الشحاتي يكتُب .. اقتصاديات المناسبات الدينية وتأثيرها على الاقتصاد الكلي

233

كتب المختص في المجال الاقتصادي “محمد الشحاتي مقالاً يتعلق باقتصاد المناسبات الدينية وتأثيره على الاقتصاد الكُلّي قال فيه:”التحليلات الاقتصادية تدرس السلوك الإنساني فيما يتعلق باستغلال الموارد، الفرضية الأساسية في هذه التحليلات تحسب أن السلوك البشري متماثل على الأقل في كل فترة زمنية أو منطقة مكانية، الحيود التي تحدث على هذا السلوك نظراً لعوامل خارجية يمكن أما أن يتم تجاهلها إذا كان الانحراف بسيطا عن المسار المركزي للسلوك أو يجب أن تؤخذ في الاعتبار إذا كانت تحرف المسار السلوكي لفترة طويلة”

وتابع :”تشير التحليلات الاقتصادية في الدول الغربية إلى أن المناسبات الدينية تتميز بارتفاع كبير في السلوك الاستهلاكي خصوصاً الغذائي حيث يتم الاحتفال بهذه المناسبات عن طريق الأطعمة التقليدية المصاحبة لكل نوع؛ وبسبب التكرار المنتظم لموعد حلول هذه المناسبات فأن النظام الإنتاجي والتجاري في المجتمع يتم تعديله بحيث يهدف إلى تجنب الاختناقات التي تحدث إمّا في الأصول الإنتاجية أو في قنوات التوزيع”.

مضيفاً:”وبينما لا توجد مادة تحليلية كافية عن تأثير المناسبات الإسلامية على السلوك الاقتصادي للأفراد في المجتمعات الإسلامية وبالتالي على أنماط النمو الاقتصادي إلا أنّه من ناحية عامة فإن الاتجاهات الرئيسية لا تختلف كثيراً عن تلك الموجودة في الغرب من ناحية الزيادة في الإنفاق الاستهلاكي للأفراد؛ الدراسات تشير إلى أن الزيادات هي موزعة تقريباً بالتساوي بين أفراد المجتمع في القيمة حيث إن أغلبها موجه لملء المعدة والتي لن تختلف كثيراً بين الفقير والغني”.

كما أردف القول:”الاختلافات الرئيسية التي يمكن ملاحظة أثرها بين المجتمعات الغربية والمجتمعات الإسلامية تتمثل في ناحيتين : الناحية الأولى هي الاختلاف الزمني في تحديد أوقات المناسبات فبينما تقع الأعياد “المسيحية” الغربية في أوقاتٍ متكررة بانتظام موسمي نتيجة لتوقيتها على تقويم السنة الشمسية، وتقع المناسبات الإسلامية في التقويم القمري المتحرك والذي تتوال فيه المواسم المناخية على المناسبة الواحدة، هذا يؤثر من ناحية لوجستية على التوقعات فبينما يمكن للمنتجين في النظام الغربي أن يخططوا بشكل أكثر دقة لإشباع الطلب الناتج عن المناسبة، يكون من الصعب على النظام الإنتاجي أو التجاري في الدول الإسلامية لتكييف التغيير في الدورة الإنتاجية”.

متابعاً :”الناحية الثانية هي الفترة التي تستمر فيها المناسبة الدينية، حيث إن المناسبات في النظام الغربي عادة مدد قصيرة لا تتجاوز اليومين وتقابلها مناسبات طويلة الفترة في المجتمعات الإسلامية تصل أحيانا إلى شهر مثل شهر رمضان المكرم. مرة أخرى فأن الترتيب اللوجيستي لمقابلة الطلب هو أكثر صعوبة في المجتمعات الإسلامية.

“الهدف الاقتصادي ينبغي أن يكون هو أن يتم تلبية الطلب الإضافي في فترة المناسبة الدينية من المصادر والموارد المحلية بقدر الإمكان والتقليل من الاضطرار للتوجه إلى أنظمة خارجية ترهق الاقتصاد الوطني. هذا يحتاج إلى تخطيط اقتصادي دوري للمدى المتوسط يتم فيه تخصيص موارد واستثمارات إضافية لمقابلة الطلب الإضافي بدون الوقوع في مختنقات يضطر معها إلى زيادة الانفاق.
وباستثناء صناعات محدودة (على رأسها صناعة حفظ وتعليب التمور) فإن الدول الإسلامية لم توظِّف هذه المناسبات والطلب الإضافي الذي يصاحبها في تطوير صناعاتٍ أخرى كصناعات الملابس والنسيج والألعاب وغيرها التي يرتفع الاستهلاك عليها”.

مضيفاً :”الغريب هنا أنّ دولاً صناعية غير إسلامية مثل الصين وبعض دول شرق آسيا منتبهةٌ إلى هذا التقلب الموسمي وتضع الاستراتيجيات لتكيف نظامها الإنتاجي للتوسع في الأسواق الإسلامية واكتسابها لمزايا تنافسية مهمة داخلها، هذا قد يعود أحيانا لأنها نفسها تشترك مع الدول الإسلامية في اختلافها مع المناسبات الموجودة في النظام الغربي من ناحية، كما يمكن من ناحية أخرى يعود إلى مرونة الأنظمة الإنتاجية في هذه الدول من ناحية العمالة والتكلفة”.

ختاماً قال :”لا شك أننا نحتاج في العالم الإسلامي إلى زيادة البحث العلمي في هذه النقطة مع محاولة تطوير رؤى استراتيجية على المدى المتوسط ينسق عمليات الاستجابة للتغييرات في السوق الناتجة عن المناسبات الإسلامية والتي يأتي على رأسها شهر رمضان المبارك”.