناتهم فإنه لم يبقى أمام أطراف الصراع والفرقاء السياسيين إلا التحلي بالمسؤولية وعليهم أن يتقوا الله في هذا الشعب الدي لم يعد له طاقة لتحمل المزيد وعليهم أن يغلبوا مصلحة الوطن على مصالحهم الشخصية الضيقة وذلك بإن يسارعوا بإنهاء الانقسام والتوافق على حل سياسي شامل يوحد مؤسسات الدولة ويرسئ لإستقرار في كافة ربوعها يضمن من خلاله استئناف تدفق إنتاج وتصدير النفط بإنتظام ويمهد لإجراء إصلاحات سياسية واقتصادية حقيقية وهيكلية تنتشل البلاد من أزماتها.