Skip to main content

الوسم: محمد أبوسنينة

“أبوسنينة” يكتب عن منهجية قياس العجز أو الفائض في ميزان المدفوعات

كتب الخبير المصرفي “محمد أبوسنينة” مقالاً، قال خلاله:

تناولت عدة إدراجات على الفيسبوك بيان مصرف ليبيا المركزي عن الإيرادات والإنفاق بالنقد الأجنبي خلال الفترة من يناير 2025 إلى نهاية أغسطس 2025، وقد أبدى أصحاب هذه الإدراجات ملاحظات وتحفظات حول الأرقام التي تضمنها هذا البيان وما انتهى إليه من نتائج.

وأنا هنا لست بصدد المشاركة في تقييم الأرقام أو التأكد من دقتها، من جهة، حيث بذل المعلقون والمحللون جهداً كبيراً في هذا المجال، ولا أهدف إلى تفنيد ما توصل إليه أصحاب الإدراجات، أو التشكيك في صحة البيانات، ولكن وددت فقط التنبيه إلى نقطتين مهمتين: الأولى تتعلق بمنهجية تناول تحديد العجز أو الفائض في ميزان المدفوعات، من وحي الأرقام التي عرضها مصرف ليبيا المركزي في بيانه، والنقطة الثانية تتعلق بمصادر النقد الأجنبي التي ينبغي أن تدخل في حساب إجمالي الإيرادات بالنقد الأجنبي خلال الفترة، والتي تستوجب المزيد من الشفافية والإفصاح من قبل الجهات التي يفترض أن تولد نشاطاتها نقداً أجنبياً، إمّا لكونها تدير أصولاً مقومة بالنقد الأجنبي في الأساس، أو لأن لدى هذه الجهات نشاطاً تصديرياً أو مساهمات في الخارج تدر عليها توزيعات بالنقد الأجنبي.

بالنسبة لمنهجية قياس العجز أو الفائض في ميزان المدفوعات، من المهم الإشارة إلى أن ميزان المدفوعات هو سجل لجميع المعاملات التجارية والمالية الدولية التي يقوم بها سكان البلد خلال فترة زمنية محددة، ويتكون ميزان المدفوعات من ثلاثة عناصر: الحساب الجاري، والحساب المالي، وحساب رأس المال. والمتعارف عليه هو قياس العجز أو الفائض في ميزان المدفوعات سنوياً أو ربع سنوياً، ولا يقاس شهرياً، لكي يكون لهذا القياس معنى اقتصادياً؛ فقد تكون هناك دفعات أو حوالات واردة أو صادرة في الطريق، وقد تكون هناك دفعات مؤجلة لفترة الاستحقاق، ولن تكون فترة شهر كافية لإعطاء صورة حقيقية عن وضع ميزان المدفوعات. ولذلك لا أعتقد أن هناك جدوى من مقارنة صافي تدفقات النقد الأجنبي من شهر لآخر لأغراض اقتصادية، إذ قد ينقلب الفائض إلى عجز، وقد ينقلب العجز إلى فائض. ولا يمكن تأسيس أو وضع سياسة اقتصادية وتغييرها من شهر إلى آخر حسب أوضاع ميزان المدفوعات. فالأرقام المعلنة لا تعدو كونها تدفقات نقدية في حاجة للمراجعة، حتى يمكن قبولها ونشرها كنتيجة نشاط.

أمّا بالنسبة لمصادر النقد الأجنبي واستخداماته في الاقتصاد، فمحلها الحساب الجاري بميزان المدفوعات، ويقيس الحساب الجاري التجارة الدولية (الصادرات والواردات) وصافي الدخل على الاستثمارات والمدفوعات المباشرة. وهنا يتمحور مطلب الشفافية والإفصاح اللازمين، وهو بيت القصيد.

في ليبيا جرت العادة على التركيز على إيرادات تصدير النفط والغاز بالنقد الأجنبي باعتباره المصدر الرئيس للدخل، وعدم الاهتمام بمصادر النقد الأجنبي الأخرى، والتي ينبغي أن تسجل أرباحها بالحساب الجاري بميزان المدفوعات باعتبارها تدفقات نقدية إلى الداخل، ومن ثم تؤثر في وضع الميزان ونتيجته.

من بين أهم موارد النقد الأجنبي، العائد على استثمارات مصرف ليبيا المركزي لاحتياطياته، من خلال ما يديره من محافظ استثمارية وما يمتلكه من سندات خزانة وما يحتفظ به من ودائع زمنية لدى مصارف أجنبية، وتعتبر إحدى مكونات إيرادات النقد الأجنبي، ولدى مصرف ليبيا المركزي مصروفات بالنقد الأجنبي. وفي نهاية السنة المالية يقوم مصرف ليبيا المركزي بدفع توزيعات لوزارة المالية في شكل أرباح. وما يحققه مصرف ليبيا المركزي من أرباح صافية ينبغي أن يسجل بالحساب الجاري بميزان المدفوعات، وما يصرفه مصرف ليبيا المركزي من موارده الخاصة بالنقد الأجنبي أو احتياطياته ينبغي أن يسجل ضمن المصروفات التي تظهر بالحساب الجاري بميزان المدفوعات. بمعنى آخر، موارد النقد الأجنبي لدى مصرف ليبيا المركزي أو أي مؤسسة عامة أو خاصة أخرى ينبغي أن تظهر جنباً إلى جنب مع إيرادات النفط، وأي مصروفات من قبل هذه الجهات بالنقد الأجنبي لتغطية أي واردات أو مدفوعات في الخارج ينبغي أن تسجل بالحساب الجاري بميزان المدفوعات. وإذا كانت تتعلق بصادرات أو واردات سلعية فتسجل بالميزان التجاري ضمن الحساب الجاري بميزان المدفوعات.

المصدر المهم الآخر للنقد الأجنبي، أرباح وعوائد استثمارات محفظة المؤسسة الليبية للاستثمار، بما في ذلك محفظة ليبيا أفريقيا، والمحفظة الاستثمارية طويلة المدى، والشركة الليبية للاستثمارات الخارجية، التي ينبغي أن تؤول أرباحها كتوزيعات للخزانة العامة. بالإضافة إلى المصرف الليبي الخارجي الذي يدير عدداً من المساهمات في مختلف دول العالم، التي ينبغي الوقوف على نتيجة نشاطها واحتساب توزيعاتها التي تؤول للمصرف الليبي الخارجي، ومن ثم في شكل أرباح لمصرف ليبيا المركزي، ضمن إيرادات النقد الأجنبي خلال الفترة. وبصفة عامة ينبغي الإفصاح عن كافة عوائد الاستثمارات الليبية في الخارج، واحتسابها عند الإفصاح عن إيرادات النقد الأجنبي خلال أية فترة زمنية جنباً إلى جنب مع إيرادات النفط. وفي حالة عدم تحقق أي أرباح، أو عدم توريدها، ينبغي أن تظهر قيمتها صفراً. أمّا بالنسبة لإمكانية استخدام ناتج إعادة تقييم الأصول في إطفاء أو تغطية العجز، فذلك يتوقف على السياسة المحاسبية التي تتبعها المؤسسة ودورية تقييم الأصول، ولا يعتد بالأرباح الدفترية في إطفاء عجوزات أو خسائر فعلية.

الشفافية تقتضي عرض الحساب الجاري بميزان المدفوعات بمكوناته المختلفة، من وقت لآخر، لتقدير الموقف الحقيقي للاقتصاد وما ينبغي أن توجه نحوه السياسات، غير ذلك يظل الموقف غير واضح والمعالجات جزيئية، ونتائجها محدودة.

“أبوسنينة” يكتب: استقرار البيئة التشريعية (مطلب اقتصادي)

الخبير الاقتصادي “محمد أبو سنينة” يكتب مقالاً، قال خلاله:

يُلاحظ من خلال ما يتم تداوله ومناقشته في الأوساط التشريعية والتنفيذية، ولدى بعض المؤسسات السيادية الرقابية، حالياً وطوال العقد الماضي، ميلٌ كبير لتعديل بعض القوانين (الأساسية)، وفي بعض الأحيان التوجّه لإصدار قوانين جديدة. ومن بين القوانين التي طالها التعديل: القانون رقم (1) لسنة 2005 بشأن المصارف، المعدّل بالقانون رقم (46) لسنة 2013، والقانون رقم (3) لسنة 2007م بشأن إنشاء وتنظيم جهاز المراجعة المالية بموجب القانون رقم (19) لسنة 2013، والقانون المنظّم لهيئة الرقابة الإدارية رقم (20) لسنة 2013، والتعديلات التي أُجريت عليه بموجب القانون رقم (2) لسنة 2023. وما صاحب هذه التعديلات في القوانين المنظمة لعمل الأجهزة الرقابية من تداخل وتنازع في الاختصاصات أثّر سلباً على جهود هذه الأجهزة في إحكام الرقابة على المال العام.

واليوم، يُصدر مجلس النواب قانوناً ينظّم الدين العام، لأغراض تمرير ميزانية عامة للدولة، تصدر خلال الربع الأخير من السنة المالية، في ظل وجود القانون رقم (15) لسنة 1986 بشأن الدين العام، الذي نجح في السابق في كبح جماح الحكومة في ترتيب المزيد من الدين العام، واستقرت معه الأوضاع المالية في البلاد. يصدر هذا القانون الجديد على النحو الذي يطلق يد الحكومة في التمويل والإنفاق فوق ما هو متاح من موارد لتمويل الإنفاق العام، عن طريق الاستدانة وترتيب المزيد من الدين العام، مما يهدد الاستدامة المالية للدولة. وكان بالإمكان عدم المساس بالقانون رقم (15) لسنة 1986 كقانون عام، والاكتفاء بالنص في قانون الميزانية بجواز الاقتراض لتمويل العجز في حدود سقف محدد ولأغراض غير استهلاكية مسبقاً، باعتبار قانون الميزانية قانوناً خاصاً.

يصدر هذا التعديل القانوني الجديد في ظل الانقسام، ووجود حكومتين، وفي فترة تتصف بعدم كفاءة الإنفاق العام، مع وجود دين عام في دفاتر المصرف المركزي في ذمة الحكومات المتعاقبة لم يتم الانتهاء من مراجعته وتدقيقه، إضافةً إلى المخاطر التي تهدد استقرار سعر صرف الدينار الليبي.

وخلال السنوات السابقة، تم اللجوء إلى تعديل بعض القوانين بقرارات أو مراسيم؛ فقد “تم تعديل العديد من القوانين بموجب قرارات صادرة عن جهات مختلفة، بما في ذلك مجلس النواب ومجلس الوزراء. ومن بين هذه التعديلات: قانون نظام القضاء، وقانون الإدارة المحلية، وقانون العقوبات، وقانون الجنسية، وقانون المطبوعات، وقانون النشاط التجاري. كما تم تعديل بعض الأحكام في اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم دخول وإقامة الأجانب.”

ويتغاضى المنادون بتعديل القوانين السارية أو استحداث قوانين جديدة، عن أن البلاد تمر بمرحلة انتقالية وتعاني من انقسام مؤسساتي، وأن الأوضاع غير مستقرة بصفة عامة، وأن خلخلة المنظومة التشريعية القائمة قد يزيد الأمور تعقيداً، أو يرتّب مستجدات تؤدي إلى تعميق حالة الانقسام. فضلاً عن أن التعديلات المتكررة للقوانين لا تشجّع دخول الاستثمارات الأجنبية، وتحدّ من إمكانات التعاقد بأسعار منخفضة، وتفضي إلى تصنيف متدنٍ للدولة، بسبب ما يراه المستثمر أو وكالات التقييم الدولية من عدم يقين ومخاوف؛ ذلك لأن الخلل قد لا يكون في التشريعات والقوانين السارية، بقدر ما هو في البيئة التي تعمل فيها هذه القوانين، والحالة السياسية التي تحول دون تحقيق هذه القوانين لأهدافها.

وقد يتضح للمشرّع، بعد استقرار الأوضاع وتولّي إدارة البلاد حكومة واحدة، أن ما تم استحداثه من قوانين أو ما جرى عليها من تعديلات لا يتوافق مع متطلبات واستحقاقات المرحلة الجديدة عندما تستقر الأمور، مما سيدعو إلى جولة جديدة من الإجراءات القانونية التي ستنصبّ حول تصويب آثار القوانين المستحدثة أو القوانين التي أُدخلت عليها تعديلات إبّان المرحلة الانتقالية. وقد تجد السلطات الجديدة، أي بعد استقرار الأوضاع وتوحيد البلاد، صعوبة في التعامل مع الآثار المترتبة على القوانين المستحدثة، والحقوق التي اكتُسبت في ظلها.

وباستثناء ما تتطلبه المرحلة الحالية من تشريعات تجرّم غسل الأموال وتمويل الإرهاب، والتهريب والاتجار بالبشر، ومكافحة الفساد، فإن البلاد ليست في حاجة لإصدار تشريعات جديدة، بقدر حاجتها إلى الالتزام بالقوانين والتشريعات السارية.

ولذلك يُنصح دائماً، أثناء فترات النزاع، أن تُدار الأمور وفقاً لأساليب ومبادئ إدارة الأزمات، والتي من أهمها تفادي المساس بالبنية القانونية للدولة، خصوصاً في غياب دستور دائم ينظّم الحياة والعلاقة بين السلطات بشكل واضح. فاستقرار البيئة التشريعية يعتبر مطلباً ضرورياً لاستقرار الأوضاع السياسية والاقتصادية

“أبوسنينة” يكتب: دعوة للتقييم الاقتصادي لأرقام الإيراد والإنفاق العام المعلنة وميزانية عامة متوازنة للدولة

كتب الخبير الاقتصادي “محمد أبوسنينة” مقالاً قال خلاله:

تأسيسًا على بيان الإيراد والإنفاق خلال الفترة من 1/1/2025 إلى 31/7/2025، الصادر عن مصرف ليبيا المركزي، تناولت عديد الصفحات على الفيسبوك الأرقام المعلنة، واهتمت بما تم إنفاقه من قبل مختلف القطاعات والمؤسسات خلال السبعة أشهر المنصرمة من هذه السنة، في تناول لهذه الأرقام المطلقة، بين منبهر ومشكك ومتسائل ومتحسر ومستغرب من جهة، وراضٍ ومقتنع وطالب للمزيد من جهة أخرى. وكان التحليل والتقييم الاقتصادي للأرقام، وهو الأهم، الغائب عن المشهد، في وقت تعصف فيه المشاكل الاقتصادية بالبلاد، وفي وقت يطالب فيه المصرف المركزي بإقرار ميزانية عامة للدولة، وتعمل فيه السلطات المعنية على إصدار الميزانية المطلوبة، وكأن السنة المالية تبدأ اليوم!!!

فقد بلغ إجمالي الإنفاق خلال فترة السبعة أشهر الماضية 66.145 مليار دينار، يغطي كافة بنود الميزانية العامة التقليدية المعروفة، بما في ذلك المرتبات والدعم، وبمتوسط إنفاق شهري يقدَّر بمبلغ 9.449 مليار دينار.

وفي محاولة لتحديد حجم الميزانية العامة السنوية التي تتوافق مع الأرقام المعلنة حتى تاريخه، من الناحية المحاسبية، وباعتماد مبدأ استقرار الإنفاق على أساس واحد من اثني عشر (1/12) خلال السنة مما تم إنفاقه خلال السبعة أشهر الماضية، يكون حجم الإنفاق المتوقع خلال الخمسة أشهر المتبقية من السنة المالية (1/8/2025 إلى 31/12/2025) مبلغ 47.246 مليار دينار، وبذلك يكون إجمالي الإنفاق المقدَّر خلال كامل السنة 113.393 مليار دينار، وهو ما ينبغي أن يكون سقف الإنفاق بنهاية السنة.

وبالنظر إلى إجمالي الإيرادات التي تحققت خلال السبعة أشهر المنصرمة والتي تُقدَّر بمبلغ 73.524 مليار دينار، فإن إجمالي الإيرادات النفطية المتوقعة بنهاية السنة المالية ـ بافتراض استقرار أسعار النفط ومعدلات تصديره ـ في حدود 105 مليارات دينار، مضافًا إليها الإيرادات السيادية الأخرى الضريبية والجمركية والإتاوات والإيرادات المحلية، في حدود 7 مليارات دينار.

فهل نتوقع اعتماد ميزانية عامة للدولة لعام 2025، في حدود 113.393 مليار دينار؟ قد يقول البعض إن هذا تبسيط للواقع، وإن الأوضاع أكثر تعقيدًا مما يبدو، وإن الأرقام المعلنة لا تعبِّر عن الواقع. هذا احتمال وارد، ولكن الثابت والمعلن من خلال التدفقات النقدية لدى المصرف المركزي أنه تم بالفعل إنفاق مبلغ 66.145 مليار دينار خلال الشهور السبعة المنصرمة من السنة، بافتراض صحة هذه الأرقام.

وإذا كانت هناك نفقات تمت ولم يتم حصرها وتوثيقها ـ وأنا هنا لا أدّعي ذلك، ولكن للتوضيح فقط ـ كأن تكون صُرفت من حسابات للحكومة خارج المصرف المركزي، فهذا يشكل خللًا كبيرًا في المالية العامة لا يمكن قبوله. أيضًا، إذا كانت هناك التزامات قائمة على الخزانة العامة لم تتم تغطيتها خلال السبعة أشهر الماضية، أو أغراض صرف مستهدفة من أول يوم في السنة المالية ولم تتوفر لها الموارد المالية اللازمة، ومطلوب تغطيتها خلال ما تبقّى من السنة، فيجب الإفصاح عنها بشفافية كاملة، وفي حال إقرارها قد تؤجَّل للسنة المالية القادمة إذا تعذر توفير التغطية المالية اللازمة لها.

لهذا السبب نطالب دائمًا بضرورة وضع مستهدفات محددة وواضحة للميزانية العامة (معدل نمو مستهدف، معدل تضخم متوقع، معدل تشغيل أو استخدام مستهدف)، ولا يكون الإنفاق عشوائيًا، أو كلما توفرت موارد أو زيادة في دخل الخزانة العامة.

وفي كل الأحوال لا ينبغي أن تتجاوز أهداف الإنفاق العام خلال السنة إجمالي الموارد المتوقعة (إيرادات نفطية، وسيادية أخرى، وإيرادات أخرى تؤول لحساب الإيراد العام) خلال نفس السنة.

وفي ظل الأوضاع السياسية والانقسام المؤسساتي، يجب تجنب ترتيب المزيد من الدين العام، والتصرف على أساسيات الاقتصاد الكلي، ومراعاة الطاقة الاستيعابية للاقتصاد الوطني، للمحافظة على الاستدامة المالية للدولة، وللتحكم في نمو عرض النقود، وللمحافظة على استقرار سعر صرف الدينار الليبي، والحد من استنزاف الاحتياطيات، والحد من التضخم

“أبوسنينة”: حول السياسة التي يتبعها المصرف المركزي في بيع النقد الأجنبي وتوفيره لمختلف الأغراض لدى المصارف التجارية

كتب: الخبير الاقتصادي “محمد أبوسنينة” مقالاً:

لقد دأب مصرف ليبيا المركزي منذ الأسبوع الأول لعام 2025 على إصدار بيانات يومية بمبيعات النقد الأجنبي ( الدولار ) لمختلف الأغراض ( أغراض شخصية، اعتمادات مستندية استيرادية وحوالات، واعتمادات وحوالات الحكومة ) في إطار سياسة الشفافية والإفصاح التي تبناها المصرف، إلا أن المؤشرات تبدو كأنه يشجع على مزيد التوسع في بيع النقد الأجنبي .

ويلاحظ من خلال هذه البيانات النمو المضطرد في مبيعات النقد الاجنبي يومياً، حيث ارتفعت هذه المبيعات لمختلف الأغراض بنسبة 37% خلال التسعة أيام الأولى من عام 2025 مند استأناف المصارف تشغيل منظومات بيع النقد الأجنبي والبدء في تنفيد طلبات فتح الاعتمادات المستندية .

وقد بلغ إجمالي ما تم تنفيذه من مبيعات النقد الأجنبي خلال الفترة من 5 إلى 16 يناير 2025 حوالي 2.0 مليار دولار ، منها 1.1 مليار للأغراض الشخصية ، بينما بلغت قيمة الاعتمادات المستندية لاغراض الاستيراد السلعي والخدمي 690 مليون دولار، هذا النمط من مبيعات النقد الأجنبي يثير العديد من الملاحظات والاسئلة التي ينبغي الوقوف عندها والإجابة عليها .

أولاً : أن يكون الطلب على النقد الاجنبي للأغراض الشخصية باستخدام البطاقات ( لغرض العلاج والسياحة والدراسة بالخارج والحج والعمر وغيرها ) اكبر من الطلب على النقد الأجنبي لغرض فتح الاعتمادات المستندية لاستيراد السلع ومواد الإنتاج والخدمات بنسبة تتجاوز 27٪؜ ، فهذا أمر غير طبيعي وغير مسبوق، ويجب التوقف عنده، ويدل على غياب سياسة واضحة تحدد أولويات توفير النقد الأجنبي واستخداماته ، ويبدو أنه أمر غير قابل للاستدامة .

ثانيا: يلاحظ استمرار المصرف في سياسته التوسعية في بيع النقد الأجنبي بالرغم من أن السنة المالية 2024 انتهت بعجز في ميزان النقد الأجنبي باكثر من 5 مليار دولار، وجاء هذا العجز على حساب الاحتياطيات .

ثالثا: بالرغم من التوسع في عرض النقد الاجنبي وتوفيره لمختلف الاغراض إلا أن سعر الدولار في السوق الموازيه لازال يتجاوز حاجز الستة دينارات، ويميل إلى الارتفاع حتى وصل 6.7 دينار للدولار الواحد .

رابعاً: لم تنفرج مشكلة السيولة لدى المصارف التجارية وتكاد تكون السيولة معدومة في بعض فروع المصارف، في مختلف المناطق، وكان يفترض أن يُودي التوسع في مبيعات النقد الاجنبي إلى توريد المزيد من الدينار الليبي إلى المصارف التجارية ومن تم التخفيف من أزمة السيولة .

خامساً: يشتكي المصرف المركزي من محدودية وعدم كفاية المبالغ المحالة اليه من إيرادات بيع النفط، ويطالب المؤسسة الوطنية للنفط بالتوضيح، وعلى الرغم من ذلك يستمر في بيع النقد الأجنبي بمعدلات متزايدة، رغم العجز المترتب على هذا الوضع .

هذه الملاحظات تثير تساؤلات عديدة، نجدها تفرض نفسها، أمام هذا الوضع الذي نراه غير قابل للاستدامة ونتائجه غير مضمونة، ومن اهم هذه الأسئلة:
1- ماهو الهدف الذي يسعى المصرف المركزي لتحقيقه ؟ هل هو القضاء على السوق السوداء للنقد الأجنبي، وهل هو هدف على المدى القصير أم على المدى الطويل؟ أم أن الهدف توجيه سعر الصرف وقيادته والتحكم فيه بالسوق السوداء ؟

2- هل توجد تقديرات للطلب على النقد الاجنبي لمختلف الأغراض، يؤسس عليها المصرف المركزي سياسته في عرض النقد الأجنبي، ويعمل على تلبيته من خلالها ؟ تقديرات تاخد في الاعتبار حاجة السوق من مختلف السلع الاستهلاكية والإنتاجية التي يجري استيرادها، وتقديرات تتعلق بالطلب على النقد الأجنبي للأغراض الشخصية .

3- هل توجد لدى المصرف المركزي سياسة احترازية ، أو خطة بديلة، يلتجئ اليها في حال حدوث انخفاض حاد، غير متوقع، في إيرادات النقد الأجنبي، وانكشاف احتياطياته الحرة ، اما نتيجة لانخفاض حاد في معدلات استخراج وتصدير النفط الخام لمختلف الأسباب، او تدهور اسعار النفط إلى مستويات غير مسبوقة، أو انخفاضها دون حاجز 65 دولار للبرميل ؟ بهدف ضمان استقرار سعر صرف الدينار الليبي والمحافظة على قيمته، من جهة، وتوفير السيولة اللازمة لتلبية احتياجات الدولة ( الحكومة ) والقطاع الخاص، من النقد الاجنبي ، من جهة أخرى .

هذه الاسئلة، وغيرها، ينبغي أن يتم تناولها، والإجابة عليها، في ظلّ روءية يضعها المصرف المركزي لادارة النقد الأجنبي ولإصلاح سعر صرف الدينار الليبي، والوصول به إلى مايعرف بسعر الصرف التوازني، ويحقق الاستقرار الاقتصادي والمالي والاستدامة المالية للدولة .

“أبوسنينة”: تداعيات تدني أسعار النفط الخام لتلامس هامش 70 دولار للبرميل لأول مرة منذ عام 2021

كتب: الخبير الاقتصادي “محمد أبوسنينة” مقالاً بعنوان دعوة مُلِحّة لاستئناف فتح الحقول النفطية وتصدير النفط الخام والغاز: تداعيات تدني أسعار النفط الخام لتلامس هامش 70 دولار للبرميل لأول مرة منذ عام 2021 .

لو فرضنا جدلاً أن استخراج وتصدير النفط لازال يجرى بمعدل 1.2 مليون برميل في اليوم ، وهذا في الواقع غير قائم بسبب الإقفال والقوة القاهرة المعلنة بحقول النفط ، فإن إيرادات النفط خلال ماتبقى من هذه السنة ، في ظل سعر برميل النفط اليوم ، ستكون في أحسن الأحوال في حدود 45 مليار دينار بسعر الصرف الرسمي ( بدون إضافة الضريبة بواقع 27%) وإذا ما استبعدنا حصة الشركات الأجنبية في النفط المستخرج والمصدر ، فإن صافي الدخل ، خلال ماتبقى من السنة ، سيكون في حدود 38 مليار دينار .

وإذا ما أخدنا في الاعتبار ما سيتم مبادلته من نفط خام مقابل مايتم استيراده من محروقات ، والذي لا يظهر ضمن إجمالي الانفاق العام ، والذي يقدر بحوالي 30 مليار دينار خلال ماتبقى من هذه السنة ، فإن صافي الإيرادات المتوقعة والتي ستكون متاحة امام الحكومة ، خلال ماتبقى من هذه السنة ، لن تتجاوز 10 مليار دينار ، ولن تكون كافية لمواجهة إجمالي الالتزامات على الحكومة( المرتبات والدعم والمصروفات التسييرية ) ، الأمر الذي يعنى إحتمال إغلاق الحكومة وعجزها عن دفع المرتبات خلال الأربعة أشهر القادمة .

أمّا إذا استمرت أزمة إغلاق الحقول النفطية ، فهذا يعني تعرض الاقتصاد لصدمة عميقة لانعدام الدخل المتأتي من تصدير النفط قد تودي إلى إغلاق الحكومة والشلل التام للاقتصاد الوطني، ولا مفر في هذه الحالة من اللجوء إلى إستخدام الاحتياطيات وتحقق عجز كبير في ميزان المدفوعات ، سيودي إلى انهيار سعر صرف الدينار الليبي إلى معدلات غير مسبوقة في تاريخه ، ودخول الاقتصاد في مرحلة من الركود العميق، وهذه دعوة لإنقاذ الموقف .