كورونا الجديد COVID-19 القشة (الحُجة) التي قصمت ظهر الاقتصاد العالمي

295

كتب الدكتور ” عبدالله ونيس الترهوني” – أخصائي اقتصاديات النقل

صدقت توقعات كل المحللين الاقتصاديين حول العالم منذ أكثر من عام بأن العالم مقبل على أزمة اقتصادية وقد تكون أكبر من تلك التي حدثت نهاية العام 2008، والتي بدأت في أمريكا بأزمة الرهن العقاري ثم انفجرت تلك الفقاعة وانتشرت كانتشار النار في الهشيم، فهوى معها كل شئ بدءاً من أسعار العقارات مروراً بمؤشرات البورصات العالمية وصولاً لسعر النفط الذي شهد حينها تراجعاً تاريخياً من سعر يزيد قليلاً عن 147$ للبرميل الواحد منتصف العام 2008 إلى حدود ال30$ دولار للبرميل الواحد كان قد سجلها في النصف الأول من العام 2009.

وتجدر الإشارة إلى أن سعر خام برنت يسجل في الأثناء سعراً في حدود 35$ للبرميل بعد أن كان سعره يحوم حول ال58 $ مطلع العام 2020 عندما بدأت تخرج للعلن أرقام الإصابات بفيروس كورونا الجديد والذي لم يتوفر له علاج حتى الآن بالرغم من أن 53% من الحالات قد تم شفائها باستعمال أمصال عادية وليست خاصة لمكافحة هذا النوع الجديد من الفيروسات، وتجدر الإشارة أيضاً إلى أن الصين موطن هذا الوباء (إن صح التعبير) تشهداً هي وجارتها اليابان تراجعاً في أعداد المصابين بالمقارنة مع ارتفاع أعداد المتعافين منه يومياً، ولكن المرعب هو سرعة انتشار الفيروس الذي غزا قارات العالم دون استثناء، وحذا ببعض الدول مثل إيطاليا إلى فرض حجر صحي على أقاليم بأكملها كما أن بعض الدول قد فرضت قيوداً على التجمعات، وأغلقت المدارس والجامعات لفترات تتراوح بين أسبوعين وشهر، وبالمناسبة فإن آخر الاحصاءات الرسمية العالمية تشير إلى أن عدد الإصابات حتى ظهر الاثنين 9 مارس 2020 قد بلغت 110,627 حالة ، وأن عدد الحالات التي شفيت منه بصورة نهائية بلغت 62,109 حالة أي ما يعادل 56% من إجمالي المصابين، وأن عدد الوفيات قد وصل إلى 3,841 وفاة أغلبها كان في الصين تلتها ايران وايطاليا على الترتيب.

الخوف الآن ليس من فيروس كورونا الجديد وحده، فبعض الدول لم تسجل فيها ولو إصابة واحدة وبالأخص الأفريقية منها، كما أن الوقاية منه ليست بالشئ الصعب، أضف إلى ذلك أن هذا الفيروس لا يعيش في درجة حرارة أكبر من 27 درجة مئوية ونحن على أعتاب فصل الربيع والذي يشهد اعتدالاً في درجات الحرارة في النصف الشمالي من الكرة الأرضية، وبالتالي فمن المتوقع انحسار رقعة انتشار الفيروس بمرور الأيام، ولكن الخوف بعد انحسار الفيروس أو حتى بمجرد اختراع مصل مضاد له هو الآثار الاقتصادية المدمرة التي تركها، وأرجو من الله أن لا تتجاوز في مجملها ما حصل خلال العامين 2008 و 2009 عندما تراجع الاقتصاد العالمي بشكل كبير، فتراجع النفط اليوم هو ثاني أكبر تراجع له عبر التاريخ وبنسبة وصلت إلى 31.5%، وذلك بعد التراجع الذي شهده خلال حرب الخليج وبالتحديد في 17 يناير 1991 والذي سجل حينها تراجعاً وصل إلى نسبة 35% خلال ساعات، وقد عزى البعض التراجع التاريخي في سعر البترول خلال هذا الأسبوع إلى سبيين رئيسيين هما: عدم التوصل إلى اتفاق بين دول أوبك وروسيا مساء الجمعة 6 مارس 2020 ، فقد اقترحت دول أوبك على روسيا تخفيضاً قدره 500 ألف برميلاً يومياً كبداية للوصول إلى مليون وخمسمائة برميل يومياً وخلال شهر لضبط الكميات النفطية المعروضة عالميا ومعادلتها َمع الطلب، فكانت ردة الفعل هي ثورة غضب من دول الأوبك والتي هددت بالإغراق السوقي من النفط كما حصل في 2014 والتي هبط فيها سعر برنت حينها من 120 إلى 28 $ فقط ، بالإضافة إلى التحالف الروسي الصيني ضد الدولار الامريكي وهما اللتان فرضت عليهما الولايات المتحدة حزمة من العقوبات التجارية.

لقد سجل مؤشر الخوف العالمي VIX او volatility index أعلى مستوى له منذ الكساد الكبير في العام 1929، وتراجعت بورصة الكويت إلى أكثر من10.5% مما حذا بالمشرفين عليها إلى ايقاف التداول بها مؤقتاً، في حين لامس هبوط البورصة الإيطالية حاجز ال10% وهي أكبر الدول المتضررة من الفيروس بعد الصين.

وكما توقع المحللين أيضاً فسوف يرتفع سعر الذهب عالمياً ولسبيين: الأول هو نقص الطلب علي مصادر الطاقة الهيدروكربونية، والثاني هو أن الذهب يبقى هو الملاذ البديل والآمن وقت الأزمات، وفي المقابل يرى بعض المحللين أن ما يجري الآن هو عملية تصحيحية وأن أكثر الدول استفادة منه هي الدول الصناعية المستوردة للنفط أو حتى تلك النفطية منها والتي استثمرت إيراداته أحسن استثمار مثل النرويج، ويبقى السؤال الآن: هل هي بدايات الأزمة أم نحن في أوج العاصفة، أم هو انفجار الفقاعة الاقتصادية الموعودة الكساد الكبير الثاني بعد الأول والذي حدث قبل نحو قرن من الزمان، أم هي مجرد مطبات اقتصادية عادية أي مجرد عطس وزكام موسمي كالذي حدث عام 2014.

من منظور محلي، الاقتصاد الليبي غير مرتبط كثيراً بالاقتصاد العالمي والدليل على ذلك ان ما حصل في العالم أواخر 2008 و 2009 لم يكن له ذلك التأثير المباشر على الاقتصاد الليبي (باستثناء بعض الاستثمارات في مجموعة ليمان براذرز الامريكية)، وعلى النقيض من ذلك فليبيا اليوم تعيش فترة من أحلك الفترات في تاريخها الحديث على الإطلاق، ودون الخوض في أي تفاصيل فإن الترشيد في الإنفاق الحكومي هو أول الخطوات المطلوبة في ظل هذه الصورة الضبابية إن لم نقل الظلامية والذي بلغ 9.4 مليار دينار للعام الماضي، وأرى أن الحديث عن رفع الدعم عن الوقود والدواء الآن ستكون له سيئات أكثر من أي حسنات سيجلبها معه، كل هذا رغم تقلص الإيرادات، فالمواطن ليس في حاجة لرفع الوقود دون أن يستلم بديله مقدماً، ولا داعي لتذكير المسؤولين الليبيين عن أن الدعم السلعي قد اختفى منذ العام 2014 ولم يتم تسديد بديل له حتى اليوم، دون أن نغفل عن توقف علاوة العائلة منذ سنوات وهي حق ثابت وأصيل وليست هبة أو منة من أحد.

الآن علينا أن نعي الخطر المحدق بالاقتصاد الليبي، فمع تقلص الإيرادات والذي أدى إلى الإنفاق من الاحتياطي الاستراتيجي من العملات الصعبة، والذي قد لا يكفي لأكثر من 20 شهراً في أحسن الاحوال، وفي المقابل هي فرصة ذهبية للتفكير في طرح بدائل للنفط من الآن، بل والتفكير في إعادة هيكلة الاقصاد الليبي.