“الفيتوري”: الاقتصاد الليبي يحتاج إلى إعادة هيكلة وليس إلى تخفيضات متتالية لقيمة العملة

437

كتب الخبير الاقتصادي والدكتور الجامعي “عطية الفيتوري”

كثيرون هذه الأيام يتكلمون عن ضرورة رفع سعر الدولار، أى تخفيض قيمة الدينار للوصول إلى سعره العادل، وقد أصبحت قضية الدينار والدولار قضية عامة الكل له رأى فيها، الحقيقة أنه تم فك ارتباط الدينار بالدولار فى مارس 1986، وربطه بدلا من ذلك بوحدة حقوق السحب الخاصة، وهى العملة التى يصدرها صندوق النقد الدولى منذ عام 1970.

تم أول تخفيض فى تاريخ الدينار فى شهر مايو 1986 بمعدل 7.25% ، ثم توالت بعد ذلك تخفيضات قيمة الدينار، وكان آخر تخفيض فى شهر يونيو 2003، فقد الدينار خلال الفترة 1986 – 2003 حوالى 80% من قيمته الأصلية نتيجة التخفيضات المتتالية، وأخيراً تم فرض رسم على بيع العملة الأجنبية بنسبة 163% من السعر الرسمى، مما أدى إلى فقدان الدينار أكثر من 90% من قيمته.

السؤال الآن هو هل القيمة العادلة للدينار ستكون ثابتة فى المدى المتوسط والطويل؟، الإجابة لا، لأن القيمة العادلة هى التى يكون عندها ميزان المدفوعات فى حالة توازن، أى تحديدا لا يوجد عجز، بمعنى أن الطلب على العملة الأجنبية لجميع الأغراض يساوى العرض.

إذاً؛ يمكن أن تكون القيمة العادلة للدينار خلال المدى القصير والقصير جدا، وبالتالي سنحتاج إلى تعديل قيمة الدينار مرات أخرى للوصول إلى قيمة عادلة جديدة كل 3 أو 4 سنوات.

مسلسل تخفيضات قيمة الدينار لن تقف عند حد معين طالما أن سياساتنا الاقتصادية باقية على ما هى عليه، وسيكون مستقبل الاقتصاد الليبي ومستقبل الدينار مثل الليرة اللبنانية والدينار العراقى والجنيه السودانى، وليس مثل الدينار الكويتى والريال السعودى والدرهم الإماراتي.

إذاً كيف يمكن الخروج من الوضع المتردى لقيمة الدينار، والاقتصاد ككل؟، هذا يتطلب تدخل الدولة بشكل مباشر وغير مباشر لإعادة هيكلة الاقتصاد، وليس إلى التخفيضات المتتالية لقيمة العملة، نحتاج إلى خطط هدفها زيادة إنتاج السلع المادية التى ينتجها قطاع الصناعات التحويلية، بالإضافة إلى إنتاج القطاع الزراعي، وإرادات هذين القطاعين تشكل الآن ما لا يقل عن 90% من الطلب المحلى فى السوق، حيث أن قطاع الصناعات التحويلية هو القطاع القائد فى أغلب البلدان.

هيكل الاقتصاد الليبي الآن مشوه حيث يساهم قطاع الخدمات بأكثر من 75% من الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي، نحتاج إلى تعديل هذه النسبة، لتكون هذه النسبة قريبة مما هو موجود فى البلدان النامية المتقدمة التي سبقتنا فى مسيرة التنمية، جانب آخر من جوانب إعادة هيكلة الاقتصاد هو زيادة مساهمة القطاع الخاص فى الإنتاج السلعى، سواء فى قطاع الصناعات التحويلية أو الزراعة، بدلا من اعتماد الاقتصاد على التوريدات، وذلك عن طريق الائتمان المصرفى، والدعم من الحكومة بأشكال الدعم المختلفة، وحماية الإنتاج الوطنى بوسائل الحماية المعروفة، وإجراءات إعادة الهيكلة هي التي ستؤدي إلى استقرار الاقتصاد، واستقرار قيمة الدينار الليبي، لأنها ستؤدي إلى خفض الطلب على الدولار لغرض توريد السلع، وربما زيادة الصادرات غير النفطية، اذا تم التركيز على إنتاج السلع ذات الميزة النسبية.

لا خيار للاقتصاد الليبي للخروج من هذه الحلقة المفرغة إلا باعادة هيكلته عن طريق سياسات استثمارية ومالية ونقدية نتيجتها النهائية استقرار مستوى الأسعار، واستقرار قيمة الدينار، وخفض البطالة، واستمرار عملية التنمية، وتحقيق مستوى مقبول من العدالة فى توزيع الدخل.