رفع الدعم عن الوقود: بين التكلفة السياسية والحاجة الاقتصادية

730

كتب: محمد الصافي – باحث ومحلل في البنك الدولي

تعتبر ليبيا ثاني أرخص دولة في العالم من حيث أسعار البنزين بعد فنزويلا، حيث يُباع اللتر الواحد منه بما يقدر بـ0.11 دولار أمريكي، حيث يمثل دعم الطاقة الجزء الأكبر من مخصصات الدعم في ليبيا، وهذا التوزيع  غير الفعال وغير العادل لموارد الدولة يلقي بثقله على ميزانية الحكومة ويؤدي إلى نتائج سلبية، كما تفاقم مشكلة عدم المساواة في المجتمع إلى جانب التأثير السلبي للاستخدام المفرط للطاقة على البيئة، وبالتالي وجب على الحكومة الليبية استبدال هذا النوع من الدعم باستثمارات يكون لها مردود وعائد نقدي مباشر واجتماعي أكبر.

ويبقى السؤال الهام: ماهي تداعيات دعم الطاقة في ليبيا؟

بحسب وجهة نظري فإن الإجابة على هذا السؤال تكمن في الآتي:  أولاً يشغل الدعم نسبة عالية من الإيرادات الحكومية، ففي عام 2017 بلغ الإنفاق على بند الدعم وحده أكثر من 4.2 مليار دينار، وهذا يشكل عبئًا ماليًا على الميزانية وعلى الاستدامة المالية، حيث مثل الدعم 14٪ من إجمالي إنفاق البلاد والبالغ حينها 32 مليار دينار، ثانيًا وجود الدعم يأتي على حساب الإنفاق على قنوات ومشاريع ذات فائدة أكبر، فعلى سبيل المثال وفي نفس العام أي عام 2017 تجاوز الإنفاق على الدعم الإنفاق على مشاريع التنمية (والتي خُصص لها مبلغ 2 مليار دينار ليبي)، ثالثًا الدعم هي سياسة ترجعية بشكل عام (بمعني يستفيد منها أصحاب الدخل الأعلى أكثر من أصحاب الدخل المنخفض) حيث خلصت دراسة أجرتها مجموعة البنك الدولي في عام 2015 بشأن ليبيا بأن نصيب الأفراد في شريحة الأعلى دخل أو من هم في التصنيف الأعلى من الدخل يستفيدون من الإعانات المالية المقدمة لقطاعات الكهرباء والبنزين 3.5 مرات أكثر من نصيب الأفراد في شريحة الأدنى دخل أو من هم في التصنيف الأدنى من الدخل، وبكل بساطة فإن الأغنياء وميسوري الحال هم الذين يستطيعون تحمل تكاليف السلع المستهلكة للطاقة، مثل السيارات وأجهزة تكييف الهواء.. إلخ، أخيرًا، يعمل التهريب على إطالة أمد الحروب في ليبيا، حيث تُمول الميليشيات أنشطتها من خلال تهريب الوقود المدعوم إلى الأسواق المجاورة غير المدعومة مُستغلة فارق السعر، وبالتالي فإن كل هذه الأسباب وغيرها قد أدت إلى تشوه الاقتصاد الليبي.

تضع سياسة الدعم عبئًا لا داعي له ضمن ميزانية الحكومة الليبية، ويجعل الحكومة الليبية تُمول بشكل غير مباشر الصراع المستمر، وفي المقابل فإن رفع الدعم ستكون له تداعيات اقتصادية واجتماعية سلبية، نذكر منها: زيادة في أسعار السلع والخدمات والذي بدوره سيؤثر على دخل المواطن وقوته الشرائية، أضف الى ذلك أن رفع الدعم قد يلاقي غضب شعبي واسع كونه سياسة تقشفية، وبالتالي وبالأخذ في الاعتبارهذه العوامل فإنني أنصح باستخدام التوصيات الآتية لضمان الاستفادة من رفع الدعم، وكذلك لتجنب الاضطرابات الاجتماعية المتوقع حدوثها عند رفعه:

1- تقييم تأثيرإزالة الدعم وتقديم برامج لتخفيف الآثار الناتج عنه

تحتاج الحكومة الليبية إلى إجراء دراسات لتحديد مستويات الفقر في ليبيا، ومدى تأثير رفع الدعم على زيادة نسبة الفقر، فرفع الدعم سينتج بكل تأكيد فائزين وخاسرين على المدى القصير وذلك من خلال المساهمة مؤقتًا في رفع مستوى الفقر، وبالضرورة ستحتاج الحكومة الليبيىة إلى سياسات دعم اجتماعي لتحديد وتعويض المتضررين من هذا الرفع، وبشئ من التفصيل فإن إحدى الطرق الجيدة لتعويض المتضررين هي تفغيل منظومة الآمان الاجتماعي الوطنية لتشمل فئات أوسع والتي بدورها تُقدم  حزم مادية كالدعم النقدي وغيره.

2- إطلاق حملة توعية فعالة

الشفافية والتواصل المستمر بين الحكومة والمواطنين هو أمر غاية في الأهمية لنجاح تنفيذ سياسات رفع الدعم، فمع اعتبارات الاقتصاد السياسي كالقلق من حدوث غضب اجتماعي والذي يمثل أكبر العراقيل أمام رفع الدعم فإن وضع خطة تواصل وتوعية وشفافية بين الحكومة والمواطن وتنفيذها قبل بدء رفع الدعم سيحد من الآثار السلبية وردات الفعل التى قد تحدث، ويجب أن تركز حملات التوعية على ضمان توعية المجتمع بالأضرار الحقيقة من سياسة دعم الوقود وهي تشمل نشر دراسات واحصائيات على التأثير السلبي للدعم على الدولة والمواطن، ويجب أن تشمل التوعية نشر الخطوات العملية والاجرائية لتعويض المتضررين بكل وضوح وشفافية، وفي المقابل فإنه من الخطأ رفع الدعم قبل وضع آليات التعويض  ونشر الوعي بين الناس فهذه خطوات سابقة لرفع الدعم بكل تأكيد.

3- التدرج في رفع الدعم وتجنب سياسة الصدمات

يجب أن ترفع الحكومة الليبية سعر الطاقة بشكل تسلسلي أي تدريجي وعلى فترات وذلك لتجنب التضخم (الزيادة في الأسعار)، وبالمناسبة ووفقًا لدراسات صندوق النقد الدولي فإنه هناك صلة بين وتيرة وسرعة رفع الدعم وحجم التضخم، أذكر منها على سبيل الذكر لا الحصر أن إلغاء الدعم سيساهم على مدى عام واحد فقط في ارتفاع معدل التضخم وبنفس القدر بالمقارنة مع إلغاء الدعم على مدى 5 سنوات، وعليه وجب إلغاء الدعم تدريجياً، كما أن الرفع التدريجي للدعم سوف يمنح الحكومة الوقت لتقوية متانة باقي برامجها.