خاص.. “زرموح” يعلق حصرياً على طلب ليبيا الدعم من البنك الدولي

962

قال أستاذ الاقتصاد بالأكاديمية الليبية الأستاذ الدكتور “عمر زرموح” حصرياً لصحيفة صدى الاقتصادية: إطلعت اليوم (28/09/2023) على خطاب وزير المالية بحكومة الوحدة الوطنية الموجه إلى البنك الدولي بتاريخ 12/09/2023 وهي طبقاً للمتحدث الرسمي للحكومة ليست المراسلة الوحيدة بل هناك مراسلتان أخرييان إحداهما للبنك الأفريقي للتنمية وأخرى للبنك الإسلامي. 

وفيما يلي جملة من الملاحظات حول المراسلة الموجهة للبنك الدولي:

1. ليبيا عضو في البنك الدولي منذ عام 1958 ومن ثم فهي، من حيث المبدأ، من حقها أن تطلب منه كل ما تحتاجه من خدمات مما يقع في نطاق اختصاصه وبما لا يمس من سيادتها ولا يرتب عليها التزامات طويلة الأجل. 

2. النقطة المهمة هنا هي أن البنك الدولي هو مؤسسة تمويل طويل الأجل تختص بتمويل التنمية الاقتصادية وعلى الأخص تمويل مشروعات البنية التحتية كالسدود وشبكات الري وشبكات الكهرباء والطرق والجسور، وتقديم الاستشارات ذات العلاقة، بل وتوسع اختصاص البنك الدولي إلى التصدي لمشكلة تغير المناخ وتفشي الأوبئة والتهجير القسري وغير ذلك من أوجه الحياة، وكله بمقابل وليس مجانياً فالبنك الدولي ليس مؤسسة خيرية لا تهدف للربح بل بالعكس هو مؤسسة أعمال ربحية، كما أنه ليس مؤسسة إغاثة أو نجدة يمكنها أن تستجيب بشكل سريع لمواجهة الظروف الطارئة كالكارثة التي حصلت عندنا في درنة بل هي تعمل في نطاق تمويل المشروعات طويلة الأجل.

3. في ضوء النقطتين السابقتين يمكن تقييم خطاب السيد وزير المالية الذي يقول فيه إنه يوجهه للبنك الدولي نيابة عن الحكومة الليبية، يمكن تقييمه، بوجه عام، أنه كان خطاب استغاثة عاجلة وطلب نجدة سريعة جاء في اليوم الثاني مباشرة ليوم حدوث الكارثة التي حلت بشعبنا وخاصة في مدينة درنة. وفي تقديري أعتبر من الصواب، بل من الواجب، أن تطلب الحكومة المعونة اللوجستية الدولية العاجلة في هذه الظروف القاسية بالتوازي مع الجهود المحلية للحكومة والشركات والأفراد الذي تحركوا للنجدة دون أوامر من أحد بل بدوافع الأخوة والمحبة والشفقة والإنسانية. التعاون الدولي في مثل هذا الظروف مطلوب وموجود تمارسه الدول، وقد رأينا كيف هبت العديد من الدول لنجدة تركيا أثناء الزلزال الذي حل بها مؤخراً وكيف تناست بعض هذه الدول عداواتها السياسية مع تركيا وقدمت المعونة الإنسانية من أجل الإنسانية.لكن قد لا يكون من الصواب التوجه للبنك الدولي في مثل هذه الأمور الطارئة والعاجلة، فقد كان من الأفضل أن يوجه رئيس الحكومة خطاباً رسمياً للدول الصديقة ولمنظمات الإغاثة الدولية (مثل مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية UN OCHA التابع للأمم المتحدة) وخطاباً مفتوحاً لبقية الدول لتقديم ما بوسعها  للمساعدة في إنقاد ما يمكن إنقاده من البشر المنكوبين ومعالجة الصدمات النفسية وتقديم الخدمات الغذائية والدوائية والسكنيةالطارئة للناجين منهم، فهذه هي الأولوية المطلقة في مثل هذه الظروف القاسية تسبق أي حديث عن المشروعات والقضايا طويلة الأجل.

4. أما في إطار التنمية الاقتصادية والبنى التحتية التي يختص بها البنك الدولي فالتعامل مع البنك الدولي ليس جديداً فقد تعاقدت الحكومة الليبية مع البنك الدولي لتقديم دراسات استشارية في مجال التنمية الاقتصادية كان آخرها دراسة عن الإنفاق العام والاستدامة المالية قدمها البنك الدولي للحكومة الليبية في شكل ثلاثة مجلدات عام 2009 وقد حظيت هذه الدراسة باالنقاش والانتقاد من قبل المهتمين وذوي الاختصاص من الأساتذة الليبيين، ولازال المجال مفتوحاً لمزيد من النقاش والإثراء إن أرادت الحكومة أن تستفيد من تلك الدراسة. وفي هذا الإطار أرى أنه بإمكان الدولة الليبية أن تستفيد من استشارات البنك الدولي، بالتعاون مع ذوي الاختصاص الليبيين، في مجال إعادة إعمار المدن المتضررة من الإعصار الذي ضرب عددا من المدن الشرقية، وأولها مدينة درنة، في مجالات إعادة تصميم البنى التحية، وعلى الأخص السدين والاستفادة من المياه وإعادة بناء شبكة الكهرباء والطرق والإسكان والتعليم والصحة.

5. إن ليبيا بالتأكيد تحتاج إلى خدمات المؤسسات الدولية مثل الاستشارات المالية والإدارية والقانونية والفنية والعمل على إزالة الانقسام السياسي والمؤسسي وتعزيز الثقة في التعامل محلياً وخارجياً مع شركات الأعمال والمؤسسات المالية الوطنية، لكنها أيضاً بالتأكيد، ليست في حاجة لأي قروض أجنبية تكبلها أو هبات ومساعدات مالية كالتي تعطى للدول الفقيرةلأن ليبيا، كما قال بصدق أحد المتحدثين في مؤتمر أصدقاء ليبيا الذي عقد في قطر سنة 2011 ما مضمونه إن الشعب الليبي “لا يتسول ولا يتوسل”لأنه شعب غني بثرواته وخيراته، لكن ليبيا في حاجة لتوجيه مسئوليها السياسيين والإداريين نحو الالتزام بكيفية تحصيل وجبابة أموالها وكيفية إدارة هذه الأموال إدارة سليمة وفق قانون النظام المالي للدولة.

6. أخذاً في الحسبان النقاط السابقة يمكنني القول إن خطاب السيد الوزير الموجه للبنك الدولي قد تضمن عدداً من المطالب يصعب الاتفاق معه عليها كلها وعلى الأخص مطلبه بالمساعدة في تأسيس وإدارة صندوق دولي لتجميع الموارد المخصصة لتمويل إعادة إعمار المدن المتضررة. لا شك إن كلمة “مساعدة” في مثل هذا السياق تحتاج إلى تفسير وتوضيح لأنها قد تحمل أكثر من معنى فهي قد تكون مساعدةفي شكل تقديم استشارة مالية أو قانونية أو هندسية وفي هذه الحالة لا بأس بها. ولكن قد تكون في شكل تدخل دولي صريح في إدارة موارد صندوق إعادة الإعمار دولياً مما يمس بسيادة الدولة الليبية ويفقدها السيطرة على جزء من مواردها الأمر الذي يعد تجاوزاً للخط الأحمر للسيادة ولا يمكن القبول أو السماح، بل ولا يملك السيد الوزير ولا غيره السماح به. لذلك أرى أنه يجب إعادة النظر في مثل هذه المطالب الفضفاضة القابلة للتأويل وجعلها واضحة شفافة أمام الشعب الليبي لا مجال فيها لأي احتمال سيء. وفي كل الأحوال لا أجد مبرراً لجعل الصندوق المشار إليه يأخذ صبغة دولية فهو يجب أن يكون صندوقاً محلياً بامتياز وموارده ليبية خالصة ولا بأس من الاستعانة بالخبرة الأجنبية تفادياً للإخفاقات الإدارية وما يعرف بالفساد المالي الذي يتحدث الكثيرون عن تفشيه في الإدارة الليبيةقديماً وحديثاً.