“حبارات” يكتب عن أسباب ومبرارات عدم صمود سعر الدولار عند 3.90 دينار أمام سعره في السوق الموازية والبدائل المقترحة

505

كتب الخبير الاقتصادي “نورالدين حبارات” (قراءة تحليلية من واقع أرقام رسمية)

عندما أقر الرئاسي في سبتمبر 2018 فرض الرسم أو بالأحرى الضريبة على مبيعات النقد الأجنبي بنسبة 183% بما قيمته 2،52 دينار تضاف إلى سعر الدولار الرسمي 1،38 دينار و ذلك في إطار ما بات يعرف ببرنامج الإصلاح الاقتصادي، توقع حينها الكثير من مواطنين ومتابعين و مهتمين بالشأن الاقتصادي بإن هذا السعر أي 3،90 دينار للدولار سيصمد أمام سعره في السوق الموازية المزدهرة أنذاك حيث سجل حينها قرابة 6.5 دينار للدولار بعد أن لامس في وقت سابق له حاجز عشرة دينار، بل إن توقعاتهم ذهبت إلى أكثر من ذلك حيث أعتقدوا إن هذا السعر سيقضي على السوق الموازي من خلال تقليص الهوة كثير بين السعرين وصولا إلى السعر التوازني الذي قدر ما بين 2.50 إلى 2.75 دينار للدولار.

لكن و للأسف كل ذلك لم يحدث، و رغم إن سعر الدولار استقر خلال العام 2019 في الغالب ما بين 4.10 إلى 4.35 دينار للدولار و بزيادة قدرها 450، درهم عن سعره بموجب الضريبة فإن هذا السعر ما كان له أن يستقر لولا عوامل عدة ساهمت و كان لها أثر مباشر في استقراره أبرزها:

1- انتظام تدفق الإيرادات النفطية وانتعاشها نسبيا خلال العام 2019، حيث بلغت الإيرادات النفطية خلال هذا العام قرابة 22.750 مليار دولار.

2- الفائض النقدي الذي سجله ميزان المدفوعات في 31/12/2018 م و الذي ناهز من 5.418 مليار ما أدى بدوره إلى زيادة رصيد الاحتياطي الأجنبي بعد أن سجل عجوزات متتالية خلال الأعوام 13،14،15،16.

ولكن ومع ذلك فإن هذين العاملين لم يكونا كافيين لصمود أو ثبات سعر الدولار عند ذلك السعر خلال تلك الفترة بل كانت هناك عوامل أو أسباب أخرى كان لها أيضا أثارها وتداعياتها أهمها:

1- قيمة مخصصات أرباب الأسر التي صرفت على دفعتين خلال العام 2019 م بسعر 1،38 دينار والتي قاربت من 7 مليار دولار وهذا الإجراء بمثابة ضخ الدولار في السوق لدعم الدينار.

2- قرار الرئاسي رقم (214) لسنة 2019 م والذي ألغى بموجبه القرار رقم (1330) لسنة 2018م بشأن فرض رسوم جمركية بنسبة 183% على السلع الموردة بموجب اعتمادات مستندية قديمة و التي لم تصل إلى المنافد الليبية فبل صدور قرار اارئاسي بشأن فرض الرسم حيث تقدر قيمة هذه البضائع وفق لمعلومات غير رسمية ب 5 مليار دولار.

3- التصريحات التي كان يطلقها بين الفينة والأخرى النائب بالرئاسي والمكلف بالملف الاقتصادي بشأن تخفيض نسبة الرسم والذي تم فعلاً في شهر أغسطس الماضي حيث تم تخفيض الرسم أو الضريبة إلى 163% أي بسعر 3،63 دينار للدولار.

وصراحةً فإن هذه الأسباب أو العوامل ساهمت وبشكل كبير وأدت إلى عزوف وإحجام العديد من المواطنين والتجار على شراء الدولار وعدم رغبتهم في المجازفة أو المخاطرة تفاديا لأي خسائر محتملة وما يعزز ذلك الركود الذي لحق بمنظومة بيع النقد الأجنبي للأغراض الشخصية (10000 دولار ).

و لكن ما بجب علينا أخده في حسابتنا والتسليم به هو أن الطلب على الدولار شأنه شأن الطلب على أي سلعة يتحدد سعره في السوق وفق لقوى الطلب والعرض والطلب عليه يثأثر مباشرةً بحجم دخل المواطن وبحجم مدخراته وبتوقعاته وبتفضيله فيما إذا كان يرغب الاحتفاظ بالعملة الخضراء بدلا من الدينار كملاذ أمن توقياً لأزمة السيولة وانهيار القوة الشرائية للدينار وهذا على صعيد الاقتصاد الجزئي حيث هدا النوع من الاقتصاد يهتم بدراسة وتحليل سلوك المستهلك فرداً كان أو شركة في ظل موارده المحدودة والبيئة المحيطة أما على صعيد الاقتصاد االكلي فحجم الإنفاق العام والمعروض النقدي والدين العام و الناتج المحلي وكذلك العجز أو الفائض في ميزان المدفوعات والميزانية العامة وحجم الصادرات والواردات والإحتياطي الأجنبي ومعدلات التضخم فجميع هذه المؤشرات ثؤتر في الطلب على الدولار وعلى سعره وبالتأكيد سلبية هذه المؤشرات كانت سبب مباشر في عدم صموده عند 3،90 دينار أمام سعره في السوق الموازي قبل أن يتهاوى لاحقا مند مطلع فبراير الماضي ليستقر اليوم ما بين 6 إلى 6،15 دينار و ذلك بسبب توقف إنتاج النفط وانهيار أسعاره في السوق العالمية.

-فإذا كان الإنفاق العام قد بلغ 42،500 مليار دينار خلال 2018 م فإنه تاهز 46،500 مليار دينار خلال 2019 م وزيادة الإنفاق العام في كافة أبوابه المختلفة ما هو إلا زيادة في دخول المواطنين كانوا عاملين لدى الدولة أو عاملين لحساب أنفسهم فهذه الزيادة ستؤدي حتما إلى زيادة الإستهلاك الذي سيؤدي بدوره لزيادة الطلب على السلع وارتفاع أسعارها وما من سبيل لمواجهة ذلك إلا بزيادة المعروض من السلع عبر الاستيراد أي ما يعني زيادة في الطلب على الدولار.

كما إن المعروض النقدي بشقيه قاربت قيمته خلال عامي 2018 و 2019 م من 109 مليار دينار وهذه القيمة كانت كافية لإمتصاص أو إلتهام كامل الإيرادات النفطية خلال العام 2019 م البالغة 22،750 مليار دولار واليوم قيمة هذا المعروض قادرة على امتصاص كامل رصيد الاحتياطي الأجنبي الحر الذي يقدر ب 27 مليار دولار وفق لبيان عن المركزي.

كما إن العجز في الميزانية العامة تزايد فإذا كانت قيمته قاربت من 5 مليار دينار في 2018 م فإنه في 2019 م سجل أكثر من 10 مليار دينار مولا من إيرادات الرسم على النقد الأجنبي وهذه في حد ذاتها مشكلة حيث كان يفترض استخدام هذه الإيرادات في إطفاء الدين العام، في حين سجل ميزان المدفوعات في نهاية 2019 م عجز قدره 1،170 مليار دولار و هذا يعني إن الطلب على النقد الأجنبي يفوق المعروض منه الذي مصدره الإيرادات النفطية والتي انهارت بشكل كبير بعد أن خسرت البوم أكثر من 5 مليار دولار وفق لبيان صادر عن مؤسسة النفط.

عليه و بناءً على ما تقدم وإستنادا ً لهذه القراءة فإن الخيارات أمام الحكومة لمعالجة أزمةً سعر الصرف تبدو شبه معدومة وأكثر تعقيدا فجميع أدوات السياسات المالية والنقدية والتجارية شبه معطلة بالكامل واقتراح المركزي لرفع نسبة الضريبة ما هو إلا حل مؤقت لا أكثر، و بما إن سعر الدولار أمام الدينار هو أداة و معيار لقياس متوسط دخول المواطنين ومستوى معيشتهم وارتفاعه يعني تفاقم لمعاناتهم جراء ارتفاع الأسعار وتأكل قدراتهم الشرائية واستنزاف مدخراتهم و شح السيولة التي بدأت أعراضها في الظهور، و من ثمة فإن معالجة هذه الأزمة جذريا أصبح ضرورة ملحة أكثر من أي وقت مضى وهذا لا يتأتى إلا من خلال الإسراع في اعتماد حل سياسي شامل ينهئ حالة الإنسداد ويرسئ الاستقرار في كافة ربوع البلاد و يفضي إلى توحيد المؤسسات واستئناف تصدير النفط وتفعيل كافة أدوات السياسة الإقتصادية.

وفي الختام فإن الرسالة التي بجب أن يستوعبها الرئاسي وحكومته هي إن لا يمكن معالجة أزمةً سعر الصرف عبر فرض ضريبة على مبيعات النقد الأجنبي يدفعها بشكل غير مباشر كافة المواطنين دون اسثتناء في بلد غير منتج وغير مصدر و يستورد كافة احتياجاته تقريبا من الخارج ودون أن يرافق هذه الضريبة حزمة من الإجراءات و التدابير الاقتصادية.