كتب المدون التقني “أمين صالح” مقالاً بعنوان: مزارع تعدين البيتكوين وانقطاع الكهرباء والحقيقة الضائعة
كثر الحديث في الآونة الأخيرة في وسائل التواصل الاجتماعي عن شبهات تَعدٍّ على الشبكة العامة للكهرباء من طرف مالكي مزارع تعدين، وكثرت الإشاعات والأقاويل ومنشورات فيسبوك عن وجود عجز ضخم في الكهرباء سببه تعدين عملة البتكوين الرقمية، كما انتشرت شائعات عن قبض وتحقيق،والكثير من التفصيل والمغالطات العلمية والفنية والتقنية عن عملة البتكوين ووضع العملة في ليبيا.
هذا المقال لا يعد تبريراً لأي مخالف للقانون، ولا يبرئ أي طرف من التعدي على ممتلكات الدولة وعلى المال العام أو سرقة الكهرباء، بل هو توضيح لوضع ليبيا في إنتاج وتعدين البتكوين عالمياً ومحلياً، وفق حسابات رياضية دقيقة، ومراجع علمية عالمية معروفة، كما لا هذا المقال يتهم أي شخصية أو جهة أو شركة بأي نوع من أنواع الاتهامات، والغاية والغرض منه التوعية العامة للمجتمع الليبي،والجهات ذات القرار والسيادة.
انتشر مؤخراً تقرير عن التعدين العالمي لأغلى العملات الرقمية “بتكوين”، وفقاً لتقرير سابق لوكالة “بلومبيرغ” نشر في أوائل مارس 2021، وقد احتلتليبيا المرتبة الأولى عربياً بنسبة 0.13% من الإنتاج العالمي.

واستندت صحيفة بلومبيرغ علىhttps://cbeci.org/ مؤشر cambridge bitcoin electricity consumption index ، والذي يشير إلى أن متوسط الاستهلاك العالمي للطاقة الكهربائية في تعدين عملة البتكوين هو 80 تيراواط/ساعة، أي ما يعادل 80 مليون ميجاواط/ساعة سنوياً، وهو ما يعادل إنتاج إحدى الدول الآتية: بنغلادش أو تشيلي أو بلجيكا أو فلندا؛ وتتربع الصين على عرش أعلى دول العالم حتى أبريل 2021، بنسبة 46% من الاستهلاك العالمي للطاقة في تعدين عملة البتكوين.

أما ليبيا وهو بيت القصيد في هذا المقال، فهذه هي نتائج متابعة الموقع:

إلى ماذا تشير هذه الأرقام؟
تشير هذه الأرقام إلى أن استهلاك ليبيا هو 0.12%في أسوأ الظروف، وفي أعلى درجات صعود الاستهلاك العالمي للطاقة في تعدين البتكوين، وهو في أبريل من عام 2021 بواقع 120 تيراواط/ساعة سنوياً، وبحساب هندسي بسيط وضرب وقسمة: بتحويل تيراواط/ساعة إلى ميجاواط/ساعة وقسمة المقدار الكلي على السنة وساعات اليوم، نجد أن ليبيا استهلكت في المتوسط 16.43 ميجاواط/ساعة في تعدين البتكوين، وهذا في أعلى درجات صعود الاستهلاك العالمي، فحين أقرأ المؤشر الخاص بجامعة كامبردج لحساب استهلاك البتكوينللكهرباء، فإن المتوسط السنوي هو 80 تيرواط/ساعة سنويا، أي أن ليبيا تستهلك في المتوسط 12 ميجاواط/ساعة في تعدين البتكوين، وإذا اعتمدنا على أرقام الشركة العامة للكهرباء في أن متوسط إنتاج ليبيا هو 5500 ميجاواط/ساعة فإن هذا الاستهلاك يمثل 0.2% من الإنتاج الكلي لليبيا.
ماذا يقول لنا الواقع؟ هل لدى ليبيا حجم تعدين ضخم؟ وهل هو مجد؟ وما تأثيره على الشبكة؟
بالطبع فإن ليبيا من أكثر دول العالم استهدافالتعدين البتكوين، وذلك لعدة أسباب أهمها هو السعر الرخيص، والذي يكاد يكون معدوماً لإنتاج البتكوين، فسعر الكيلوواط/ساعة في ليبيا يكاد يكون 1-3 سنتات، وفي حالة الشرائح العليا لن يزيد عن 10 سنتات، وفي ظل تردي خدمات الكهرباء في ليبيا، وعدم الترشيد، وعدم سداد المديونيات الشهرية، والتجاوزات التي تحدث في شبكة الكهرباء، فإن ليبيا تعد من الناحية المالية دولة ذات جدوى اقتصادية.
ولكن على صعيد آخر فالتعدين في ليبيا لديه الكثير من العوائق، ومن أهمها الانقطاعات الشديدة التي تشهدها الشبكة خلال الفترة الصيفية وفترة ذروة الاستهلاك، والتي تبدأ من مايو حتى أكتوبر، وفي خلال شهري يناير وفبراير أيضا، أي أننا نتحدث عن ثمانية أشهر في العام لا تستقر فيها خدمات الكهرباء، بل إن عمليات طرح الأحمال تصل إلىأعلى مستوياتها خلال شهري أغسطس وسبتمبر.
والإثبات على ذلك هو معدلات القياس نفسها لدى مؤشر جامعة كامبردج، والتي تعطي الأشهر أغسطس وسبتمبر وأكتوبر من عام 2020 نسبة أقرب إلى 0% من الإنتاج العالمي، ناهيك عن أن أجهزة التعدين تحتاج إلى تكييف لتبريد الحرارة المرتفعة الناتجة عن عمليات المعالجة وحل المعادلات وتمريرها.
يحتاج التعدين إلى إنترنت مستقر، والذي يمكن أن نتغاضى عنه في حالة توفر إنترنت عبر الأقمار الاصطناعية بتكلفة مالية شهرية، وهنا وجب الإشارة أن بيئة ليبيا الأمنية والبيئية والخدمية غير مشجعة،وقد تتسبب بخسارة عالية جداً.
لكي تعدن البتكوين تحتاج إلى مولدات ومصادر لوقود المولدات، وإنترنت فضائي مستقر وثابت،وبطاريات، ومساحة أرض بعيدة عن المناطق السكنية، ومهندسين وفنيي صيانة وتشغيل على مدار الساعة؛ كل هذا يسبب تشويشا على الغاية من استهداف ليبيا لتكون مصدرا للتعدين.
وهذا لا يعني عدم وجود تجارة من هذا النوع، ولكن إن وجدت فستكون قليلة جداً، وستعتمد بشكل أساسي على وقود مدعوم ومولدات أعلى إنتاجية من 1 ميجاواط، ومساحات بعيدة خارج الشبكة.
وفيما يخص تأثيرها على الشبكة الوطنية للكهرباء،فرأيي الشخصي هو أن من يعتمد على الشبكة العامة للكهرباء هم فقط الهواء وأصحاب rig الصغيرة، أي أننا نتحدث عن 10 كروت شاشةGPUs أو استهلاك10kwh بسبب تقادم شبكة الكهرباء، ومحولات 11kv/400 لا قدرة لها على توزيع كهرباء لمزرعة تعدين تستهلك ربع ميجا وات وأكثر.

هل يمكن أن تكون ليبيا بلداً معدنا لعملة البتكوين؟
وفق التشريعات الحالية وتنويه مصرف ليبيا المركزي في عام 2018 فإن العملات الافتراضية مثل “البتكوين” ونحوها غير قانونية في ليبيا، ولا توجد أي حماية قانونية للمتعاملين بها، هذا يجعل ليبيا بلداً غير مستقطب للمعدنين، لأن مزرعة واحدة للتعدين قد تكلف أكثر من مليون دينار من تجهيزات ومعدات واستيراد إلخ، واستنادُ الأجهزة الأمنية على هذا التنويه يجعل أي مستثمر في مجال التعدين يقصد دولاً أخرى تتوفر فيها الشروط المناسبة.

هل يجب على الأجهزة الأمنية إلقاء القبض على معدني البتكوين؟
حتى اللحظة لا يوجد أي قانون يمنع ممارسة نشاط تجاري أو مصنعي في إنتاج وتعدين العملات الرقمية وعلى رأسها البتكوين، وتوجد حالة واحدة فقط تسمح للأجهزة الأمنية بالقبض على المعدنين أو مزارع التعدين، وهي سرقة الكهرباء، وخصوصاً المؤثرين على الشبكة إن وجدوا، وحتى اللحظة لم تسجل أي حالة قبض أو إقفال أو تشميع أو إثباتوجود مزارع ضخمة عاملة في ليبيا، وكل ما يتم تناقله هو منشورات عبر فيسبوك، وفي حالة وجود من يعدنون البتكوين فلا نعتقد أنهم يستخدمونشبكة الكهرباء الحكومية بقدر هروبهم من الملاحقة القانونية التي تفرضها دول مثل مصر والمغرب والصين ودول الاتحاد الأوروبي.
في الختام فإن هذا المقال يهدف إلى زيادة الوعي العام، ونشير إلى أن ليبيا قد يكون لها شأن ممتاز اقتصادياً إذا اعتمدت على الطاقة الشمسية في تعدين البتكوين بعد حل الأزمة التي تمر بها الكهرباء منذ عشر سنوات، وقد يكون -أي التعدين- هوالخطوة الأولى للتحول نحو الطاقة الشمسية، وجعل ليبيا بلدا مصدراً للطاقة النظيفة، ومخزناً للعملات الإلكترونية، وذلك بعد تقنينها واعتماد لوائح وقوانين تنظم العمل بها، كما تنظم إنتاجها وتعدينها وتداولها، فنحن نتحدث عن سوق عالمية تجاوزت 2 تريليون دولار في أبريل 2021.
إضافةً إلى هذا فنحن لم نتطرق إلى شرح تقنية البلوكتشين، وهي تقنية واعدة في توثيق السجلات في العالم، وهي المستقبل، وقد كانت الأساس لعملة البتكوين؛ كما لم نشرح عملة الإيثيريوم التي تعد مستقبلاً في عالم التعاقد والعقارات والتعليم والتبادل التجاري، وأساسا لمئات العملات الافتراضية.