المسلاتي يكتب لصدى مقالاً بعنوان “المصارف وميزان المدفوعات”

142

كتب رجب المسلاتي لصحيفة صدى الاقتصادية مقال بعنوان “المصارف وميزان المدفوعات ”

ميزان المدفوعات مستند من أهم مستندات ومؤشرات الإقتصاد الوطني، يحدّد بموجبه مركز الدولة المالي تجاه العالم الخارجي، هل هي دائنة أو مدينة، هل تتمتع بفائض، أو تعاني عجزاً تدرج به (تقيد له) موارد الدولة من النقد الأجنبي، وتسحب منه (تقيد عليه) نفقات الدولة بالنقد الأجنبي، وهو يتكون من مرحلتين أو جزئين، الجزء الأول ويسمى بالميزان التجارى؛ وتدرج به المعاملات السالبة والموجبة التي تنشأ عن عمليات التبادل التجاري وتبادل الخدمات التي تجريها الدولة مع الخارج، إذا استوردت (إشترت) الدولة سلعاً وخدمات من الخارج يقيد ثمنها في ميزان المدفوعات في جانب المدفوعات، وإذا صدّرت (باعت) للخارج سلعاً أوخدمات يقيد ثمنها في جانب المقبوضات، وهذا الجزء يشبه حساب المتاجرة في حسابات الشركات الصناعية والتجارية، يظهر نتيجة المتاجرة، نتيجة عمليات التبادل التجاري للدولة مع الخارج، إذا صدّرت (باعت) للعالم الخارجى سلعاً وخدمات بقيمة أكثر من قيمة ما استوردته (إشترته) منه فيعتبر ميزانها التجاري إيجابي، ويظهر رصيداً فائضاً لصالحها، وإن استوردت من الخارج سلعاً وخدمات قيمتها أكبر من قيمة ما باعته له، فميزانها التجاري مع الخارج يظهر وضعاً سالباً، بما يعني أنها أشترت من العالم بقيمة أكبر من قيمة ما باعته له، ويعتبر ميزانها التجاري في هذه الحالة في حالة عجز، بالمناسبة وقبل أن أنسى تعتبر السياحة صناعة تصديرية، يستفيد من خدماتها ويستهلك منتجاتها الأجانب في مكان تقديمها وإنتاجها ، فكل ما ينفقه السائح الأجنبى بعملات أجنبية في البلاد التي يزورها تسجل في ميزان مدفوعاتها في جانب المقبوضات، وتعتبر السياحة مصدراً مهما للنقد الأجنبي لكثير من الدول، مثل تونس ومصر، وللسياحة، كنشاط اقتصادى، ميزات أخرى هامة إذ تقوم على هوامشها أنشطة كثيرة أخرى، ويستفيد من مواردها إستفادة مباشرة وغير مباشرة، عدد كبير من الناس.

في الجزء الثاني أو المرحلة الثانية من ميزان المدفوعات تسجل فيه كل المعاملات مع العالم الخارجي. المقومة بالنقد الأجنبي من مصادر غير عوائد الصادرات السلعية والخدمية للخارج، ويطلق على المبالغ التى تسجل به المعاملات الرأسمالية، القروض التى تحصل عليها الحكومة وأجهزتها المالية، وأفراد ومؤسسات القطاع الخاص من دول ومؤسسات مالية خارجية، والقروض التي تمنحها الحكومة وأجهزتها المالية وأفراد ومؤسسات القطاع الخاص لدول ومؤسسات في الخارج الاستثمارات المباشرة وغير المباشرة التى تمتلكها الدولة وأجهزتها والقطاع الخاص في الخارج، الاستثمارات المباشرة وغير المباشرة، التى تمتلكها في بلادنا الدول الأجنبية وأجهزتها وقطاعها الخاص، الهبات والمساعدات التى نحصل عليها من الخارج، والهبات والمساعدات التي نمنحها لجهات خارجية، يجمع طرفاً ميزان المدفوعات، جانب الأموال المستلمة على حدة، وجانب الأموال المدفوعة على حدة ويرصد بطرح الجانب ذي المجموع الأصغر من الجانب ذي المجموع الأكبر، الفرق الناتج يحدد مركز الدولة المالي تجاه الدول الأجنبية، إن كانت النتيجة موجبة (جانب الأموال المستلمة أكثر من جانب الأموال المدفوعة) فمعنى هذا أننا نتمتع بفائض في ميزان مدفوعاتنا، وأن العالم الخارجي مدين لنا، وأننا استلمنا خلال السنة عملات أجنبية أكثر مما دفعناه، وإن كانت النتيجة سالبة (جانب الأموال المستلمة أقل من جانب الأموال المدفوعة) فمعني هذا أننا نعاني عجزاً في ميزان مدفوعاتنا، وأننا دفعنا للخارج خلال السنة، عملات أجنبية أكثر مما استلمناه منه، ويتحتم علينا حينئذ دراسة الأمر والتعرف على أسبابه والتأكد من أنه ليس ناتجاً عن خلل هيكلى، و إتخاذ ما يلزم من إجراءات للسيطرة على الموقف والحيلولة دون أن يتحول العجز إلى حالة مزمنة. 

قد يبدوا للكثرين أن القضايا المتعلقة بميزان المدفوعات، ليس لها صلة مباشرة بالعمل المصرفي، هذا صحيح فقضايا العلاقات التجارية والمالية مع الخارج فرع آخر من فروع الإقتصاد ، ولكنني لاحظت أن عشرات الألوف من المفردات المكوّنة لمجاميع البنود المدرجة بجانبي ميزان المدفوعات تمر وتنساب من خلال الجهاز المصرفى، وتجعل من الإهتمام بقدراته وكفاءته وتطويره والاشراف عليه شأناً عامّاً حتّى وإن كان مملوكاً للقطاع الخاص هذا إلى جانب أنه من المهم التنبيه بأن كل معاملة مالية يجريها الجهاز المصرفي مع الخارج، كبيرة أو صغيرة، تنعكس سلباً أو إيجاباً على ميزان المدفوعات وعلى الوضع المالي للدولة تجاه العالم الخارجى فعلي سبيل المثال؛ لو أن تاجراً ليبياً إستورد من الصين شحنة من الأرز بموجب إعتماد مستندي، فإن ميزان المدفوعات الليبي؛ يخسر قيمة شحنة الأرز تلك لصالح ميزان المدفوعات الصينى، وإذا بعثت ليبيا مريضاً ليبياً للعلاج في الأردن، على سبيل المثال، فإن تكاليف علاجه، يخسرها ميزان المدفوعات الليبي لصالح ميزان مدفوعات المملكة الأردنيه الهاشمية، ومن الجانب الآخر؛ إذا باعت المؤسسة الوطنية للنفط شحنة من النفط لإيطاليا، فإن ميزان المدفوعات الإيطالي يخسر قيمة الشحنة لصالح ميزان المدفوعات الليبي وأرى أنه مهم جداّ أن يكون الموردون وموظفوا المصارف وكل من يطالب بالحصول على النقد الأجنبى والمواطنون جميعهم على بينة من هذه الأمور لأنها تساعدهم على فهم كثير من الإجرءات المتعلقة بالتعامل بالنقد الأجنبي، ولماذا تحتكر الدولة (أحيانا) إمتلاك العملات الأجنبية وتقيّد الحصول عليها، وتضع شروطاً وحدوداً للتعامل بها، فنحن في ليبيا مثلاً كل ما نحصل عليه من العملات الصعبه مصدره من مبيعات النفط والغاز، وهي موارد عامة، ملك لكل الليبين، والمفروض أن ينتفع بمواردها كل الليبيين أن ينتفعوا بها على هيئة مرافق عامة، يستفيد منها كل الناس، طرق وكباري وسدود وموانى ومطارات وجامعات ومدارس ومستشفيات، وعلى هيئة مشاريع اقتصادية توفر مواطن عمل للباحثين عنه، مصانع ومزارع ومناجم تنتج لهم سلعا وخدمات تغنيهم عن الاستيراد من الخارج، وتساهم في تنويع مصادر الدخل المتجدد. وقد توصلهم في يوم من الأيام إلى التصدير، ولأن أسعار بيع النفط والغاز لا نتحكم فيها نحن ترتفع وتنخفض وفقاً لإتجاهات أسواقها، ولأن النفط والغاز موارد ناضبة غير متجددة، كل برميل من النفط نبيعه لا يمكن تعويضه وهذا يعني أنه ينبغى علينا إنفاق جل موارده في إقامة مشاريع إنتاجية تحل محل إيراداته عند نضوبه عاجلاً أم آجلاً وما دمنا في هذا المجال فينبغى الإشارة إلى أن قانون المصارف الجديد، القانون رقم (1) اسنة 2005 بشأن المصارف أقر بأن ما يحصل عليه الأشخاص الطبيعية والاعتبارية من العملات الصعبة هو ملكها، لها أن تحتفظ به وتتصرف فيه كما تشاء وهذا يعني أن موارد الدولة من النقد الأجنبي إقتصرت على عائدات بيع النفط والغاز.