مع تأثيرات كورونا… هل يُقدم المركزي على منح ما يشبه الإعانات للمواطنين؟

646

في ظل توقف أغلب الأعمال والمشاريع الصغرى والمتوسطة الاقتصادية داخل البلاد نتيجة أزمة فيروس كورونا التي ألقت بظلال ثقيلة على المواطنين، يطالب الكثيرون من المصرف المركزي بطرابلس وحكومة الوفاق الوطني اتخاذ إجراءات من شأنها تخفيف المعاناة ومنح دفعة للسوق الذي يشهد ركودًا على نطاق واسع.

ومع التجربة السابقة في منح المركزي لمخصصات ما يعرف بمنحة أرباب الأسر وبطاقة عشرة آلاف دولار، يشكل الانخفاض المستمر في رصيد الاحتياطي الأجنبي عائقا مباشرًا أمام اتخاذ خطوات مماثلة تنعش آمال وحياة المواطنين وتبعث الروح في الاقتصاد الوطني المنهك من الأزمات المتلاحقة.

ويتطلع المواطنون إلى تطبيق قرار المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني القاضي بتفعيل منحة الزوجة والأبناء التي يمكن أن تساهم في حصولهم على دخل إضافي وثابت تعزز القوة الشرائية للمواطن رغم استمرار أزمة السيولة النقدية التي تعيق نجاح مثل هذه القرارات مع الارتفاع الكبير الذي تشهده الأسعار وتدهور قيمة الدينار مقابل العملات الأجنبية الأخرى.

ويطمح المواطنون بأن يقوم المصرف المركزي بصرف مخصصات أرباب الأسر خلال الفترة المقبلة في ظل التفائل بإعلان استئناف إنتاج وتصدير النفط وقرب التوصل لاتفاق سياسي بين الأطراف المصارعة، لكن يبقى الواقع غير سار بالنسبة للشعب حيث أن حصولهم على الدولار عبر أي طريقة يخضع لعوامل محددة أبرزها حصيلة الإيرادات النفطية من العملة الصعبة وحجم الإحتياطي الأجنبي والفائض في ميزان المدفوعات.

وتشير التقارير من المركزي بطرابلس إلى أن الاحتياطي الأجنبي والإيرادات النفطية، إضافة إلى الفائض في ميزان المدفوعات تشهد تراجعًا واضحًا قياسًا بما كانت عليه في الأعوام الثلاث الماضية، مما يجعل احتمالية صرفها أي أرباب الأسر مسالة غاية في التعقيد خاصةً في ظل حالة عدم اليقين التي تغيم على المشهد السياسي رغم الجهود الأخيرة.

حكومة عاجزة

ويتشارك العديد من المحللين بأن منح الإعانات مسؤولية تقع على عاتق الحكومة في حال كانت لديها أرصدة وأموال بحساباتها لدى المركزي، لكن المشكلة تتمثل في أن الحكومة مفلسة وتمول كافة نفقاتها هذ العام بالذات من خلال قرض المركزي.

وقال الخبير الاقتصادي نورالدين حبارات إنه على الرغم من ذلك، يرفض وزير المالية إطفاء الدين العام من خلال عوائد رسم أو ضريبة مبيعات النقد الأجنبي، والتحرر من ضغط الأزمة التي تلاحق الحكومة.

وأضاف المتابع للشأن الاقتصادي بأنه من غير الممكن منح مخصص مالية لأرباب الأسر أو المخصصات الأخرى في ظل توقف إيرادات النفط وتنامي العجز في ميزان المدفوعات الذي قد يصل إلى عشرة مليار دولار مع نهاية العام فضلاً عن تراجع الإحتياطي الأجنبي بمقدار هذا العجز.

وأشار إلى أن رصيد الإحتياطي الأجنبي الحر قدر في بدابة العام بما يقرب من 27 مليار دولار، حيث يعتبر الرصيد غير كافي في ظل حالةً عدم اليقين التي تغيم على المشهد السياسي و الذي لا يستطيع أَحد التنبؤ بنهايتها رغم مساعي المجتمع الدولي لجمع أطراف الصراع لتوقيع اتفاق جديد ينهي المرحلة الحالية، إلى جانب تراجع أسعار النفط حالياً والتي خسرت قرابة 0/030 من قيمتها بسبب كورونا.

ويرى حبارات بأن ما يخص الإجراءات التي يمكن أن يتخذها المركزي لإنعاش الاقتصاد مثل ما تقوم به البنوك المركزية في كافة دول العالم من خلال التوسع في الإقراض للمواطنين عبر المصارف التجارية وتخفيض أسعار الفائدة إلى الصفر أحياناً، يعتبر إجراء غير ممكن للأسف نتيجة استخدام إحتياطي المركزي في دفع مرتبات العاملين وتمويل نفقات الحكومة وليس لإنعاش الاقتصاد وانتشاله من الركود، فالدين العام المصرفي الذي يناهز إجماليه 140 مليار دينار كان يفترض أن يوجه لإقراض المواطنين وتشجيع القطاع الخاص وليس لصرف المرتبات بعد أن عجزت الحكومة في تدبير الموارد المالية اللازمة لذلك.

ومما لا شك فيه، يشكل الوضع الاقتصادي التقليدي في البلاد تحديا حقيقيا في ظل حالة الانقسام الحاصلة في مؤسسات الدولة خاصة المالية منها، والتي تمنع إجراءا قرارات تساهم في مساعدة المواطنين والاقتصاد الوطني بشكل عام.

اقتصاد مغاير

وقال وكيل وزارة المالية والتخطيط بالحكومة المؤقتة إدريس الشريف إن الانفاق الاستهلاكي هو الذي يحرك الاقتصاد في العالم الأخرى عبر ازدياد جانب الطلب، حيث يشمل الاستهلاك والاستثمار والانفاق العام والفرق بين الصادرات والواردات، لكن في بلادنا فإن الوضع مختلف حيث أن منح المواطنين إعانات بأي طريقة يعني بذلك رفع الطلب الاستهلاكي الذي يقابله رفع العرض ولكن ليس عبر الصناعات والمنتجات المصنعة محليا بل عبر الاستيراد.

وأضاف الشريف في تصريح لصحيفة صدى الاقتصادية، بأن عملية ضخ الأموال في السوق عبر منحها للمواطنين سترفع من معدل الاستيراد واستهلاك العملة الصعبة وبالتالي لن يحدث توازن يمكن أن تصحبه انتعاشة اقتصادية كما يتصور البعض، حيث أن زيادة دخول المواطنين وارتفاع القوة الشرائية لديهم لا يمكن مواجهته في دولة تعتمد على الاستيراد.

ويعتقد المسؤول بوزارة المالية في الحكومة المؤقتة بأن هناك خيارين للتعامل مع أزمة الركود التي تسبب بها فيروس كورونا، الأول هو إعطاء المواطنين المال عبر الطرق المستخدمة في السابق لكنه خيار صعب وأما الثاني هو زيادة الدخل الحقيقي للمواطن من خفض الأسعار عبر السماح بالحصول على الدولار مقابل سعر موحد للجميع. هذا الأمر سيخفص الأسعار بنسبة 50 %.

وأشار إلى أن عملية زيادة الدخل الحقيقي للمواطنين تصطدم بالواقع حيث أن هناك طلب غير طبيعي للعملات الأجنبية في البلاد والناتج عن السياسات المالية الخاطئة التي يتبعها المركزي بطرابلس وعدم الثقة في المؤسسة النقدية، حيث أنه بمجرد بيع المركزي للدولار والعملات الأخرى سيتجه الجميع للشراء والطلب على العملة مقابل أي سعر.

ويرى بأن هناك ضرورة لإيجاد حل لطلبات الحصول على العملة من أجل المضاربة أو الملاذ الأمن الذي يتبعه الكثير من المواطنين والأسر حتى يتمكن المركزي من وضع إجراءات تسمح بإنعاش السوق خاصة مع النقص الشديد في الحصول على العملة من خلال الإيرادات النفطية التي يمكن أن تتأخر إلى ما بعد الربع الأول من العام 2021.

ويتشارك استاذ كلية الاقتصاد بجامعة بني وليد عبدالمنعم رمضان إلى حد كبير مع ما يقوله إدريس الشريف حيث يرى بأن منح ما يشبه الاعانات للمواطنين سواء عبر منحة أرباب الأسر أو بصورة أخرى يعتمد اعتمادًا كبيرًا على الفائض من العملة الأجنبية ودون المساس بالاحتياطي الأجنبي للمصرف.

وأوضح رمضان في تصريح لصحيفة صدى الاقتصادية، بأن المصرف المركزي قد يستعد لهذا البرنامج خاصة بعد إعادة فتح المواني النفطية وأيضا وصول لاتفاق وقف اطلاق النار وهي ارضية جيدة لإعطاء الاعانات للشعب، في حال تدفقت الإيرادات بالفعل دون عرقلتها.

ومع ذلك لا تزال المالية العامة والحساب الجاري الخارجي للبلاد عرضة للانخفاض المستمر بسبب أسعار النفط، إضافة إلى أن الزيادات في النفقات المتكررة تشكل مخاطر على استدامة المالية العامة وتتسبب في استمرار إنهيار قيمة الدينار وعدم السيطرة على سعر الدولار والعملات الأجنبية الأخرى.

ويتفق الكثيرون بأنه لابد من تطوير السوق المالية وتحسين إدارة ثروة موارد البلاد وما يرتبط بها من تدفقات مالية بنظام فعال وشفاف وتقليل الاعتماد النفط عبر النمو الذي يقوده القطاع الخاص والتخلص من حجم المرتبات المرتفع، حتى تدخل البلاد لنظام اقتصادي رائد بدلا من حالة الفوضى وغياب الرقابة والقانون والافلات من العقاب.