عبد الجليل أبوسنينة يكتب لصدى مقالاً بعنوان “التحديات والآفاق المستقبلية للسياسة النقدية في ليبيا”

443

كتب: الباحث الاقتصادي د.عبد الجليل أبوسنينة

يواجه الاقتصاد الليبي بشكل عام والسلطة النقدية متمثلة بالمصرف المركزي بشكل خاص ظروفا سيئة نتيجة للاحتلال الهيكلي في بنية الاقتصاد تحديات كبيرة كونه اقتصاد أحادي يعتمد كلياً على إيرادات النفط في تمويل مختلف نفقات الدولة التنموية والجارية، بالإضافة إلى الصراع الدائر في ظل انقسام المصرف المركزي وضبابية الوضع السياسي و عدم وضوح الرؤية حول الكثير من الأمور والقضايا المهمة المتعلقة بالاقتصاد .

ففي ظل عدم وجود سياسة اقتصادية معلنة وواضحة المعالم والأهداف خلال المرحلة السابقة والمستقبلية ، يجعل تفسير سلوك الدولة والسياسات الاقتصادية المطبقة يشوبها الكثير من الغموض والتردد ، الأمر الذي يؤدي الى زيادة حدة ما يظهر من تشوهات بالاقتصاد الليبي ، وتكون النتيجة زيادة تكلفة التصحيح اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وبالنظر إلى أهمية دور السياسة النقدية في إحداث التغيير المطلوب على مستوى الاقتصاد الكلي في مواجهة التحديات الراهنة و المحتملة والتي تمثل إفرازات الواقع السياسي والأمني المتأزم الذي طال أمده وأضر بشدة بالاقتصاد الليبي ، ظلت السياسة النقدية في ليبيا تعمل استجابة للبيئة التي تعمل فيها .

سيطرة القطاع العام على النشاط الاقتصادي ، الاقتصار على السياسة التجارية ، الرقابة على الصرف الأجنبي ، ضعف مستوى الدخل الأساسي لأغلب المواطنين تحت قانون 15 لسنة 1981 ، تخلف البنية التحتية للقطاع المصرفي ، وتدهور قيمة الدينار الليبي وزيادة حجم السوق الموازي ..

الانقسام الحاصل للمصرف المركزي وتفشي الفساد ففي ظل الظروف الراهنة التي تعيشها ليبيا والتي تؤثر جميعها بشكل أو بآخر على نجاح السياسة النقدية في مواجهة الأزمات المالية التي تعصف بالاقتصاد الوطني ، اقتصر دور المصرف المركزي في إدارة الأزمة حتى الآن على دور الملاذ الأخير للحكومة ومنح الاعتمادات المستندية ودور المراقب على الصرف الأجنبي وضبط الاحتياطي الأجنبي إضافة إلى الإقناع الأدبي .

حيث حققت السياسة النقدية في ليبيا أهم أهدافها من خلال تخفيف حدة التضخم والاستمرار في ترشيد الطلب على النقد الأجنبي ، فضلاً عن تطوير نظام المدفوعات والتسويات و إدارة السيولة ومن جانب أخر فإن السياسة المالية تتحمل مسؤولية أي فشل لعدم القدرة على التنسيق مع السياسات الاقتصادية الأخرى في ضبط الإيرادات وترشيد النفقات العامة من جهة ، و الفساد في القطاع العام وانتشار ظاهرة التهرب الضريبي والمبالغة في الإنفاق التسييري مع ارتفاع معدلات البطالة ، و عدم قدرة القطاع العام على استيعاب سوق العمل وتدني مستوى الخدمات العامة و غياب القدرة على التنبؤ بأسعار النفط من جهة أخرى ، الأمر الذي نتج عنه خلل في الميزانية العامة .

مما سبق فإن الأفاق المستقبلية للسياسة النقدية تعمل وفق رؤية مفادها أن الاستقرار النقدي والمالي هو حاضنة النمو الاقتصادي ، وقد حاول مصرف ليبيا المركزي في ظل فترة انعدام الاستقرار السياسي والأمني على تخفيف حدة التوقعات المستقبلية المتشائمة من خلال جملة ضوابط استقرار الوضع الاقتصادي في ظل ظروف قاهرة ، فالسياسة النقدية لوحدها لن تستطيع الاستمرار ولن تنجح ما لم يكن هناك بيئة اقتصادية حقيقية قادرة على الاستجابة لأدوات السياسة النقدية ومن ثم تنفيذها وإداراتها بكل سلاسة مستقبلا فالتنمية الاقتصادية المستدامة تكمن في زيادة الموارد المالية وتوجيه أغلب مواردها لتطوير وزيادة قطاع الطاقة وجذب الاستثمار الأجنبي وتعظيم قيمة الموارد السيادية والخدمية وتشجيع القطاع الخاص لتعزيز الموارد المالية التي تتطلبها التنمية ، كذلك قدرة الدولة على تحقيق مناخ سياسي وأمني ومؤسساتي والقدرة على توفير البيئة الاقتصادية و إلغاء حواجز المنافسة ، والشفافية ، توحيد المصرف المركزي و تفعيل مجلس إدارته ، دعم المؤسسة الوطنية للنفط و فرض سيطرة الدولة على منابع الموانئ النفطية وكل ما يتعلق بعمليات الإنتاج والتصدير ، استحداث أدوات جديدة للسياسة النقدية للتحكم في السيولة والمحافظة على استقرار المستوى العام للأسعار ، تطوير ودعم القطاع المصرفي في الوساطة المالية وتحقيق الشمول المالي ، دعم وتفعيل الأجهزة الرقابية ومكافحة عمليات التهريب بكافة أشكالها ، هيكلة الاقتصاد الليبي وتشجيع الاستثمار الأجنبي وتنويع مصادر الدخل بتحفيز مساهمة الاستثمار المحلي وتشجيع القطاع الخاص لزيادة مصادر التمويل .

المحافظة على ثبات سعر الصرف ، ترشيد الإنفاق العام والتحكم في الانفاق غير المنتج ( الانفاق العسكري مثلاً ) للسيطرة ومجابهة التضخم وتحقيق الاستقرار النقدي وتنمية الموارد السيادية غير النفطية ، إيجاد آلية للتنسيق بين السياسة المالية و السياسة النقدية ، تطوير المؤسسات المالية غير المصرفية ، تطوير وتنظيم سوق النقد الأجنبي وبناء احتياطيات تناسب حاجة الاقتصاد الوطني ، تحقيق العدالة في توزيع الثروة جغرافياً ، تعزيز ودعم شبكة الحماية الاجتماعية التي تستهدف محدودي الدخل وتحافظ على تحصين وحماية الطبقة الوسطى في المجتمع ، العمل على إنشاء قاعدة بيانات حقيقية وإظهار القيم الحقيقية للتضخم وحجم البطالة و عجز الموازنة للمساعدة في إعداد الدراسات والبحوث بشكل يخدم المصلحة العامة في اتخاذ القرار السليم للدولة .