الكيلاني يكتب مقالاً بعنوان: “لعنة الموارد”

342

كتب: الخبير المصرفي “عادل الكيلاني”

الموارد الطبيعية نعمة من نعم الله تعالى يوزعها على سكان الأرض، وما أن يكتشف الانسان أحد هذه الموارد الطبيعية حتى يبتهج ويفرح بها، على أمل أن تتغير أحواله للأفضل، وتكون رافدًا من روافد التنمية تساعد في تطوير البلاد والعباد والخروج بهم من حالة الفاقة والعوز إلى حالة الرخاء والنعيم.

شعوب كثيرة ابتهجت وانتابتها السعادة والفرح عند اكتشاف بئر نفطي أو غازي، أو منجم ذهب وألماس، لتتحول هذه الموارد إلى نقمة بعد أن كان يتوقع لها أن تكون نعمة، هذه الظاهرة لفتت انتباه العديد من البحاث والدارسين، لمحاولة الإجابة على سؤال مهم وجوهري، لماذا تتحول نعمة الموارد الطبيعية إلى نقمة تحل على البلاد وشعبها؟

في عام 2009 كانت دولة غانا تحلق في سماء النجاح والنمو، ولفتت أنظار العالم بمعدلات النمو المرتفعة التي حققها هذا البلد الأفريقي، ولهذا اختارها بارك أوباما كأول بلد أفريقي يزوره بصفته رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية، حيث حققت ما بين عامي 2003 – 2013 معدل نمو قوي بلغ 7%، في 2007 حققت غانا اكتشافاً نفطياً كبيراً، ثم تلاه اكتشافا ثانيا عام 2010، واستبشر الزعماء والشعب الغاني بهذه الاكتشافات وعقدت الأمال بأن هذه الاكتشافات ستكون رافدا من روافد التنمية، وستدفع غانا نحو الازدهار والنمو وأعلن رئيس غانا آنذاك (جون كوفور) في عام 2007 قائلاً (إن أداءنا جيد حتى بدون نفط، ولكن بحقنة منشطة من النفط، فإننا سنحلق عالياً).

غير أن الحقنة المنشطة كان مفعولها معاكس، ولم تحلق غانا عالياً كما كان يتوقع رئيسها، وشعبها، فقد انخفض النمو إلى ما دون 4% ما بين عامي 2014 -2016، وبرغم تنبؤات صندوق النقد الدولي بتحقيق معدلات نمو 7% أو يزيد، غير أن هذه الاكتشافات النفطية كان لها مفعول معاكس لكل التوقعات، وكانت بداية عهد التهور الاقتصادي، إفراط في الاقتراض وإسراف في الإنفاق، وتعرض الاقتصاد الغاني لصدمة انهيار أسعار النفط في 2014.

وتحولت غانا من دولة مدخرة (حوالي 484 مليون دولار)، إلى دولة مقترضة بمبلغ 4.5 مليار دولار أمريكي من الأسواق الدولية، ومنذ ذلك الوقت وغانا تتلقى وتطبق وصفات صندوق النقد الدولي للدعم، لم تكن غانا وحيدة في هذا النموذج، بل ينطبق ذلك على العديد من الدول (ومنها ليبيا) التي ابتهجت شعوبها وقياداتها باكتشاف هذا المورد الطبيعي (النفط)، وتحولت بعد اكتشافها للنفط لدول متعثرة مالياً وانخفاضاً في النمو.

في موزمبيق مثلاً كانت معدلات النمو السنوية 6% قبل اكتشاف الغاز، ليصبح معدل النمو 3% بعد اكتشاف الغاز، وليصل الاقتراض من الخارج إلى أرقام فلكية، والأمثلة كثيرة في هذا المجال، ولعل بعض الدول العربية التي حظيت بفرصة اكتشاف النفط خير مثال على ذلك، ليبيا مثلاً رغم مرور أكثر من 60 عام على تصدير النفط ووصول أسعاره أرقاما فلكية إلا أنها لم تشهد أي عملية تنمية حقيقية تتناسب مع حجم وكمية الأموال التي تم تحصيلها من هذا المورد الطبيعي، ولا يزال شعبها يتلقى العلاج في دول أقل منه موارد، ويتلقى التعليم العالي خارج حدوده، الجزائر كذلك، ودول الخليج أيضاً إنها لعنة الموارد الطبيعية، التي أصابت بلدنا ولازلنا نعاني أعراضه القاسية حتى اليوم، هذه الموارد التي أصبحت وسيلة لاضطهاد الشعوب، وقهرها وإذلالاها واتشار الفساد وشراء الذمم، وتقسيم الشعب الواحد إلى قطعتان تدار بمجموعة من الحكام القساة. هذه الموارد التي جعلت من الديمقراطية شيء صعب المنال، وطموح لا تستطيع الشعوب أن تصل إليه، وأصبحت هذه الثروات أداة لاستعباد الشعوب.