حبارات يكتب : ( ماذا تعني لنا مبيعات من النقد الأجنبي بقيمة 3 مليار دولار خلال 25 يوم فقط ؟؟؟)

1٬147

كتب : نورالدين حبارات المهتم بالشأن الإقتصادي

أعلن المركزي الشهر الماضي و من خلال مسؤولين له لأحدى وسائل الإعلام ، إن مبيعات النقد الأجنبي منذ توحيد سعر الصرف لكافة الأغراض ( تخفيض قيمة الدينار ) عند 4.48 دينار للدولار و خلال 25 يوم فقط من العمل رسمياً بهذا القرار تجاوزت أكثر من 3 مليار دولار و ما يعادل 13.410 مليار دينار .

و حقيقةً رقم كهذا قد يراه المواطنين أمر عادي جداً في حين إنه يحمل في مضمونه دلالات و تداعيات يجب الإشارة إليها و توضيحها لعل أبرزها :-

1- هناك طلب متنامي كبير على النقد الأجنبي لمختلف الأغراض أكبر من توقعات المركزي نفسه . فمبيعات بهذه الوتيرة و المعدلات تعني أن حجم الطلب أو المدفوعات من النقد الأجنبي قد تصل إلى 30 مليار دولار مع نهاية العام و هذه القيمة تفوق و بشكل كبير حجم المدفوعات خلال عامي 2018 م و 2019 التي بلغت قيمتها 19.331 و 24.602 مليار دولار على التوالي.

2- المركزي لا يمكنه الصمود طويلاً أمام حجم هذا الطلب المتنامي حتى في حال رفع التجميد عن الايرادات النفطية التي يتوقع أن تتراوح حصيلتها بين 19 إلى 20 مليار دولار أو أكثر قلبلاً ، فالعرض من النقد الأجنبي الذي مصدره الإيرادات النفطية سيكون أقل من الطلب الذي مصدره الإعتمادات و الحوالات لكافة الأغراض للقطاعي الخاص و العام.

3- الطلب على النقد الأجنبي في ظل إحتمالية أقرار ميزانية أو ترتيبات مالية بقيمة قد تقارب من 80 مليار دينار بالتأكيد سيتزايد ، فزيادة الإنفاق العام تعني زيادة في دخول المواطنين و زيادة هذه الدخول ستؤدي إلى زيادة الإستهلاك للسلع و الخدمات ما يعني زيادة في الطلب على النقد الاجنبي في بلد يستورد تقريباً كافة إحتياجاته من الخارج .

و لكن يبقى السؤال هو كيف يمكن أن تحدث الزيادة في هذا الطلب ؟؟
في العام 2019 م بلغت الإيرادات النفطية ما قيمته 31.195 مليار دينار أي ما يعادل أنذاك 24.107 مليار دولار و شهدت حينها أسعار النفط إنتعاشاً نسبياً أستقرت أسعاره في المتوسط بين 55 إلى 62 قبل أن تتراجع ثم تتهاوى مع مطلع العام 2020 م جراء وباء كورونا .

و في المقابل و كما أسلفنا بلغت المدفوعات من النقد الاجنبي خلال هذا العام قرابة 24.702 مليار دولار مع ملاحظة إن المركزي حينها رفع كافة القيود على إستخدامات النقد الأجنبي تنفيذا لما يسمى ببرنامج الإصلاح الإقتصادي ألى إن سجل ميزان المدفوعات مع نهاية العام عجزاً يقارب من 2 مليار دولار .
لكن الغريب في الأمر إنه في العام 2020 م الذي شهد إيقاف شبه كامل لتصدير النفط قبل إستئنافه في أكتوبر الماضي و تجميد إيراداته و التي لم تتجاوز قيمتها 3.800 مليار دولار منها 2.051 مليار دولار تخص ديسمبر 2019 .

و مع إن المركزي فرض خلال هذا العام (2020 م ) قيود مشددة على إستخدامات النقد الأجنبي أوقف بموجبها منظومة الأغراض الشخصية في مارس الماضي و أقتصر فتح الإعتمادات المستندية على السلع الاساسية فقط قبل أن يوقفها بشكل غير رسمي مع نهاية سبتمبر الماضي، فإنه و مع كل ذلك بلغت المدفوعات من النقد الأجنبي قرابة 13.000 مليار دولار على مدار العام .

و السؤال المهم هو ، إذا كانت المدفوعات من النقد الأجنبي في العام 2020 م و في ظل إنهيار أيرادات النفط و القيود المشددة التي فرضها المركزي حينها بلغت 13.000 مليار دولا تقريباً ، فكم ستكون حصيلة هذه المدفوعات خلال هذا العام ( 2021ً ) في ظل الرفع الكامل للقيود بعد أن بلغت حصيلتها خلال 25 يوماً فقط أكثر من 3 مليار دولار مع العلم إننا لازلنا في بداية العام و إيرادات النفط و في أفضل أحوالها قد لا تتجاوز 20 مليار دولار فقط ؟؟؟؟؟

و على ماذا يعول المركزي و الحكومة في مواجهة هذا الطلب المتنامي و المتوقع و ما هي وسائلهما ؟؟؟
فهل يعولا على إرتفاع اسعار النفط التي قد تتراجع في حال ما قررت تحالف أوبك +روسيا وقف سياسة تخفيض الإنتاج في أبريل القادم أو قد تتخلى العربية السعودية عن خفضها الطوعي المقدر ب مليون برميل يومياً أو مع إحتمال عودة إيران للإتفاق النووي في مقابل رفع العقوبات ؟؟؟ أما إنهما يعولا على مزيداً من التخفيض في قيمة الدينار بحجة القضاء على السوق الموازي و الفساد في الإعتمادات أم على إستخدام البيروقراطية عبر تعطيل المنظومة من حين لأخر لأسباب تقنية كسباً للوقت ؟؟؟؟

و في الختام فإن ما يجب الإشارة إليه هو إن صناع القرار في هذه البلد لازالوا و إلى يومنا هذا غير معترفين أصلاً بأن البلد تعيش أزمة إقتصادية مرشحة لمزيد من التأزم تتمثل في ضعف إيرادتها العامة و محدودية إيراداتها من النقد الاجنبي في مقابل إرتفاع الإنفاق العام و تنامي العجز في الميزانية و تراكم الدين العام فضلاً عن إرتفاع معدلات التضخم و البطالة و ضعف القدرة الشرائة للدينار و تأكل البنى التحتية و تدهور الخدمات بسبب إنعدام التنمية و إستفحال الفساد .

و بدلاً من تعاطيهم مع الأزمة و معالجتها عبر إعتماد خطط و إستراتيجيات محددة الأهداف و واضحة المعالم تكفل إجراء إصلاحات إقتصادية حقيقية ترتكز على حل سياسي شامل دائم ينهيء الإنقسام و يرسئ الإستقرار في كافة ربوع البلاد ، فإذا بهم يصرون على إعتماد الحلول العبثية التلفيقية المؤقتة كمسكنات في مواجهتها يدفع ثمن تداعياتها مستقبلاً المواطنين البسطاء وحدهم دون غيرهم .