تسأل نورالدين حبارات عن ما هي الأسباب الحقيقية وراء توحيد سعر الصرف و لماذا عند 4.48 دينار للدولار

1٬899

كتب: نورالدين حبارات المهتم بشأن الإقتصادي مقالا بعنوان : ما هي الأسباب الحقيقية وراء توحيد سعر الصرف و لماذا عند 4.48 دينار للدولار .

( قراءة تحليلية من واقع بيانات رسمية)


أعلن المركزي أمس في بيان له عن توحيد سعر صرف الدينار مقابل الدولار عند 4.48 دينار للدولار لكافة الأغراض للمواطنين و الحكومة على حداً سواء .

هذا و قد لاقى البيان ردود فعل غاضبة و منددة من قبل الكثيرين حيث يروا إن هذاالإجراء سيؤدي إلى المزيد من الإضعاف لقدراتهم الشرائية الضعيفة أصلاً نتيجة للإرتفاع المتوقع لمعدلات التضخم سيما في السلع الاساسية كالمواد التموينية و الوقود و السلع و الخدمات الأخرى التي تقدمها الحكومة كالإتصالات و تذاكر السفر و الحديد و الإسمنت فضلاً عن ضعف مرتباتهم و معاشاتهم الأساسية و الضمانية و آلتي صدر بشأنها قرارات بالزيادة منذ سنوات و بقت حبر على ورق إلى يومنا هذا ، في حين أيده و دعمه بعض المواطنين إلى جانب السياسيين ( الحكومة و النواب و الدولة ) و كبار التجار حيث يروا إن هذا الإجراء حسب وصفهم سيؤدي إلى محاربة الفساد في تهريب الوقود و الآعتمادات الوهمية و يوفر السيولة و سيقضي على السوق الموازية .


و الحقيقة الحكم على هذا الإجراء و معرفة أسبابه الحقيقية لا يتم آلإ من خلال التحليل و البحث في المؤشرات الاقتصادية و المالية و التجربة و الواقع على الأرض و ليس من خلال الكلام العام الذي يفتقد إلى الدليل و البرهان .


فكما هو معروف المؤشرات الإقتصادية تدهورت بشكل كبير خاصةً مع إرتفاع الدين العام المصرفي الذي فاق حاجز 140 مليار دينار و تفاقم العجز في الميزانية حيث سيصل العجز في ميزانية الوفاق للعام الحالي حوالي 0/075 من الآنفاق العام و 0/0100 في ميزانية الحكومة المؤقتة التي تمول جلها من القروض و من طباعة العملة ، بالطبع إلى جانب ضخامة حجم المعروض النقدي خارج النظام المصرفي الذي يقدر إجماليه ب 50 مليار دينار و 71 مليار دينار داخله ( حسابات جارية ) ناهيك عن أزمة السيولة المزمنة و المعقدة و معدلات التضخم المرتفعة بسبب إرتفاع الدولار ألى جانب حجم البطالة المخيف التي تتجاوز أعدادها قرابة 700 ألف شخص منهم 300 ألف تم تعيينهم منذ سنوات دون مرتبات وفق لبيانات عن وزارة المالية و 350 الف باحت عن العمل وفق لإحصائيات صادرة مؤخراً عن وزارة العمل و دون إحتساب الإعداد المتعلقة بالحكومة المؤقتة في شرق البلاد ، و من جانب أخر التراجع الملحوظ و الكبير في إحتياطي النقد الأجنبي الذي سجل عجزاً تراكمياً قدره 50 مليار دولار على مدار السنوات التسع الماضية ، و لكن الأهم من ذلك الهبوط الكبير في إيرادات النفط الممول الرئيس بل و الوحيد للميزانية فإيراداته للعام 2021 م و في أفضل الأحوال قد لا تتجاور 17 مليار دولار أي ما يعادل 23 مليار دينار وفق للسعر الرسمي السابق 1.40 دينار في حال ما أستمرت ظروف الإقتصاد العالمي على ما هي عليه الْيَوم و هذا متوقع .


و عليه فإن الأسباب الحقيقية لهذا القرار يمكن لنا إيجازها في الأني –
1- هذا الإجراء وسيلة أو أداة مباشرة لتمويل ميزانية 2021 م التي على مسافة أسبوعين فقط من الْيَوم ، حيث هناك فجوة تمويلية كبيرة جداً و لم تعد هناك مصادر تمويل بديلة بعد إسنفاد الأموال المجنبة و تفاقم الدين العام المصرفي الذي بلغ مستويات خطرة تعادل 0/0300 من الناتج المحلي للبلاد و السؤال كم نسبة الدين العام للبنان من ناتجه المحلي ؟


فالمركزي ليس بإمكانه التمويل إلى ما لا نهاية فإحتياطياته محدودة مهما كان حجمها و الميزانية الموحدة في حدها الأدنى تقارب من 51 مليار دينار و إيرادات النفط في أفضل أحوالها وفق للسعر الرسمي السابق 1.40 قد لا تغطي حتى 0/045 من قيمة هذه الميزانية و السؤال هو من أين و كيف ستمول الحكومة العجز المقدر ب 28 مليار دينار ؟ و كم سيكون هذا العجز في حالة لم تقر ميزانية تقشفية ؟


2- هذا الإجراء وسيلة و أداة لإطفاء الدين العام المصرفي من خلال التغير الذي سيطراء على القيمة التعادلية للدينار الليبي من 1.40 دينار للدولار إلى 4.48 دينار للدولار و من المتوقع بل من المؤكد سينتج عنها أرباح دفترية أي زيادة في صافي أصول المركزي بعد إعادة تقييمها و في حالة إستيفاء الدين العام سيخصص باقي الرصيد لتمويل ميزانية العام القادم 2021 م و ذلك عملاً بأحكام المادة (27) من قانون رقم (1) بشأن المصارف لسمة 2005 م .


و لتوضيح هذه الحالة نفترض جدلاً إن صافي أصول المركزي بعد إعادة التقييم بلغت 20 مليار دولار أي ما يعادل 28 مليار دينار وفق للسعر الرسمي السابق 1.40 دينار للدولار ، فإنه وفق للسعر الجديد قيمة صافي هذه الأصول مقومة بالدينار تساوي 89 مليار دينار بمعنى المواطنين هم من سيدفع قيمة الدين العام المصرفي المتفاقم و الناتج عن الهدر في المال العام على مدى السنوات الماضية ، مع العلم إن هذا الدين لم يستخدم في إنشاء مشاريع تنموية تحسن من مستوى الخدمات المقدمة لهم و توفر لهم الوظائف و ليس هذا فقط بل المواطنين و على مدار العامين الماضيين دفعوا من دخولهم و من مدخراتهم أكثر من 52 مليار دينار في شكل ضريبة على مبيعات النقد الأجنبي حتى نهاية أكتوبر الماضي وفق لبيانات رسمية عن المركزي و لم يتحصلوا في مقابلها على أي شيء بل تدهورت أوضاعهم و الحكومة حتى اليوم ترفض و بقوة إستخدام هذه العائدات في إطفاء الدين العام و تقر إستخدامه في تمويل العجز بالمخالفة للقرارات المنظمة لفرض الضريبة ( الرسم ) و إستخداماتها و تعتبره مصدر لتمويل الميزانية .


3- يمكن القول إن هذا الإجراء له و للأسف بعد سياسي فالأجسام أو الطبقة السياسية المتخاصمة و المنقسمة منذ سبع سنوات كمجلس النواب بشقيه و الدولة و حكومتي الوفاق و المؤقتة لم يعترضوا عليه بل رحبوا به لإنه يضمن بقائهم و إستمرار الوضع على ما هو عليه .في حين يصروا على عرقلة المسار السياسي .


أما فيما يخص لماذا تحديد السعر الموحد عند 4،48 دينار للدولار ؟ فالمركزي يدرك جيداً إن سعر 4 دينار فما أقل لا يستطيع الدفاع عنه في ظل تأكل إحتياطياته و ضعف تدفق الإيرادات النفطية و ضخامة المعروض النقدي الذي يتجاوز إجماليه حاجز 120 مليار دينار، فتجربة سعر 3.90 دينار للدولار أثبتث عدم قدرته فهذا السعر ما كان ليصمد خلال العام 2019 م لو لم يتم ضخ 7 مليار دولار في شكل أرباب أسر على سعر 1.40 دينار للدولار .


عليه و بناءاً على ما تقدم نخلص إلى أحقية و منطقية مبررات و مخاوف المواطنين الرافضين لهذا الإجراء فهم دفعوا أكثر من 52 مليار دينار في شكل ضريبة على مبيعات النقد الأجنبي دون أي مقابل و عملياً هم من مولوا مباشرةً قرابة 0/085 من ميزانية العام الحالي ( الترتيبات المالية ) المقدرة ب 38.5 مليار دينار و الحكومة أخلت بكافة القرارات المتعلقة بزيادة مرتباتهم و علاواتهم و معاشاتهم الضمانية ، في حين أرى المبررات التي أبداها المؤيدين لهذا الإجراء لا تعدو عن الكلام المرسل فمكافحة تهريب الوقود و الإعتمادات الوهمية مسؤولية دستورية تقع على عاثق الحكومة و لا يمكن لها بأي حال من الأحوال التنصل منها و تعليق فشلها في ذلك على المواطنين لتستخدمها ذريعة لتمرير قرارتها ، كما إن المواطنين سئموا سماع هذه الحجج و المبرات المقززة على مدى سنوات دون أن يروا دليل ملموس على ذلك عدا الكلام الإعلامي ، فإذا كانت الحكومة غير قادرة على مكافحة هذه الجرائم فما هو مبرر وجودها؟


أما فيما يخص المبرر المتعلق بالقضاء على السوق الموازية فهذه السوق إزدهرت و أتسع نطاقها و القضاء عليها يحتاج إلى ضخ المليارات من الدولارات و هذا بالطبع غير ممكن و غير عملي أصلاً ، في حين أزمة السيولة لن تعالج و إن كانت حدتها ستخف و من المؤسف إلإستمرار في محاولة توفير عملة محلية من خلال إستنزاف الإحتياطي الأجنبي للبلاد بدلاً من تنميته و إستقطاب المزيد فإنهيار عملات لبنان و السودان و فنزويلا و غيرهما كان سبب مباشر لإنخفاض رصيد من النقد الأجنبي .