“أبوسنينة” يكتب: على ذكر إفلاس مصرف سيلكون فالي ( SVB ) الأمريكي الذي تبلغ أصوله نحو 209 مليار دولار أمريكي

558

كتب: د. محمد أبوسنينة الخبير الاقتصادي

لا يوجد بنك بمناى عن الافلاس مهما كبر حجمه ، عندما تغيب الحوكمة وتتخذ الإدارة قرارات استراتيجية خاطئة ، تعرض المصرف لمخاطر جسيمة تهدد ملاءته وسلامة مركزه المالي ، وعندما يعجز عن تلبية طلبات أصحاب الودائع في سحب ودائعهم الجارية أو تسييل ودائعهم الزمنية .

وبالرغم من أن انهيار مصرف سيلكون فالي ، يعتبر ثاني أكبر عملية إفلاس بعد إفلاس بنك ليمان- برذرز ، ابّان الازمة المالية في عام 2008 ، إلا أن قطاع البنوك في الولايات المتحدة يشهد إفلاس العديد من البنوك الصغيرة بشكل مستمر . وقد كان إفلاس مصرف سيلكون فالي لعدة اسباب لعلّ اهمها قيامه بشراء سندات غير مضمونة باستخدام أموال المودعين ، بمبلغ كبير ، تعرض على أثرها لخسائر تقدر بحوالي 15 مليار دولار امريكي ، بالاضافة الى عجزه عن دفع الفوائد لأصحاب الودائع بسبب قيام البنك الاحادي الفدرالي برفع اسعار الفائدة عدة مرات حتى لامست حاجز 5% ، إلا أن هناك العديد من الأسباب والعوامل الأخرى التي تؤدي إلى افلاس المصارف وانهيارها .

لهذا وضعت سياسات احترازية جزئية يجري تطبيقها في إطار الرقابة المصرفية المكتبية والميدانية التي تمارسها المصارف المركزية ، تلزم المصارف التي تتلقى الودائع من الجمهور الالتزام بها ، سواء كان ذلك في إطار مايعرف بمبادئ بازل ( 1 ) أو بازل ( 2 ) أو حتى بازل ( 3 ) ، أو السياسات المصرفية والائتمانية التي يقرها المصرف المركزي .

هذه المبادئ تعتبر ضرورية ، ولكنها لن تكون كافية في ظل الممارسات الخاطئة لإدارة المصارف ، والقرارات الغير مدروسة التي تتخذها ، أو التهاون في تطبيق أحكام قانون المصارف ولهذه الأسباب ، يتم إلزام المصارف باجراء اختبارات تحمل ( stress testing ) من وقت لاخر للتأكد من قدرتها على تحمل الصدمات ، باخضاع مراكزها المالية لسيناريوهات شديدة محتملة تتعلق باوضاع ومستويات اسعار الفائدة ، وأسعار الصرف ، أو ما يعرف بمخاطر السوق ، بالإضافة إلى نسب السيولة القانونية والاحتياطيات الالزامية .

وتتولى لجان المخاطر المنبثقة عن مجالس الإدارة في المصارف متابعة نتائج اختبارات التحمّل ، وعرضها على مجالس الادارة لاتخاذ السياسات المناسبة حيالها، كما تلزم المصارف المركزية ، من خلال إدارات الرقابة على المصارف بها ، المصارف التجارية بتقديم تقرير سنوي عن التقييم الداخلي لكفاءة رأس المال والحوكمة .

كل ذلك ، بهدف الحيلولة دون تعرض المصرف لمشاكل مالية قد تؤدي الى٥ تصنيفه تحت ما يعرف ب Problem Bank Resolution .

امّا أن يعجز مصرف عن تكوين المخصصات المطلوبة في مواجهة محفظة ديونه المتعثرة ، والمقدّرة وفقاً لتقارير مراجعي حسابات المصرف ، أو أن يستخدم اموال المودعين لشراء أصول ثابتة ، مبالغ في قيمتها ، ولا يستطيع ، فيما بعد ، التصرف فيها بالبيع الا بخسارة ، من خلال صفقات مشبوهة ؛ أو أن يتأخر في عقد جمعيته العمومية العادية ، لاعتماد حساباته الختامية لعدة سنوات متتالية بالمخالفة لاحكام القانون ، أو أن يقوم كبار المودعين بسحب ودائعهم لديه دفعة واحدة لأسباب ترتبط بسمعة المصرف أو لأي سبب آخر ، في حال تعرض المصرف لمخاطر التركز ، أو أن لا تتوائم اصوله السائلة ، أو القابلة لتسييل ، مع التزاماته ، أو ما يعرف ب assets – liability mismatch ، متعرضا لفجوات سيولة تراكمية ، وفقا لدورية استحقاق التزاماته ، بحيت يصير المصرف في حالة اعسار ( insolvent ) أو أن يكون معدل نمو ودائعه التي ترتب دفع فوائد دائنة ، أكبر من معدل نمو محفظة القروض التي يمنحها المصرف مقابل حصوله على فوائد مدينة ، أو أن يوظف المصرف أموال المودعين في استثمارات في شكل سندات غير مدرجة ، أو غير مجدية ، وذات مخاطر عالية ، أو أن يقوم المصرف بتاسيس شركات أو المساهمة فيها بنسب تتجاوز السقف المسموح به وفقاً للقانون ، وفي هذه الحالة يودي افلاس الشركة إلى إفلاس المصرف كنتيجة لمساهمته فيها – هذا المصرف ، الذي يندرج تحت أي من الحالات المذكورة ، يعتبر معرضا للافلاس ، وأن بدأ كانه يعمل بنجاح ( يذكرني هذا الوضع بمقولة أستاذ النقود والمصارف بجامعة بنغازي ، الدكتور عبد المنعم البيه رحمه الله ، في سبعينيات القرن الماضي ، التي كان يرددها في محاضراته ” وما فتأ المصرف يعمل بنجاح حتى افلس ” للتحذير من مغبة السياسات والقرارات المصرفية الخاطئة .

وعندما يقع الافلاس ، سواء بقرار من المصرف المركزي ، أو بانهيار مفاجئ للمصرف يؤدي لتفليسه ، تتجه الانظار أولا إلى الرقابة المصرفية ، التي تتعرض لعديد الاسئلة ، للتأكد من قيامها باحكام الرقابة على المصارف من عدمها ، وإذا تبين وجود تقصير في هذا الجانب تتحمل الرقابة المصرفية مسؤليتها عن ذلك .

كما يسأل كذلك المراجعين القانونيين ، للتأكد من مدى التزامهما بتقديم تقارير دورية عن الأوضاع المالية للمصرف ، بالإضافة للتأكد من عدم تواطؤهما مع إدارة المصرف من خلال اظهار مراجعة الحسابات الختامية للمصرف خلافا لما هي عليه كما ان مجلس ادارة المصرف يعتبر المسؤول الأول المباشر عن ما آل إليه وضع المصرف ، أمام المصرف المركزي ، وأمام الجمعية العمومية ، في حال ثبوت تعدي أو تقصير أما أن تعلم سلطة الرقابة المصرفية بمؤشرات تندر بافلاس أي مصرف ، وتغض النظر عنها ، لمختلف الأسباب ، فذلك يعرضها للمساءلة القانونية ، ويشكل جريمة يعاقب عليها القانون .

وقد يتدخل المصرف المركزي ، أو الحكومة ممثلة في وزارة المالية ، لانقاذ المصرف من الإفلاس ، عندما يكون المصرف كبير ، أي يستحوذ على نسبة مهمة من اصول القطاع المصرفي ، ويدير شبكة كبيرة من الفروع والوكالات ، ويحتفظ بنسبة من الأموال العامة ضمن خصومه الايداعية ، ويرتب افلاسه خسائر ومخاطر كبيرة على القطاع المصرفي برمته .

وينطبق هذا الوضع على المصارف الكبيرة التي توصف بأنها to big to fail . لأن انهيار هذه المصارف الكبيرة يهدد بتعرض النظام المصرفي برمته لمخاطر نظامية systemic risk ، قد تدخل النشاط الاقتصادي في حالة ركود وقد اعطى قانون المصارف الليبي عدة خيارات ، يمكن لمجلس إدارة المصرف المركزي اللجوء اليها ، للتعامل مع المصارف المتعثرة ، فله ان يطالب المُلاّك بضخ أموال لدعم رأس مال المصرف ، وله أن يقوم بدمج المصرف المتعثر في مصرف أخر وإذا استنفد المصرف المركزي كل السبل الكفيلة بتصحيح أوضاع المصرف ، فلا مناص من سحب الترخيص الممنوح للمصرف ، وإن يضع المصرف المركزي يده على المصرف ، وإعلان إفلاسه وفقاً للقانون.

وإذا وقع الإفلاس أو التفليس لمختلف الأسباب ، ياتي دور صندوق ضمان الودائع ، الذي يتولى أمر المصرف الذي افلس ، باعتبار الوكيل عن المودعين ، ويقوم بوضع يده على اصول المصرف للتصرف فيها ، ويتولى تعويض أصحاب الودائع بدفع نسبة من ودائعهم وفقا لما ينص عليه نظامه الأساسي ، وبطبيعة الحال لا مجال للتعويض بنسبة 100 % من قيمة الودائع .

وما يقوم به صندوق ضمان اموال المودعين يشبه إلى حد كبير ما تقوم به شركات التامين ، إلا أن وعاء التعويض يختلف في هذه الحالة ، حيث يلتزم صندوق ضمان أموال المودعين بالتعويض وفقا لنظام الشرائح الذي يحدده نظامه الأساسي ، وهو الاجراء المعمول به لدى كافة صناديق ضمان الودائع في مختلف دول العالم .

لهذه الاعتبارات تعد سلامة النظام المصرفي أمر حيوي ، ينبغي أن ينتبه إليه المصرف المركزي ويضعه على رأس سلم أولوياته ، للمحافظة على مدخرات المواطنين ، ودعم النشاط الاقتصادي ، والمحافظة على الاستقرار المالي في الدولة ، وينطبق هذا القول على جميع الدول ، المتقدمة والنامية على حد سواء .