“والي” يكتب: الائتمان الداخلي والائتمان الخارجي

428

كتب الخبير الاقتصادي “إبراهيم والي” مقال

أتردد في التعليق وأعتبر نفسي تلميذاً، حيث أن النقد الذاتي مفيداً والتطرف فيه يزيد الأزمة تعقيداً، نحن متفقون على كون الظروف الصعبة التي تواجهها بلادنا الحبيبة تحتاج إلى تعاون القطاع المصرفي والقطاع الخاص ويبدو لي أن الانتقاد بعد حصول المشكلة أسهل من توقعها، يبقى أن الائتمان الداخلي مرغوب فيه إذا كان غرضه تحويل الادخار إلى استثمار بينما الاقتراض الخارجي هو عبء على الأجيال القادمة.

النقطة الثانية التي تتعلق بالمديونية الخارجية فهي تشكل خطورة ليس فقط على الأجيال القادمة وعلى الحاضرة أيضاً وذلك الارتباط سدادها بأسعار الصرف فهي تشكل أضعافا مضاعفة إذا حُولت إلى عملة المحلية، وكلنا نعلم مدى الضغط التي تحدثه على إرتفاع الأسعار ومستوى معيشة الشعب الليبي، فبينما ترتبط المديونية الداخلية بالمدخرات في الداخل فإن المديونية الخارجية تشكل ضغوطا على أسعار الصرف وكذلك على إستقرار العملة الوطنية، كما أن هناك سؤال هل مُنحت التسهيلات الائتمانية لمشاريع إنتاجية وهل قمنا بمعرفة مدى مساهمة هذه المشاريع بالجهود التنموية، وما كان مردودها المادي؟ كما أنه يجب تحديد ماهية نوعية القروض الممنوحة للقطاعين الخاص والعام وما هو حجم الديون القابلة للتحصيل كي نستطيع أن نحكم على ضوئها على حجم المشكلة للاقتصاد الوطني.

بالإضافة إلى مدى كفاية رأس مال المصارف لمواجهة مخاطر الائتمان وهذه قضية خطير نرى الكثير من القيادات المصرفية اليوم قد تعرضوا للتحقيق من طرف النائب العام بعضهم الآن في السجون والآخر قيد التحقيق وتحت طائلة المحاكم، كل هذه الثغرات نتيجة لضعف القطاع المصرفي في النواحي الإدارية والتقنية وعدم وجود كوادر فنية قادرة على دراسة المشروعات التي تحتاج إلى التمويل اللازم كما أنها لم تساهم بإجابية في متابعة تنفيذ المشروعات التي مولتها وبذلك يجب على المصرف المركزي والمصارف المحلية أن تقوم بدور المنظم وتقدم للقطاع الخاص الخبرة التي يحتاجها بدلا من أن تخلق منهم رجال أعمال فاسدين وسارقين ومهربين لأموال الشعب الغلبان.

  • كما أنه لابد من التعاون الوثيق بين أطراف العلاقة الائتمانية الثلاثة المصرف المركزي والمصارف التجارية والزبائن (المدينين) مؤسسات وأفراد لحل مشكلة الديون المتعثرة وغير العاملة وذلك على ضوء مصلحة الاقتصاد القومي.
    – وللعلم حسب آخر تقرير بشأن الميزانية المجمعة فإن رؤوس أموال المصارف التجارية قاربت ما بين 4.4 الى 5.4 مليار دينار ليبي وقيمة الديون المشكوك في تحصيلها أو المتعثرة أو الهالكة بلغت حسب آخر تقرير ما بين 3.5 الى 4.5 مليار دينار ليبي أي أن 71.4% من رأس مال المصارف التجارية قروض هالكة، ومعنى هذا أن مصارفنا تعمل حاليا بدون رؤوس أموال واحتياطيات، وقد تمت تغطية هذا العجز بمخصصات بلغت 3.5 مليار دينار وهي نفس نسبة القروض المتعثرة في الوقت الذى يجب أن تكون هذه المخصصات من ضمن أرباح المصرف.
  • لم يقتصر الصراع المحموم وأزمة الشرعيات بين الأجسام في ليبيا، على ضياع وإفساد إدارة البلاد فقط، بل وصل إلى القطاع المصرفي، بما فيه مصرف ليبيا المركزي والمصرف الليبي الخارجي وبقية المصارف المتخصصة، والتي دخلت في دائرة صراع الشرعيات بين الأجسام المختلفة في البلاد والتي تمزقها الأجندات الخارجية والتعنت الداخلي، بعد أن ظل القطاع المصرفي خلال السنوات الماضية قبل سنة 2011 تحت مظلة إدارة موحدة وبعيدا عن دوامة الانقسامات والصراعات.
  • ما هو حال المصارف الليبية اليوم / سياسة نقدية فاشلة وانهيار الدينار الليبي وعدم تطبيق إصلاحات مستقرة ومستمرة والمماطلة في تطبيقها كما أشرنا في منشوراتنا السابقة، وبذلك أصبح الاقتصاد الوطني يعاني من ما يُعرف بالفجوتين ( عجز الميزانية العامة وعجز ميزان المدفوعات ) وسوف يُخيم شبح التضخم على الاقتصاد من جديد، ويكون الرجوع على الاحتياطيات أمرا حتميا نتيجة انحسار إيرادات النفط وخاصة إذا انخفض سعر برميل النفط ليصل الى (72) دولار سوف تكون الخسائر كبيرة وخطيرة على السنة المالية 2024، إذا استمرت هذه السياسة النقدية الفاشلة سوف يزداد الوضع الاقتصادي سوءاً وتدهوراً وتتفاقم فوضى المصارف والفساد وأزمة السيولة التي زعزعت ثقة الليبيين أفرادا وتجارا في عملتهم الوطنية هذا من جانب ومن جانب آخر عدم تقتهم في المصارف التجارية جعلهم يكنزون النقد في منازلهم، حيث لا يوجد ليبي عاقل يأتي إلى مصرف تجارى لإيداع أمواله النقدية وبعد ذلك يأتي مرة أخر ليقف في طوابير ويزاحم ليتحصل على مبلغ زهيد لا يتجاوز 500 دينار، المشكلة الأخطر التي نتجت عن نقص السيولة الفارق الكبير بين المبلغ النقدي والصك الذي وصل من 2-5% وهو رباً محق ، ونقص السيولة سوف نصل بها إلى زيادة الطلب على الدولار خوفا من الوضع المستقبلي والمظلم لعملتنا الوطنية وخاصة إذا تم تجميد الضريبة على الدولار لأن مصرف ليبيا المركز لن يستطيع الدفاع عن العملة الوطنية بقيمتها السابقة (4.80) للدولار، وهذا سوف يزيد من تعاظم الفساد وتهريب الدولار ونقص السيولة وارتفاع سعر الصرف سوف يكون غير مسبوق، ونتيجة لهذه الثغرات ستدخل الفئة المتوسطة من الشعب الغلبان الى خط الفقر نتيجة لعدم توافق السلطة النقدية والمالية .