خبير اقتصادي يكتب: “أين تقع الإدارة الليبية .. بين التخبط المؤقت أو الفشل المطلق”

315

كتب: الخبير الاقتصادي “محمد أحمد”

تتكاثر الازمات أمام المواطن الليبي بدون أفق واضح لحلها أو تجاوزها، أزمة الكهرباء، أزمة السيولة، أزمة الوقود، أزمة البيئة، أزمة جواز السفر والتنقل، أزمة الصحة العامة، أزمة السكن، أزمة البطالة، أزمة الأمن. المشكلة الحقيقية في أن هذه السلسلة من الأزمات ليست نتاج نقص بالموارد أو عجز في الكفاءات بل يمكن القول إنه وفي أحيان كثيرة هي انعكاس لتخبط اداري متوازيا مع تقلب سياسي عنيف.

فبالرغم من تراجع الإيرادات النفطية المورد المالي الرئيسي للدولة بشدة للعوامل المعروفة ألا أن هذا التراجع في الدخل أتى بعد سنوات من تراكم فوائض مالية مرتفعة وصلت في قمتها إلى أكثر من 160 مليار دولار كاحتياطاتي نقدي، وهذا ما قد يشير إلى أنه كان بالإمكان تجاوز الكثير من الازمات بواسطة إدارة استباقية كفؤة، لا جدال أن التدخل الدولي على مستوى السياسات العامة بطريقة تنظيرية ارشادية بدون مراعاة أي عوامل داخلية ليبية أفرز انقساما مؤسسيا أثر سلبيا على الأداء الإداري الليبي.

وبدون الدخول في مدى شرعية الأجهزة الحكومية سواء من ناحية المصدر أو القبول فأن التتبع الأعمى للإرشادات الأجنبية راكم مخزونا من المعوقات أفقد الإدارة الليبية أي مرونة لتصحيح الأخطاء الواضحة في الأداء الإداري، ويمكن القول بأنه وبالرغم من كل مساوئ الإدارة الليبية الموروثة من فساد، وجهوية وتحيز ألا أن التجربة الفائتة على الأقل في الأربع سنوات الماضية بدءاً من إقرار الترتيبات المالية كبديل عن الموازنة السنوية أثبتت أن البديل الاشرافي الأجنبي بديل سيئ ربما راجعا إلى جهله بمقتضيات التوازن الداخلي على أقل تقدير، كما أن تجربة الأمم المتحدة لم تكن بعيدة تماما عن الفساد والتحيز الجهوي.

وإذا ما تمعنا في تاريخ حركة الإدارة الليبية لحل مشاكل عديدة تحت ظروف سياسية قاسية خلال الفترة التي تلت تأسيس الدولة الليبية نرى كم كانت مرنة في الوصول إلى حلول للمشاكل الطارئة التي مرت بها في فترات احتكارات اجنبية للموارد النفطية وانهيار مريع وطويل المدى لأسعار النفط وحصار دولي خانق، يجب التركيز هنا أن الأجهزة الإدارية الليبية التي كانت تقاد بكفاءات وطنية لم تكن في كثير من الأحيان على اتفاق وانسجام تام مع اتجاهات القيادات السياسية المختلفة للدولة، ألا أنها لم تعدم ابتداع الخيارات المناسبة للتخفيف من أثر الازمات المتتالية التي مر بها البلد، وبينما هذا من جانب ثاني طبعا لا يعني النجاح المطلق للإدارة في حل كل مشاكل البلد ألا أن الإدارة آنذاك استطاعت في أحيان كثيرة حصار أسباب الازمات وخلق بدائل للحلول وفقا للمتاح والذي قد يكون في أحيان كثيرة محدود جدا.

حقيقة اليوم يصيبنا الخجل من المحاضرات الأجنبية التي تتعامل معنا كتلاميذ في كيفية إدارة أموالنا أو أقصر الطرق لحل مشكلة الكهرباء أو حتى تحقيق الأمن، لا أعرف حقيقة أن كان القدر سيسمح للكفاءات الليبية يوما لترد على هؤلاء سواء الذين هم حسنو النية أو الذين يتحدثون بنبرة استعلائية ليثبتوا لهم بأنهم كليبيون يفهمون مشاكلنا جيدا وقادرين على حلها بطريقة ستكون أكفأ بكثير من اقتراحاتهم، لو أتيحت لهم الفرصة.

أتحدث هنا مثلا عن كفاءات هندسية وإدارية وفنية على جميع المستويات استطاعت أن تؤسس لبنية تحتية قليلا ما صادفتني في دول أخرى عملت فيها بصناعة النفط والغاز وتوليد ونقل الكهرباء وتحلية ونقل الماء العذب، كذلك على كفاءات دبلوماسية حافظت على اتصال دولي مكن لليبيين من الانتقال والتجارة في ظل أوضاع سياسية معقدة.

ويجب القول إن هناك الكثير من الكفاءات الليبية اليوم سواء في القطاع الحكومي أو القطاع الخاص تحاول أن تنهض بالإدارة الليبية من التعثر المتتالي لتجنب الوصول إلى نقطة الفشل المطلق الذي سيستدعي التسليم الكامل للإدارة أو الإدارات الأجنبية والذي لم يسبق أن أثبت نجاحا في أماكن أخرى. وحتى لا أتهم بأنني أعارض الاستفادة من الخبرات الأجنبية فأنني أقول إنه لا ضرر من استخدام هذه الخبرات الأجنبية بشرط وضعها في إطارها الصحيح وعدم السماح لها بالتنظير كما يحدث الآن في بيانات السفارات والوكالات الدولية وحتى رسائل الفيس والتويتر غيرها.