في لقاء خاص.. “أ.د.عمر زرموح”: أقترح على المركزي أن يُعيد النظر في سياسته غير الرشيدة.. وأدعو النيابة العامة إلى التصدي للعابثين بثروة الشعب الليبي

944

تحدث أستاذ الاقتصاد بالأكاديمية الليبية “أ.د.عمر زرموح” في لقاء له مع صحيفة صدى الاقتصادية، حول أسباب ارتفاع الدولار ومستقبل الدينار الليبي وما يتعلق بأزمة السيولة في البلاد.

وعن رأيه في أسباب ارتفاع الدولار، قال “زرموح”:

لقد أصبح من المعروف ربما لكل المتابعين أن ارتفاع أسعار صرف الدولار في السوق الموازية خلال الأشهر الستة الأخيرة أصبح مرتبطاً بإجراءات مصرف ليبيا المركزي وسياسته، فكل شخص يعرف أن مصرف ليبيا المركزي قد بدأ منذ حوالي شهر سبتمبر من العام الماضي 2023 بسلسلة من المماطلات في إجراءات التحويلات للأغراض الشخصية وإجراءات فتح الاعتمادات المستندية لغرض الاستيراد، كما قام في إطار هذه المماطلات بإصدار تعليماته للمصارف التجارية بتشكيل لجان لفحص طلبات فتح الاعتمادات المستندية وكأن الإدارات المختصة بهذه المصارف ليس من شأنها هذا العمل، الأمر الذي أدى إلى عدم تلبية المعروض من النقد الأجنبي للطلب عليه مما نجم عنه فائض في الطلبدفع بأسعار صرف النقد الأجنبي إلى أعلى ومن ثم ازدياد الفارق بين سعر الصرف الرسمي وسعر الصرف الموازي.

وتابع: بعد سلسلة المماطلات المشار إليها آنفاً قام المصرف المركزي في حوالي منتصف شهر ديسمبر الماضي بوقف التحويلات كلها (الأغراض الشخصية، والاعتمادات المستندية) وهذا طبعاً زاد النار لهيباً، فازداد سعر صرف الدولار (وكذلك أسعار صرف العملات الأجنبية الأخرى) إرتفاعاً في السوق الموازية، ولقد استمر الإغلاق فترة الشهر ونصف الشهر شهد خلالها سعر صرف الدولار مزيداً من الارتفاع حتى وصل في 30/01/2024 نحو 6.45 د.ل، للدولار مما يمكن معه القول إن هذا الإغلاق هو بالتأكيد السبب الرئيس في هذا الارتفاع في سعر صرف النقد الأجنبي. 

ثم قال: وفي الأول من شهر فبراير 2024 صدر منشور مصرف ليبيا المركزي رقم (2) لعام 2024 الذي تقررت بموجبه جملة من “الضوابط” لاستئناف التحويلات للأغراض الشخصية وفتح الاعتمادات المستندية. ولقد تفاءلت خيراً بهذه الضوابط على أساس أن المركزي لديه النية لحل الأزمة (أزمة ارتفاع أسعار صرف النقد الأجنبي) رغم أن هذه الضوابط لازالت تشكل قيوداً غير اعتيادية على تحويلات النقد الأجنبي، ولكن الأمل المنشود كان هو التخفيف من حدة الارتفاع في سعر صرف الدولار بل وإمكانية النزول به إلى نحو 5.50 د.ل، وليس إلى 5.00 د.ل، لأن الضوابط لابد أن تفعل فعلها كقيود غير اعتيادية في خلق هامش ملحوظ (نحو 14% مثلاً) بين سعر الصرف الموازي وسعر الصرف الرسمي حيث كان هذا الأخير 4.84 د.ل، في تاريخ إصدار المنشور رقم (2).

واستطرد خلال حديثه قائلاً: عندما أتينا للتطبيق اتضح أن مصرف المركزي لم يلتزم بالضوابط التي وضعها في منشوره رقم (2) بل أضاف عليها قيوداً جديدة منها أنه أصدر تعليماته بضرورة الإفصاح عن مصدر التمويل لفاتح الاعتماد المستندي للتأكد ـ حسب زعمه ـ من عدم غسيل الأموال، كما وضع حصة (كوتا) من النقد الأجنبي لكل شهر. وهذان القيدان الجديدان بالإضافة إلى مشكلة الارتباك المستمر في منظومة الأغراض الشخصية التي لم تكن مستقرة ومتاحة للأفراد بشكل مقبول، والحاجة الملحة للنقد الأجنبي التي تزايدت باقتراب شهر رمضان، كل ذلك جعل سعر صرف الدولار يأخذ الاتجاه الصعودي بدلاً من الاتجاه الهبوطي ذلك أن المتعاملين في السوق الموازي لديهم الحساسية العالية لمثل هذا الخلل في إدارة النقد الأجنبي الذي يضاف إلى الضوابط الواردة بالمنشور رقم (2) لتشكل جملة من القيود المختلفة (ضوابط المنشور + الشروط الجديدة + الظروف الحالية الملحة).

وختم حديثه عن أسباب ارتفاع الدولار بقوله: لقد كان على المصرف المركزي أن يكون أكثر حكمة في علاجه لأزمة تفاقم السوق الموازية فما كان ينبغي أن يغلق منظومة النقد الأجنبي في ديسمبر الماضي وما كان له أن يخلق الذرائع لإبطاء الإجراءات المصرفية المتعلقة بالتحويلات، ولا أن يضيف قيوداً جديدة على القيود المتمثلة في ضوابط المنشور رقم (2) ولا أن يسمح بهذا الارتباط في منظومة الأغراض الشخصية. إن تبرير المصرف المركزي لمثل هذه التعقيدات بحجة الحفاظ على الاحتياطي لم تعد مقبولة عندما يتعارض ذلك مع وظيفة المصرف المركزي المنصوص عليها في المادة رقم (5) من قانون المصارف رقم (1) لسنة 2005 التي توجب عليه العمل على استقرار النقد واستقرار المستوى العام للأسعار وإدارة السيولة بل واتخاذ الإجراءات اللازمة لعلاج الاضطرابات النقدية في حالة حدوثها. غير أنه من المؤسف إن تقرير المصرف المركزي الأخير قد أظهر عجزاً في إيرادات واستخدامات النقد الأجنبي لعام 2023 قدره 10 مليار دولار تقريباً، لكنه في ذات البيان أدرج نحو 9 مليار تحت مسمى ((التزامات على جهات عامة)) وهذه الالتزامات لم تدفع بعد وبالتالي لا تعد من العجز في حسابات ميزان المدفوعات لأن هذه الحسابات تقيد فيها المدفوعات والمقبوضات الفعلية فقط وليست المحتملة، مما يعني أن العجز هو في الواقع مليار واحد فقط من الدولارات وأن الأمر ليس بالسوء الذي يصوره المركزي للأسف. 

أما فيما يتعلق بمستقبل الدينار الليبي، فقد أبدى برأيه قائلاً: 

أقترح على مصرف ليبيا المركزي أن يعيد النظر في سياسته الاقتصادية الحالية (وتحديداً السياسة النقدية وسياسة سعر الصرف) التي أعتبرها سياسة اقتصادية غير رشيدة بسبب ما نجم عنها من حالة عدم الاستقرار النقدي ونضوب السيولة لدى المصارف التجارية وبعبارة أخرى، أقترح عليه العودة إلى المادة رقم (5) من قانون المصارف رقم (1) لسنة 2005 والعمل على الالتزام بها وحث الحكومة بأسلوب الإقناع والاقتناع وليس بالتعنت على جعل سياستها المالية منسجمة مع هدف الاستقرار النقدي وإلزام الحكومة للمؤسسة الوطنية للنفط بإحالة إيرادات النفط لحساب الخزانة العامة بمصرف ليبيا المركزي فور استلام المؤسسة لها دون تأخير وعدم السماح للمؤسسة بتوريد المحروقات خارج الميزانية العامة للدولة.

كما قال: رغم أهمية الاحتياطي من النقد الأجنبي إلا أن أسلوب المصرف المركزي في الحفاظ عليه لم تعد مقبولة ذلك أن الهدف ليس هو تراكم الاحتياطي باستمرار أو عدم السماح بانخفاضه على الاطلاق، إن الاحتياطي يجب أن يستخدمه المصرف المركزي كوسيلة لخلق الاستقرار في مواجهة أي اضطرابات محلية أو خارجية، وعلى سبيل المثال ففي حالة ارتفاع مستوى إيرادات النفط فإن الفائض يجب أن يضاف للاحتياطي وفي حالة انخفاض إيرادات النفط فإن العجز يجب أن يغطى من الاحتياطي وليس بإغلاق منظومة النقد الأجنبي التي يؤدي إغلاقها إلى خلق الذعر لدى التجار ورجال الأعمال ويرفع أسعار الصرف الأجنبي في السوق الموازية ويصعد التضخم ويخفض من قيمة الدخول والمدخرات الحقيقية للأفراد والمؤسسات .

ولذلك يمكن القول أن مستقبل الدينار الليبي قد يأخذ أحد المسارين الآتيين:

( أ ) مسار الاستقرار: وذلك إذا أعاد المصرف المركزي النظر في سياسته مبتعداً عن سياسة ردود الأفعال، مع العمل على تقديم النصح للحكومة لانتهاج سياسة مالية رشيدة، والتزام المؤسسة الوطنية للنفط بعدم توريد المحروقات بالمبادلة وعدم حجز إيرادات النفط، وذلك على النحو المنوه عنه آنفاً، إضافة إلى تطوير الإنتاج طبقاً للخطة التي أعلنتها المؤسسة باستهداف الوصول إلى إنتاج مليوني برميل في اليوم، وغني عن البيان إن هذا السيناريو يجب أن يعمل في بيئة من السلام البعيدة عن شبح الحرب وعن إغلاقات النفط.

(ب) مسار الانهيار: إذا استمر المصرف المركزي في سياسته غير الرشيدة التي اتبعها خلال الأشهر الستة الماضية ولازال يتبعها والمتمثلة في سياسة ردود الأفعال تجاه الأحداث الاقتصادية دون رؤية مستقبلية ودون انسجام وتنسيق بين السياسات النقدية والمالية التجارية وخاصة سياسة سعر الصرف، ودون توجيه المؤسسة الوطنية للنفط بضرورة الالتزام بقانون النظام المالي للدولة من حيث عدم حجز الإيرادات وعدم مبادلة المحروقات ودون منع من يقومون بالعبث بثروة الشعب بإغلاق الحقول أو الموانئ النفطية، وتجب الإشارة هنا إلى أنه لا يوجد سقف لارتفاع سعر صرف الدولار فهو إن كان الآن قد وصل إلى أكثر من سبعة دنانير فإن الأكثر من هذا المستوى يظل احتمالاً مفتوحاً إذا طبق هذا السيناريو بقصد أو دون قصد.

كذلك خلال الحديث أوضح “زرموح” عدداً من الأمور حول نقص السيولة، حيث قال: 

تُصاحب هذه المشاكل السابق ذكرها مُشكلة نقص السيولة، وهي مشكلة ناجمة عن عدم الثقة في المصارف التجارية نتيجة لفشلها في القيام بوظائفها كلياً أو جزئياً. 

ومن أهم تلك الوظائف التي تمس حاجة المتعاملين ما يأتي: 

(1) تلبية طلبات السحب النقدي. 

(2) فتح الاعتمادات. 

(3) إجراء الحوالات المحلية والخارجية.

إن المتعاملين من التجار ورجال الأعمال إذا فقدوا الثقة في مصارفهم فإنهم يتخلون عنها ويسحبون أموالهم بشكل أو بآخر منها ويتعاملون عوضاً عنها مع السوق الموازية لتلبية احتياجاتهم في استيراد السلع الأمر الذي يفاقم من أزمة هذه المصارف في توفير السيولة، ولقد عاني الكثيرون من الناس من أزمة نقص السيولة حيث نراهم يقفون في طوابير طويلة للحصول على جزء يسير من أرصدتهم المحتفظين بها في هذه المصارف، ولا شك في أن هذا الفشل يقود إلى مزيد من عدم الثقة ومن ثم إلى مزيد من الفشل والعجز عن القيام بهذه الوظائف، لذلك يجب على المصرف المركزي أن يساعد المصارف التجارية، بصفته المقرض الأخير وبصفته من يحتكر النقد الأجنبي، أن يساعدها على كسب الثقة والحفاظ عليها بدلاً من سلب قدرتها على ممارسة وظائفها المشار إليهاً آنفاً. 

وعن ما يُجرى في القطاع النفطي علق قائلاً:

إن إغلاقات النفط من قبل بعض الأفراد (أياً كان من يقف خلفهم) هو عبث يجب أن يواجه بحزم، ولذلك أدعو النيابة العامة إلى التصدي للعابثين بثروة الشعب من خلال تطبيق القانون رقم (2) لسنة 1979 بشأن الجرائم الاقتصادية وأجزم إن طبق ذلك لن يحصل أي عبث من هذا النوع مستقبلاً.  

كما أن احتجاز المؤسسة الوطنية للنفط للإيرادات النفطية لديها، بين الحين والآخر، وعدم إحالتها للخزانة العامة في حسابها لدى المصرف المركزي، وقيام المؤسسة باستيراد المحروقات بالمبادلة بإيرادات النفط، هما من التصرفات الخارجة عن القانون ولا يجوز للحكومة أن تسمح للمؤسسة بمثل هذه التصرفات وعليه أدعو النيابة العامة والجهات الرقابية للتصدي لمثل هذا العبث لما يخلقه من خلل وتشوه وفقدان للوضوح والشفافية في الموازنة العامة للدولة ومن ثم عدم القدرة على متابعة الموازنة وتقييم أدائها.