حبارات يكتب: هبوط إحتياطي النقد الأجنبي إلى 45.900 مليار دولار ناقوس خطر يهدد بتدهور الاقتصاد وتفاقم أكثر لمعاناة المواطنين

996

كتب المهتم بالشأن الاقتصادي نور الدين حبارات مقالًا قال فيه:

أظهرت بيانات حديثة عن المصرف المركزي بأن إحتياطي النقد الأجنبي هبط إلى 45.900 مليار دولار وذلك بعد تغطية وعاء العملة لشقي المصرف المركزي في طرابلس والبيضاء وأن هذا الإحتياطي يكفي فقط لتغطية واردات البلاد لمدة 28 شهر فقط وذلك وفق ما تناقلته بعض وسائل الإعلام نقلاً عن المركزي .

وصراحةً هذه الأرقام صادمة ومخيفة وتهدد بمزيد من التدهور للاقتصاد الهش بل من إنهياره في بلد يعيش أزمة سياسية حادة غير مبررة وغير مسبوقة منذ تماني سنوات بسبب تعنت السياسين بعد ما أعتادوا وللأسف على توظيفها والاستثمار فيها على حساب المواطنين البسطاء .

وإذا كانت مدفوعات البلاد من النقد الأجنبي عادة ما تقدر ما بين 20 إلى 21 مليار دولار خلال الأعوام 2021 م ، 2019 م ، 2018 م في شكل إعتمادات مستندية وحوالات شخصية ومشتريات حكومية ، فإن بالفعل الإحتياطي المتبقى يكفي لمدة سنتين وأربعة أشهر في حال ما إستمرار توقف إنتاج وتصدير النفط .

وهبوط الإحتياطي الأجنبي إلى هذا الحد في بلد يعتمد بشكل كبير جداً على الخارج في توفير كافة إحتياجاته الأساسية أبرزها الحبوب والدواء والوقود والمواد الأولية وقطع الغيار مشكلة كبيرة في حد ذاتها ما سيضطر معها المركزي لفرض قيود صارمة على إستخدامات النقد الأجنبي في محاولة منه لتخفيف العبء على الإحتياطي .

هذا وسوف تكون لتلك الإجراءات أثار وتداعيات محتملة قاسية ومباشرة على المواطنين والاقتصاد على حد سواء لعل أبرزها .
1- مزيداً من الإنخفاض في القدرة الشرائية لمرتبات ودخول المواطنين ومدخراتهم بسبب المزيد في إرتفاع أسعار السلع والخدمات والأساسية ما يعني إرتفاع أكبر لمعدلات التضخم .
2- مزيداً من التأزم في أزمة السيولة التي ستتفاقم في ظل توسع الإنفاق العام وزيادة المعروض النقدي خارج النظام المصرفي من جهة ونقص النقد الأجنبي من جهة أخرى ، فالتجربة أثبتت وعلى مدار السنوات الأربع الماضية بإنه لا توجد للمركزي أي خطط أو آلية للتخفيف من هذه الأزمة إلا عبر مبيعات النقد الأجنبي .
3- مزيداً من التراجع في قيمة الدينار الليبي في السوق الموازي نتيجة تراجع الاحتياطي بسبب توقف التصدير ولا نستبعد قيام المركزي بإقرار مزيد من التخفيض لقيمة الدينار رسمياً .
4- تفاقم أكثر لمعاناة المواطنين بسبب إرتفاع أكبر في أسعار الحبوب والغداء المرتفعة أصلاً حالياً في الأسواق العالمية خاصةً في بلد لا تعير حكوماتها أي أهمية لمسألة الغداء والأمن الغدائي رغم تحذيرات الأمم المتحدة من قرب إندلاع مجاعة وأزمة غذاء عالمية ،وستتفاقم المعاناة أيضاً بسبب تدهور الخدمات الصحية والتعليمية والكهرباء والوقود والأمن وقد تجد الدولة حينها غير قادرة على توفير الحد الأدنى من هذه الإحتياجات في ظل إنخفاض رصيد الإحتياطي الأجنبي .

كما ستجد الدولة نفسها غير قادرة على مواجهة أي طارئ أو ظروف إسثتنائية غير إعتيادية قد تحدث لقدر الله .
والمؤسف أيضاً أن الحلول المقترحة من قبل المحافظ للتعاطي مع الأزمة الاقتصادية في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد وفق ما تناقلته وسائل الإعلام هي حلول غير ذي جدوى ولا تعدو عن كونها مسكنات أو تأجيل لها فقط واعتدنا عليها على مدى السنوات الماضية كما أنها غير قابلة للتطبيق .Unfeasible .

فالمقترح الأول يقوم على المطالبة برفع التجميد على الأصول أو الأموال المجمدة في الخارج بموجب قرارات مجلس الأمن، وهذا المقترح في رائي صعب وغير ممكن في ظل عدم وجود حكومة منتخبة ديمقراطياً تمثل كافة فئاتً ومكونات الشعب الليبي تفرزها إنتخابات وطنية حرة وشفافة ونزيهة ، كما إنه ينطوي على مخاطر حقيقية فهو بمثابة ضوء أخطر لاستنزاف ما تبقى من إحتياطيات البلاد وخط دفاعها الأخير .

أما المقترح التاني فيقوم على الاقتراض من صندوق الدولي لدعم إحتياطي البلاد من النقد الأجنبي وذلك على غرار ما نراه اليوم في تونس ومصر ودول أخرى .

وهذا المقترح أيضاً صعب وًمعقد في ظل الظروف السياسية الراهنة وعدم وجود حكومة موحدة تمثل كل الليبيين ولعل السيناريو اللبناني لخير دليل على ذلك ، فصندوق النقد الدولي رفض إقراض لبنان بسبب الأزمة السياسية التي تعصف بهذا البلد منذ أكثر من أربعة سنوات .

كما أن الشروط التي عادةً ما يفرضها الصندوق صعبة وقاسية ولا يمكن للمواطنين تحملها والتكيف معها ، فهذه الشروط في الغالب ستتضمن تحرير صرف الدينار أي أن سعر الدولار يتحدد في السوق الموازي وفقاً لقوى الطلب والعرض ولا يحدده المركزي إلى جانب تخفيض فاتورة المرتبات ورفع الدعم وفرض مزيد من الضرائب والرسوم على الخدمات الأساسية المتردية أصلاً وخصخصة بعض مشروعات القطاع الحكومي وغيرها من شروط وإجراءات تقشفية .

وفي الختام من المؤسف جداً أن يصل بنا الأمر والحال إلى هذا الحد في بلد يمتلك ثروات وإمكانيات وموارد طبيعية كثيرة كافية لضمان حياة اقتصادية مزدهرة لكافة أبنائه ومستقبل أفضل لأجياله القادمة ، لكن يبدو أن سياسيه كان لهم رأي أخر .