حبارات: تعامل الحكومات مع جائحة كورونا تكريس للفشل وتجسيد لهدر المال العام

196

كتب: نورالدين حبارات – متابع ومهتم بالشأن الاقتصادي والسياسي

مع إعلان منظمة الصحة العالمية في الحادي عشر من مارس الماضي بأن وباء كورونا هو وباء عالمي اتخدت حينها جميع دول العالم تقريباً إجراءات إحترازية للحد والوقاية من هذا الفيروس القاتل ثمثلت في حظر التجول والإغلاق شبه التام لكافة الأنشطة الاقتصادية بمختلف أنواعها ما أدى إلى إنزلاق الاقتصاد العالمي إلى دائرة الركود وتظرر قطاعات عدة أبرزها الطاقة والسياحة والصناعة والنقل، وفي المقابل أقرت معظم حكومات تلك الدول مساعدات وإعفاءات وتعويضات مالية وعينية لمواطنيها لتعويضهم عن إجراءات الإغلاق و تشجيعهم على إلإلتزام بضوابط الحجر الصحي عبر الإبقاء بمنازلهم.

وليبيا نظرياً أو رسمياً لم تكن اسثتناء من ذلك فمجلسها الرئاسي في غرب البلاد اتخذ من جانبه عدة إجراءات للمواجهة والحد من هذا الوباء الفتاك حيث أصدر القرار رقم 209 لسنة 2020، الذي أعلن بموجبه حالة الطوارئ كما أصدر قرارات بحظر التجول وإقفال العديد من الأنشطة لفترة عشرة أيام تمدد دورياً مع انقضاءها قبل أن يتخلى عنها مؤخراً بشكل شبه كامل بعد أن أصبحت عملياً غير دي جدوى في وقت تسارعت فيه حدة إنتشار الوباء وارتفاع حالات الإصابة والوفيات.

وعلى الجانب الأخر كتف الرئاسي البرامج التوعوية عبر وسائل إعلامه بهدف الوقاية من الفيروس، وخصص مبالغ مالية كبيرة لغرض توفير المتطلبات والإحتياجات والمساعدات العاجلة لمواجهة كورونا بلغت قيمة ما صرف فعلياً وفق لبيان المصرف المركزي الأخير 1.489 مليار دينار خصماً من الباب الخامس بالترتيبات المالية (باب الطوارئ) كان من أبرز تفاصيلها:

1- في الخامس عشر من مارس الماضي أعلن الرئاسي تخصيص مبلغ 500 مليون دينار كميزانية طوارئ لمواجهة الوباء دون الإفصاح عن ألية صرفها.

2- بموجب القرار رقم 242 لسنة 2020، تم تخصيص مبلغ 75 مليون دينار لكافة البلديات في أنحاء ليبيا لغرض صرفها على مستلزمات الوقاية الشخصية ومكافحة العدوى لأماكن العزل والحجر الصحي المؤقت وتوفير متطلبات العناصر الطبية والطبية المساعدة بمراكز الكشف وتوفير المعقمات ومواد الرش والتعقيم وذلك وفقاً لتوصيات المركز الوطني لمكافحة الأمراض.

3- تخصيص مبلغ 211.332110 مليون دينار لوزارة الصحة بموجب القرار 357 لسنة 2020، لغرض تغطية التوريدات الخارجية و المحلية الخاصة بتوفير المعدات و الأجهزة والمستلزمات الطبية لمواجهة الوباء.

4- تخصيص مبلغ 32 مليون دينار لجهاز الطب العسكري وذلك بموجب القرار رقم 359 لسنة 2020، لغرض الصرف منه على صيانة وتحوير وتجهيز مراكز العزل بالمناطق التالية (صبراتة، السواني، طريق المطار، الزهراء، درج، القربولي، بنت بية، القطرون، غدوة ، القطرون، أوباري، الغريقة، المغمورة، غات، تمسان) وتوفير المستلزمات لمراكز العزل.

5- تخصيص مبلغ 118 مليون دينار لوزارة الصحة بموجب القرار رقم 360 لسنة 2020، لغرض تغطية التوريدات الخارجية والمحلية من مستلزمات وأجهزة وأدوية لمواجهة الوباء.

مع ملاحظة إن الحكومة المؤقتة في شرق البلاد خصصت وصرفت من طرفها مبلغ 300 مليون دينار لمواجهة الوباء في مناطق نفوذها، كما أن جميع قرارات الرئاسي المذكورة أعلاءه ألزمت وزارة الصحة والبلديات وجهاز الطب العسكري بإحالة تقارير المصروفات الفعلية لوزارة المالية وذلك عملاً بإحكام المادة 25 من لائحة الميزانية و الحسابات.

وعلى الرغم من حجم تلك المبالغ فإن الرئاسي وحكومته لم يقوما بصرف تعويضات ومساعدات مالية للمواطنين خاصةً المنخرطين في القطاع الخاص رغم إن معظمهم يعولون آسر حيث فقد كثير منهم دخولهم بل منهم من فقد حتى وظائفهم بسبب إجراءات الحظر و الإغلاق ولم تتخد الحكومة وبالتنسيق مع البلديات أي إجراءات تجنب المواطنين الإزدحام و الإصطفاف في طوابير غاز الطهي و الوقود والسيولة والمياه الصالحة للشرب سيما وإن الإزدحام أسرع وسيلة لنقل العدوى رغم إلتزامهم خلال الأشهر الأول وإلى حداً ما بقواعد وضوابط الحجر الصحي، كما لم توفر الحكومة للمواطنين مجاناً مستلزمات الوقاية الشخصية من كمامات وقفزات ومواد تعقيم التي لطالما أوصى بها مراراً و تكراراً المركز الوطني لمكافحة الأمراض، فأسعار هذه المواد مرتفعة قياساً بظروف ودخول المواطنين في المتوسط وليس باستطاعتهم الاستمرار في شراءها بشكل يومي و لأشهر، ولم يرى المواطنين من تلك الميزانيات أو المبالغ أي شيء فيما عداء سيارات السانتفي الفارهة التي خصصت لعمداء البلديات الذين أقاموا الدنيا ولم يقعدوها في مارس الماضي ونددوا حينها بأداء وزارة الصحة تم أختفو فجاءة ولم نعد نسمع لهم صوت بعد أن أثنوا عليها عبر وسائل الإعلام، فالمستشفيات اليوم تفتقر إلى الحد الأدنى من المتطلبات ونظام الرعاية الصحية منهار وتحذيرات ومناشدات المركز الوطني المتكررة ذهبت أدراج الرياح فهذا المركز أيضاً في وضع لا يحسد عليه.

وما زاد الطين بلة الكيفية والإجراءات المتسرعة والمتهورة بشأن عودة العالقين من الخارج والتي يعتقد إن عودتهم قد أدت وللأسف إلى انتشار الإصابة بالفيروس، ورغم إن الرئاسي أصدر القرار رقم 378 لسنة 2020، في 22 من شهر مايو الماضي
بشأن تشكيل لجنة للتحقيق في أسباب وملابسات الموضوع وتحديد المسؤولين عن ذلك على أن تحيل اللجنة تقريرها بالنتائج في مدة أقصاها خمسة أيام من تاريخ صدور القرار، فإنه إلى يومنا هذا لم تظهر هذه النتائج رغم تفاقم تداعيات تلك الإجراءات.

عليه وبناءً على ما تقدم وفي ظل الظروف الدقيقة التي تمر بها البلاد وبالنظر لخطورة الموقف وذلك بعد أن استفحل الوباء وانتشر في كافة مدنها حيث فاقت الإصابات حاجز 4000 حالة وقاربت الوفيات من حاجز 100 حالة وهذا الرقم مرشح للمزيد والمزيد، وحيث أن الشعب الليبي اليوم لا يوجد ممثلين له يدافعون عنه وعلى حقوقه وذلك بعد أن تخلى عنهم من انتخبوهم في يوماً ما و تنصلوا عمداً من مسؤولياتهم الدستورية في شأن تكليف الحكومة ومحاسبتها وفي اقرار الميزانية ومراقبة أوجه صرفها فإن مسألة دفاعه عن نفسه أمر لا مناص منه فهو مصدر السلطات وعملاً وتكريساً لمبادئ الإفصاح والشفافية وتجسيداً للقيم الديمقراطية التي تفضي مشاركة كافة أبناء الشعب الذين من حقهم معرفة أين وكيف صرفت أموالهم التي دفعوها من مدخراتهم من خلال ضريبة مبيعات النقد الأجنبي، فالنفط متوقف وبيان المركزي الأخير واضح في هذا الشأن ومن حقهم أيضاً معرفة من أوصلهم إلى هذا الوضع الكارثي الذي نعيشه اليوم.

عليه فإن الأمر يتطلب ضرورة تحلي وزارتي الصحة والمالية والبلديات بمبادئ الإفصاح والشفافية ومصارحة الشعب وكشف أوجه الصرف والتصرف في تلك الأموال.

أولاً – على وزارة الصحة أن تنشر عبر صفحتها الرسمية ما يلي:

1- قيمة المبالغ المسيلة للمستشفيات كل مستشفى على حدا قرين بالمنطقة الواقع في نطاقها.
2- قيمة المكافأت الشهرية لعناصر المهن الطبية والطبية المساعدة مع بيان أعدادهم ومواقع تواجدهم.
3- قيمة و كمية المعدات والأجهزة الطبية التي تم توريدها مع توضيح المستشفيات و مراكز الكشف التي سلمت لها.
4- بيان بأوجه الصرف للمبالغ المسيلة لجهاز الطب العسكري مع تحديد مراكز العزل التي تم تحويرها أو صيانتها والمناطق الواقعة بنطاقها.
5- تحديد وبيان الأساس والسند القانون لإجراءات شراء السيارات الفارهة وما هو الباب أو البند الذي تم الخصم منه وهل كانت هناك مخصصات معتمدة أصلاً بالترتيبات المالية لشراء سيارات من هذا النوع في مثل هذه الظروف وكيف؟ و ما علاقة شراء السيارات بمواجهة كورونا؟
6- قيمة وتكلفة إقامة وعودة العالقين من الخارج مع بيان كل دولة على حدا

تانيا – يجب على وزارة المالية أن تظهر في بيانها الشهري قيمة وأوجه صرف تلك المبالغ وأن توضح ما إذا قد أحالت إليها الجهات المذكورةً تقاريرها بمصروفاتها الفعلية وتوضح أيضاً ما إذا أعدت وأحالت إليها تلك الجهات الحسابات الختامية حتى يتم الوقوف على أوجه الإنفاق الفعلي وكيف وأين صرف بالضبط.

ثالثاً- يجب على البلديات نشر كافة بيانات أوجه الصرف للمبالغ التي خصصت لها وتحديد أماكن العزل والحجر الصحي المؤقت التي صرفت عليها

رابعاً – يجب على الرئاسي مصارحة الشعب الليبي وكشف نتائج التحقيق في ملابسات عودة العالقين حتى يعرف من المسؤولين والمتسببين في معاناته إن ثبت ذلك.

وأخيراً، فإن التزام الجهات المذكورة بالإفصاح عن كل ما تم ذكره يعزز مصداقيتها و يكسبها ثقة المواطنين الذين ستتاح لهم فرصة إبداء أرائهم بكل حرية ومعرفة كيف وأين تصرف أموالهم، في حين عدم إلتزامها بذلك يفقدها تفتهم ويضع مصداقيتها على المحك وأمام أسئلة وإستفهامات عدة لا نهاية لها.