“حبارات”: لا يمكن نجاح إصلاحات اقتصادية في بلد متخلف .. وهذه الإصلاحات ترتكز فقط على استنزاف النقد الأجنبي

422

يرى الخبير والمهتم بالشأن اقتصادي “نورالدين حبارات” أن الدولة الليبية فشلت في تحقيق الإصلاحات الاقتصادية التي أقرتها ولم تنجح الدولة في القيام بها .. فما هو جدوى برنامج الإصلاح الاقتصادي وما هي الصعوبات التي تواجه تطبيقه؟ .. للإجابة عن هذه التساؤلات كان لنا هذا اللقاء مع السيد “حبارات”..

س/ مر قرابة عامان على إقرار إصلاح الاقتصادي ومن ضمن ما تحقق انخفاض في سعر الدولار و خلق استقرار في الأسعار كيف تقيمون هذه التجربة حتى إلى ما قبل إغلاق النفط؟

ج/ تقييمي لهذا التجربة من وجهة نظر المواطن البسيط قد يراها جيدة باعتبار هذا المواطن ينظر إلى مصلحته الشخصية و في كيفية تسيير أموره وهذا بالطبع من حقه فسعر الدولار قبل إقرار البرنامج كان في الغالب ما بين 6،25 إلى 6.50 دينار للدولار ولكن بعد إقرار هذه البرنامج و نتيجة لضخ الدولار وبكميات كبيرة في شكل حوالات أغراض شخصية وأرباب أسر واعتمادات مستندية على سعر 3،90 دينار للدولار أستقر في الغالب سعره في السوق الموازي بين 4.30 و 4.15 دينار للدولار وهذا بالتأكيد كانت له انعكاسات إيجابية على الأسعار وعلى أزمة السيولة.

ولكن هذا كان مؤقت لإنه مرتبط باستمرار تصدير النفط وبضخ الدولار، أما اقتصادياً واستراتيجياً فإن التجربة كانت فاشلة بإمتياز ونتائج ذلك نراها ونعيشها اليوم فمن المؤسف إن البرنامج أعتمد فقط على الإيرادات النفطية وهي المصدر الوحيد للنقد الأجنبي وهذه الإيرادات أسعارها تتعرض لتقلبات عدة في أي وقت لأسباب مختلفة وليس بسبب توقف التصدير فحسب ولم تأخذ الحكومة هذه الاحتمالات في الاعتبار ولم يكن لها خطط بديلة.

س/ هناك من يعارض الإصلاحات الاقتصادية ويقول إنها مجرد مسكنات مؤقتة فهل تؤيد ذلك؟

ج / صحيح وأنا واحد منهم فهذه الإصلاحات فعلاً مسكنات ولم تكن إصلاحات اقتصادية حقيقية حيث لم تكن رزنامة من التدابير على مسارات السياسة المالية والنقدية والتجارية، بل كانت ترتكز فقط على بيع الدولار بموجب الضريبة أي استنزافه بهدف محاولة التخفيف من حدة الأسعار ومن أزمة السيولة في حين أهملت الحكومة التدابير الأخرى ما أدى إلى ظهور مؤشرات سلبية فالإنفاق العام تزايد من 42.5 مليار دينار في 2018 إلى 45.800 مليار دينار خلال 2019 م في حين كانت تخطط الحكومة للإنفاق 55 مليار في العام الحالي 2020 م كما إن المعروض النقدي لم يتقلص في نهاية 2019 م حيث أستقر عند 109مليار دينار تقريباً في نهاية 2019 م منها قرابة 34 مليار دينار خارج النظام المصرفي.

كما إن ميزان المدفوعات سجل عجزاً قدره 2 مليار دولار تقريباً في نهاية 2019 م ما يعني استخدام جزءاً من الاحتياطي الأجنبي وذلك بعد أن سجل فائض في نهاية 2018 م يقارب من 5.400 مليار دولار و اليوم صراحةً يدفع الشعب ثمن السياسات العشوائية والمتهورة للحكومة جراء هذا الإصلاح نتيجة توسعها في الإنفاق العام وفي افراطها في استخدام النقد الأجنبي خلال العام الماضي ولم تتخد أي إجراءات للحد من المعروض النقدي وتقليص الدين العام وذلك بعد أن استخدمت عوائد ضريبة مبيعات النقد الأجنبي في تمويل العجز في ميزانيتي 2018 و2019 م واليوم الاقتصاد بحاجة ماسة لعشرة مليار دولار على الأقل لإنعاشه وتخفيف معاناة المواطنين.

س/ هل أفشل إيقاف النفط الإصلاحات الاقتصادية ؟ وإذا لم يتوقف النفط ماذا تتوقع أن تكون نتائجها ؟

ج/ الحقيقة إن إيقاف النفط سرع في فشل الإصلاحات الاقتصادية لإن الفشل كان أمر حتمي ومسألة وقت فقط لإن لا يمكن لنا أن نتخيل نجاح إصلاحات اقتصادية في بلد متخلف وهذه الإصلاحات ترتكز فقط على استنزاف النقد الأجنبي بدلاً من العمل على استقطاب المزيد منه ولعل الأزمات الاقتصادية التي تعيشها لبنان والعراق والسودان وسوريا ومصر وغيرهم جراء انخفاض عملتهم المحلية كان نتيجة مباشرة لانخفاض احتياطياتها من النقد الأجنبي بسبب ضعف العائدات الدولارية.

أما في حال عدم توقف إنتاج النفط فإن الفشل واقع ولو بعد حين فأسعار النفط تراجعت بشكل كبير نتيجة إنزلاق الاقتصاد العالمي في دائرة الركود بسبب انتشار كورونا كما إن أسعار النفط ممكن أن تنخفض في حال ما يتم رفع العقوبات الأمريكية على إيران وفنزويلا ففي السياسة كل شيء وارد فهي تحكمها المصالح ولا تحكمها المبادئ والقيم، أو حتى في حال عدول منظمة الأوبك عن سياسة خفض الإنتاج لدعم الأسعار فكل دولة تبحت عن مصالحها وهذا من حقها أو حتى بسبب تؤثر العلاقات النجارية بين الولايات المتحدة والصين قطبي الاقتصاد العالمي أو لأي سبب أخر فهذا البرنامج كما أسلفت إستمراره كان مرهون بإيرادات النفط وازدهار أسعاره.

س/ أخيراً هل ترى إن الإصلاحات الاقتصادية كانت فعلاً خطوة للوراء للاقتصاد الليبي أو العكس وما هي الحلول من وجهة نظرك؟

ج/ من المؤسف إن البرنامج فشل بإمتياز وكان خطوة للوراء والدليل لم يحقق أهدافه التي آقر من أجلها فالقدرة الشرائية لدخول ومرتبات المواطنين تأكلت بفعل الضريبة على مبيعات النقد والأجنبي والمطالب بزيادتها اليوم أي المرتبات مبررة ومشروعة كما إن مدخراتهم استنفذت وقيمة الدينار انخفضت كثيراً أمام الدولار ولولا كورونا لتجاوز الدولار حاجز 8 أو 9 دينار للدولار ومعدلات التضخم في طريقها إلى مستويات 2016 والخدمات الأساسية تدهورت أما العجز في الميزانية قد يناهز 80% من الإنفاق العام و العجز في ميزان المدفوعات قد يناهز 9 مليار دولار مع نهاية العام و السوق الموازي إزدهرت والسعر التوازني عند 2.75 دينار للدولار أصبح ضرباً من الخيال وأزمةً السيولة تفاقمت من جديد والحل في نظري يتطلب إجراء إصلاحات اقتصادية حقيقية جذرية هيكلية لإن الأزمة اليوم لم تعد ظرفية بل هيكلية بإمتياز ولا يمكن الخوض في معالجتها إلا في ظل اعتماد حل سياسي شامل ينهئ الإنقسام السياسي والمؤسسي و يرسئ لاستقرار في كافة ربوع البلاد وأي حلول أو مقترحات في ظل هذه الظروف ما هو إلا مزيداً من الأهدار للأموال والوقت وتفاقم لمعاناة المواطنين لإن لا يمكن لنا إعادة نفس التجربة وبنفس الخطوات وفي ظل نفس الظروف و نتوقع نتائج مغايرة.