“محمد أبوسنينة” يكتب حول برنامج إصلاح دعم الوقود .. المآخذ وآفاق القيام بإصلاح حقيقي يخدم الاقتصاد الوطني

313

كتب: الخبير الاقتصادي “د.محمد أبوسنينة”

مع كل أسف انتظرنا طويلا إصلاح دعم المحروقات، وها هي ملامح المعالجة المطروحة بدأت تظهر مخيبة للآمال، فقد أسست المعالجة على اعتبارات سياسية مرحلية أكثر من تأسيسها على عوامل اقتصادية واجتماعية حتى يمكن أن نسميها إصلاحا حقيقيا للدعم.

أول مأخد على المعالجة المطروحة هو ربط رفع الدعم بدفع علاوة العائلة، وكأن علاوة العائلة كفيلة بتصحيح الخلل في توزيع الدخل والتفاوت الشديد في مستويات معيشة بين الليبيين، وأنها سترجع للطبقة الوسطى، التي تكاد تكون تلاشت، اعتبارها.

المأخذ الثاني؛ لم يفكر الساسة ومستشاريهم في المناطق النائية في جنوب البلاد والمناطق الجبلية والكثير من المناطق في شرق البلاد التي تفتقر لمياه الشرب والمناطق التي يتعذر أصلا توصيل الوقود إليها قبل أن يُهرّب، وذلك لاعتبارات أمنية واجتماعية لازالت خارج السيطرة، وندرة الوقود حتي بأسعار السوق السوداء، واعتماد الكثير من المناطق على شراء مياه الشرب التي تأتي إليهم من مناطق بعيدة من المتوقع أن ترتفع أسعارها نتيجة للارتفاع المتوقع في أسعار الديزل، الأمر الذي يهدد بتضاعف أسعار الوقود المتضاعفة أصلا إلى حد استحالة شراءه وتضاعف أسعار المياه.

المأخذ الثالث والأهم هو أن مهندسي إصلاح الدعم وفقا للمطروح والمسرب اليوم قد فات عليهم الارتباط الشديد بين سعر الصرف وسعر الوقود، بمعنى أن إصلاح الدعم يرتبط ارتباطا هيكليا بإصلاح سعر الصرف الذى لا يختلف اثنان على أنه مشوه وبه خلل كبير والدليل هو وجود ثلاثة أسعار للصرف في الوقت الحاضر (سعر الصرف الرسمى وسعر الصرف الرسمى مضاف إليه رسم بنسبة 163% وسعر الصرف في السوق الموازى)، وقد كان على مهندسي برنامج رفع الدعم بذل الجهد والسؤال عن سعر الصرف التوازني (أو العادل) للدينار الليبي الذى تقوم عليه محاسبة التكاليف في ليبيا، باعتبار أن ليبيا دولة مستوردة لكافة السلع الاستهلاكية، بما في ذلك الوقود، والسلع الإنتاجية وحتى الخدمات .. يا ترى ما هو سعر الصرف الذى سوف تستخدمه شركة البريقة عندما تستورد الوقود من الخارج؟

المأخذ الرابع هو اللجوء لرفع الدعم في خطوة واحدة ونهائية خلافا لمعظم التجارب التي خاضتها دول أخرى في إصلاح دعم الوقود برفعه تدريجيا وعلى مراحل، وحجتهم أن الرفع التدريجي يحتاج لحكومة راتبة ومستقرة! ، بحيت يمكنها متابعة الموضوع، والسوال الذي يطرح نفسه هو هل تستطيع حكومة ليست راتبة أو مؤقتة تحمل مسؤولية رفع الدعم، الذى تعود عليه الناس لأكثر من نصف قرن دفعة واحدة؟ وهل ستتمكن الحكومة من معالجة الخلل الاجتماعي الذى قد يترتب على الإقدام على هذه الخطوة، وما هي الضمانات القانونية والدستورية لتنفيذ كافة ما ورد بهذا البرنامج المقترح.

المأخذ الخامس هو السياسات المصاحبة لرفع الدعم لتخفيف أعباءه على القطاع الخاص الصناعي، حيث تسرب ضمن هذا البرنامج إعفاء القطاع الصناعي من ضرائب الدخل والرسوم الجمركية وحتى دفع الضمان الاجتماعي عن العاملين بهذا القطاع من قبل الخزانة العامة، وإذ نؤيد دعم القطاع الخاص وتذليل الصعاب أمامه، ولكن لا ينبغي أن يكون ذلك على حساب القطاع العائلي أو المستهلكين، لأن هذا البرنامج يعني رفع أو تخفيف عبء رفع دعم الوقود عن القطاع الصناعي وعدم دفع بدل نقدي للقطاع الاستهلاكي تعويضا عن رفع الدعم، وتكون نتيجة هذا الإجراء إعادة توزيع للدخل من المستهلكين إلى المنتجين، الأمر الذي يتنافى مع مبدأ العدالة الاجتماعية، وحجة مهندسي هذا البرنامج هو أن صرف علاوة العائلة يعوض الأسر عن الارتفاع المتوقع في أسعار الوقود (البنزين والديزل وغاز الطهي)، متناسين أن علاوة العائلة قد فرضت بقانون وأن دفعها لابد منه سواء رفع الدعم عن الوقود أو بقى على ما هو عليه!

المأخذ السادس على البرنامج المطروح لمعالجة الدعم هو استثناء الوقود الذي تستهلكه الشركة العامة للكهرباء وتستهلكه المؤسسات الحكومية من رفع الدعم، بمعنى أن هذه الجهات سوف تستمر في الحصول على الوقود بأسعار مدعومة، وهنا يكمن الداء، في ظل الفساد المستشري في كافة القطاعات والاستهلاك غير المرشد للوقود، سيكون هناك تشوه اقتصادي كبير في هذا المجال، لا يقل خطورة عن التشوه والفساد المصاحب لإعفاء أو استثناء مشتريات الحكومة من الخارج من الرسم المفروض على سعر الصرف، والتداخل الكبير بين ما هو مستورد للحكومة وما هو مستورد للقطاع الخاص عندما يقوم القطاع الخاص بالاستيراد للحكومة، والصعوبات التي ترافق إدارة سعر الصرف في هذا المجال.

تأسيسًا على ما سبق ذكره، نرى أن تصحيح دعم الوقود يعتبر مطلبًا اقتصاديا وطنيا مشروعًا لإيقاف الهدر في الموارد ومنع تهريب الوقود وأهمية توصيل سلعة الوقود للمستهلكين في مختلف مناطق ليبيا بنفس السعر، بحيث يتم ذلك وفقا للآتي:

_ أن يرتبط أو يتلازم إصلاح دعم الوقود بإصلاح سعر صرف الدينار الليبي.
_ أن يتم رفع الدعم بالتدريج، أي على ثلاث مراحل، وصولا للرفع الكامل للدعم.
_ أن يتم دفع بدل نقدي للمستهلكين الليبيين الذين يستحقونه تعويضا لهم عن الارتفاع الذي سيطرأ على أسعار الوقود وأسعار السلع، تتحدد قيمته على أساس سعر الصرف بعد إصلاحه والعمل بسعر صرف توازني موحد لجميع القطاعات والأغراض.
– يجب أن يشمل إصلاح الوقود، الوقود المستعمل من قبل كافة القطاعات، بما في ذلك الشركة العامة للكهرباء والمؤسسات الحكومية بدون استثناء.
_ إصلاح وإعادة هيكلة قطاع الكهرباء بهدف تخفيض تكاليف التشغيل وضمان استمرار توليد وتوزيع الطاقة وتحصيل مقابل استهلاكها، وفتح المجال أمام القطاع الخاص للخوض في مجالات توليد الطاقة وتوزيعها والاستثمار في الطاقات الجديدة والمتجددة.
_ وضع برنامج محكم يضمن توصيل الوقود إلى كافة المناطق وبشكل انسيابي وآمن بحيث يباع الوقود من خلال محطات التوزيع فقط .
_ تحصيل كافة الديون المترتبة على محطات التوزيع أو ما يسمى جعل بيع الوقود بحيث يورد للخزانة العامة دون إبطاء، والقضاء على الفساد في هذا المجال.
_ العمل بجدية على توفير وسائل نقل عامة منظمة، تغني الناس عن استعمال سياراتهم الخاصة، وتقديم هذه الخدمة بأسعارها الحقيقية غير المدعومة.
_ وضع برنامج لصرف علاوة العائلة المقررة بموجب قانون صدر عن الموتمر الوطني في تاريخ سابق، باعتبارها حق مكتسب ولا علاقة لها بإصلاح دعم الوقود.
– نؤيد ونؤكد على ضرورة وضع شبكة للحماية الاجتماعية وفقا لما تم اقتراحه في السابق، للحد من تدهور مستويات المعيشة للفئات الهشة، وللأخذ بيد من هم عند خط الفقر والعاطلين عن العمل ومن يجب على المجتمع رعايتهم.