آفاق التنمية الاقتصادية في ليبيا ودعوات توزيع عوائد النفط

451

كتب: الخبير الاقتصادي “د. محمد أبوسنينة”

الفجوة بين مستويات التنمية الحالية فى مختلف المناطق والأقاليم في ليبيا كبيرة جدا، في الجنوب الغربي والجنوب الشرقى وفي الشمال الغربي، والوسط، الهوة سحيقة بين مستويات التنمية فيها وبين مستويات التنمية في المدن الرئيسية أو ما يعرف بعواصم الأقاليم.

فهناك مناطق لا تعرف الطرق المعبدة، وهناك مناطق لا تتوفر فيها مياه الشرب ناهيك عن شبكة لتوزيع المياه، وهناك مناطق لا توجد بها شبكات للصرف الصحي ومعالجته، وهناك مناطق لازالت بها بعض الأمراض المستوطنة ولازال سكانها يموتون من لسعات العقارب، وهناك مناطق لازال سكانها يسكونون أكواخًا وبيوتًا من سعف النخيل والصفيح، بل أن الأوضاع المعيشية في هذه المناطق قد تراجعت بشكل ملحوظ.

بمعنى آخر، باستثناء بعض المدن الرئيسية في ليبيا، مثل طرابلس وبنغازي ومصراتة والزاوية وغريان والبيضاء، التى بها بعض ملامح التنمية ولازالت تفتقر للكثير، فإن بقية المدن والمناطق الليبية التي تشغل أكثر من 80% من مساحة ليبيا الكتير منها يفتقر لأبسط ومقومات الحياة، وتتعاظم فيها معدلات الفقر ومن هم تحت خط الفقر، فعندما يعتمد معيار لتوزيع عوائد النفط، يؤسس على الجغرافيا والسكان، كما يرى البعض، ولا يراعي أوضاع التنمية في هذه المناطق، فإن المناطق المحرومة ستظل محرومة ومتخلفة إلى الأبد، ولن تتمكن من اللحاق بمستويات التنمية في المدن الرئيسية، ولذلك فإن العدالة تقتضي توصيل المناطق المحرومة والمهمشة وذات الأوضاع الهشة، أو التي لم تعرف التنمية مثل ما عرفته المدن الرئيسة فى الساحل، إلى مستوى مقبول من التنمية أولا، ليس من خلال التوزيع المادي المباشر لإيرادات النفط ولكن بتوطين مشروعات وتنفيذ برامج تنموية واستكمال مشروعات فى تلك المناطق، ثم تطرح معايير التوزيع العادل، رغم عدم اقتناعي بموضوع التوزيع أو التقسيم المباشر للثروة أو عوائد النفط أصلا.

إذ لا يوجد في أدبيات التنمية ما يسمى التوزيع أو التقسيم المادي المباشر للثروة عدا الإعانات التي تمنح للمحتاجين، ولأنه لا يوجد ما يمكن تقسيمه أصلا في دولة تتجاوز فيها المرتبات المدفوعة من الخزانة العامة فيها كل إيرادات النفط !!!

من وجهة نظري أن إيجاد نظام للحكم المحلي، يتخلص من عيوب المركزية الإدارية ومركزية تقديم الخدمات (محافظات وبلديات) يكون مؤسسا على أسس سليمة وفقا لقانون، وإدارة شفافة وكفوءة للموارد التي تهدف لتحقيق التنمية المكانية المتوازنة، ووضع استراتيجية للتخلص من هيمنة النفط على الاقتصاد بتوجيه عوائده الحالية لاستغلال وتنمية الموارد الأخرى الكامنة فى مختلف المناطق، بحيث تكون هذه الموارد المحلية هي المحرك للتنمية بهذه المناطق، هو الحل الأمثل لمشكل التنمية في ليبيا.

وبالمناسبة لا تكاد تخلو منطقة من مورد يمكن الاستثمار فيه وتنميته بحيث يشكل مصدرا للتمويل المحلي، وأن يفتح المجال أمام القطاع الخاص للاستثمار والمشاركة في تمويل وتنفيذ المشروعات الاستثمارية والتنموية. إن التوزيع الحقيقي والمفيد للثروة يكون من خلال تنفيد مشروعات تنموية وبنية تحتية واستكمال المتوقف منها فى مختلف المناطق على امتداد مساحة ليبيا، وإن أي ترتيبات لتحقيق التنمية اعتمادا على إيرادات النفط المحدودة والتي ستتوقف يوما ما، أو من خلال التوزيع المباشر لإيرادات النفط، سيكون محكوم عليها بالفشل وعدم الاستدامة، ولن توقف الصراع الدائر حاليا، ولا تتجاوز كونها هروب للأمام في الحالة الليبية.