“حبارات” يكتب: أسباب ومبررات الخلاف بين الرئاسي والمركزي بشأن ضريبة النقد الأجنبي والحلول المقترحة

701

كتب: الخبير والمهتم بالشأن الاقتصادي “نورالدين حبارات” “قراءة تحليلية اقتصادية قانونية موجزة”

تزايدت مؤخراً هوة الخلاف بين الرئاسي والمركزي بشأن ضريبة النقد الأجنبي خاصة بعد توقف تصدير النفط وإقرار الترتيبات المالية للعام الحالي 2020، حيث يرى الرئاسي ضرورة الإبقاء على السعر الحالي عند 3،65 دينار للدولار باعتبار زيادته ستؤدي إلى مزيد من الارتفاع في أسعار السلع الأساسية كالغذاء والدواء والمواد الخام في وقت يعاني فيه السوق من نقص شديد في السلع الأساسية نتيجة للطلب المتزايد والملحوظ عقب المخاوف من تفشي وباء كورونا وتزامنا مع قرب حلول شهر رمضان فضلاً عن التأخر في فتح الاعتمادات المستندية بعد أن أوقف المركزي منظومة بيع النقد الأجنبي بسبب الخلاف القائم على سعر الضريبة وهذا الرأي اقتصاديا له ما يبرره، في حين يرى المركزي من جانبه إنه معني باستدامة التمويل في ظل الظروف الحالية بسبب إنعدام الإيرادات النفطية بشكل شبه كامل وبالتالي فهو مضطر لإستخدام احتياطاته لتمويل الترتيبات المالية فالحكومة لا احتياطات مالية لديها و دينها العام المصرفي تجاوز 100 مليار دينار ومن تمة رفع سعر الضريبة سيعزز عائداتها ويسرع في تقليص الدين العام وتخفيف العبء على الاحتياطي في حال ما تم توجيه هذه العائدات إلى إطفاء الدين العام، و بين هذا الرأي وذاك يبقى المواطن هو المتضرر الأول والأخير.

ونظراً لإهمية الموضوع سيما وإنه يتعلق بعامة المواطنين وبكافة احتياجاتهم الأساسية فإننا رأينا ضرورة الوقوف عنده وتناوله من زاوية إقتصادية وقانونية بحثة وبطريقة مهنية وحيادية وموضوعية بهدف توضيح حقيقة ما يجري وقتراح الحلول الممكنة لهذا الخلاف، وقبل الخوض في جوهر الخلاف يجب التوضيح و التذكير بالنقاط الأساسية التالية:

أاولاً : النفط مصدر البلاد الوحيد في تمويل ميزانيتها وفي توفير كافة احتياجاتها وهذا المصدر لم يعد كذلكً، حيث بلغت خسائره منذ الإقفال في الثامن عشر من يناير الماضي حتى نهاية مارس المنصرم قرابة 4 مليار دولار وإنتاجه هوى إلى 79،655 ألف برميل يومياً وفق بيانات رسمية عن المؤسسة.

ثانياً : تفاقم الدين العام وتراكمه مؤشر سلبي خطير يهدد الأجيال الحالية والمستقبلية ويقف عائق أمام التنمية وإعادة الإعمار حيث يشكل الدين العام المصرفي فقط قرابة 0/0210 من الناتج المحلي ومسألة إطفائه أو تقليصه والحد منه أصبحت اليوم ضرورة ملحة أكثر من أي وقت مضى.

ثالثاً : لا تملك الحكومة اليوم احتياطيات مالية لإستخدامها في تمويل الترتيبات المالية بعد أن أستنفذتها في تمويل عجز ميزانيتي 2013 م و 2014 م و حتى خيار لوجؤها إلى الإقتراض عبر الخارج من خلال المؤسسات المالية والأسواق الدولية أمر غير ممكن ومكلف جدا في ظل الإنقسام السياسي وضعف مركزها المالي.

رابعاً : الاحتياطي الأجنبي خط الدفاع الأخير وهو الوسيلة المتبقية في مواجهة الأزمات والصدمات التي تعصف بالاقتصاد اليوم كما إنه الوسيلة الوحيدة لدعم الدينار وسداد الإلتزامات الخارجية وأداة يقاس من خلاله الجدارة الائتمانية للدولة في مدى قدرتها على سداد إلتزاماتها، و هذا الاحتياطي اليوم في نزيف مستمر بعد أن فقد مصدر تمويله الوحيد النفط ولا يمكن السماح لهذا النزيف الإقتراب من الحدود الأمنية بأي شكل من الأشكال وتحت أي ظرف كان.

ولفهم أسباب ومبرارات الخلاف فإن الأمر يتطلب الخوض في تفاصيل مصادر تمويل الترتيبات المالية للعام الحالي والبالغة 38،5 مليار د.ل و التي سيمول المركزي قرابة 0/70 منها و بما قيمته 26.70640 مليار د.ل، و رغم الغموض الذي يكتنف وثيقة الترتيبات (مرفق صورة ) فضلا عن إفتقارها لأهم قواعد الميزانية العامة التي تعرف بقاعدة الشمولية أو وحدة الميزانية حيث تستوجب هذه القاعدة إدراج كافة الإيرادات و النفقات العامة في وثيقة واحدة و لم يتسنى لنا معرفة ما إذا كانت هناك توضيحات مرفقة بها، و نقصد هنا ببند إيرادات ضريبة النقد الاجنبي الذي ظهر بمبلغ 2،100 مليار د.ل وهذا الرقم ضئيل جداً قياسا بالقيمة المتوقع تحصيلها خاصة وإن القيمة الفعلية لهذ البند خلال شهري يناير و فبراير الماضيين فقط.

بلغت 6،100 مليار د.ل فما السبب وراء ذلك ؟

فالسبب هنا وأضح وهو الدين العام المصرفي الذي سيناهز من 130 مليار د.ل تقريبا في حال ما مول المركزي العجز بالترتيبات المالية للعام الحالي والمقدر ب 26،700 مليار د.ل فهذا الدين يتحمل مسؤوليته بالدرجة الأولى المركزي وليس الحكومة لإن قانونه وكما أشرنا في مقال سابق يحظر تراكم وتفاقم الدين العام، فهذا القانون معني بتنفيذه المركزي ومخالفة نصوص أحكامه هو من يتحمل مسؤوليتها.

ويبدو إن المركزي بدأ يدرك خطورة هذا الدين المرشح لمزيد من التفاقم في ظل إنهيار الإيرادات النفطية وذلك بعد أن تقاعست الحكومة عن سداده من خلال ضريبة النقد الأجنبي وفق الآلية التي تضمنها محضر الإصلاحات الاقتصادية المؤرخ في 12/9/2018 حيث ينص هذا البند صراحة على (يخصص نسبة من من الرسم المفروض على مبيعات النقد الأجنبي لإطفاء الدين العام لدى مصرف ليبيا المركزي وصيانة المرافق ودعم الخدمات العامة كالتعليم والصحة والمواصلات وفق قرارات تصدر عن المجلس الرئاسي تحدد أوجه الصرف في الرسم المفروض).

ولكن كما يقال الظروف اليوم ليست بظروف الأمس فالحكومة اليوم لم يعد لها مجال للمناورة بعد أن خسرت الإيرادات النفطية التي لم تتجاوز قيمتها المقدرة في الترتيبات المالية الحالية وبما فيها الإيرادات السيادية 9،693 مليار د.ل وما عليها إلا التعاطي مع مطالب المركزي بشأن إطفاء الدين العام مقابل تمويل العجز لهذا العام من خلال الإلتزام بتنفيذ ما تضمنه محضر الإصلاحات الإقتصادية المذكور سلفا وهذا هو سر الغموض الذي أكتنف بند إيرادات ضريبة النقد الأجنبي الظاهرة بقيمة 2،100 مليار د.ل حيث تم تخصيص جزء من إيرادات الضريبة الفعلية عن شهري يناير و فبراير البالغة 6،100 مليار د.ل مبلغ 2،100 مليار د.ل لبند البرامج المشروعات التنموية في حين تم تخصيص الجزء المتبقي و البالغ 4،000 مليار د.ل لإطفاء الدين العام ما يعني تنفيذ لمحضر الإصلاحات الإقتصادية بحذافيره وعلى هذا الأساس ستؤول مستقبلا كافة إيرادات الضريبة لهذا الغرض أي إطفاء الدين مع الإشارة إن المركزي يستهدف أيضا من رفع السعر تقليل الطلب على الدولار بهدف الحد من إستنزاف النقدالأجنبي والتخفيف من أزمة السيولة التي يتوقع تفاقمها.

ولكن السؤال المهم هو كم حجم النقد الأجنبي الذي يعتزم المركزي إستخدامه للأغراض التجارية (الإعتمادات المستندية ) والشخصية ؟ لإن بالتأكيد هذا الحجم سيكون مغاير تماما لسنتي 2018 م و 2019 م فالمركزي سيضطر هذا العام لفرض عدة قيود تتعلق بإقتصار الإستيراد على السلع الأساسية فقط كالغذاء والدواء والمواد الخام والعلاج بالخارج والوقود مع ملاحظة إن فاتورة الوقود ستشهد إنخفاض كبير نتيجة إنهيار إيرادات النفط في الأسواق العالمية كما إن القيود ستطال منظومة العشر ألاف وأرباب الأسر، والحكومة من جانبها ستتخد إجراءات بشأن تقليص عدد السفارات وعدد العاملين بها رغم إن هذه الإجراءات لا حديث عنها.

وإذا كانت قيمة النقد الأجنبي للأغراض التجارية والشخصية المشمولة بالضريبة بلغت خلال عامي 2018 م و2019 م 9،135 مليار دولار و 10،188 مليار دولار على التوالي، فإن في هذا العام بالتأكيد ستنخفض في ظل الهبوط الكبير في إيرادات النفط، وإذا ما أفترضنا إن حجم الانخفاض في قيمة النقد الأجنبي المخصص للأغراض المذكورة لهذا العام يقدر بـ0/040 عن حجمه في تلك العامين فإن القيمة المخصصة تقدر ب 6،000 مليار دولار وبالتالي فإن عوائد الضريبة وفق للسعر الحالي 3،65 دينار للدولار والذي يرغبه الرئاسي ستكون 13،500 مليار د.ل وبما نسبته 0:050 من قيمة العجز في الترتيبات المالية، في حين تبلغ عوائد الضريبة وفق للسعر المسرب إعلاميا والذي تم الإتفاق بشأنه مبدئيا بين أطراف الخلاف عند 4،53 دينار للدولار وبنسبة 0/0213 ستبلغ ما قيمته 18،780مليار د.ل تقريبا أي ما نسبته 0:070 من قيمة العجز، مع ملاحظة إن هذا السعر سيزيد الأعباء على المواطنين لكن من ناحية أخرى سيخفف عليهم أعباء الدين العام مستقبلا وسيسهم في مساعدة المركزي في قدرته على إستدامة التمويل.

عليه و بناء على ما تقدم وبما إن آراء الطرفين و كما أشرنا لها ما يبررها فهذا يعني إن هناك أكثر من مقترح للحل..
1- المقترح الأول وهو الإبقاء على السعر الحالي وهذا السعر أقل عبء على المواطنين
2-المقترح التاني إعتماد السعر المبدئي وهو 4،53 دينار للدولار وهذا المقترح اقتصاديا جيد لإنه سيخفف مستقبلا على المواطنين أعباء الدين العام و يدعم قدرة المركزي على إستدامة التمويل بإعتباره الملجأ الأخير
3- المقترح الثالت وهو تأجيل الإجراء إلى ما بعد شهر رمضان أي في يونيو القادم.

وفي الختام فإن الرسالة التي بجب أن تستوعبها الحكومة هي..
– حينما يقال إن الاحتياطي الأجنبي هو الوسيلة في مواجهة الأزمات هذا يعني إنه يتم دعمه و تنميته أثناء الإزدهار وليس العكس
– إن الشعب وحده يدفع اليوم ثمن الإصلاح الاقتصادي بعد أن إعتمدت حكومته برنامج صدرت بموجبه مجاناً خلال عام ونصف فقط قرابة 30 مليار دولار واليوم هذا الشعب في أمس الحاجة إلى ثلث هذه القيمة لإنتشاله من أزماته التي تعصف به.