حبارات ينشر مقالاً لتوضيح عدة تفاصيل حول تراجع الليرة التركية

161

كتب الخبير الاقتصادي نور الدين حبارات مقالاً بعنوان: توضيح مهم حول تراجع الليرة التركية.

قال فيه : سجلت قيمة الليرة التركية مؤخراً إنخفاضاً قياسياً، حيث هوت إلى أكثر من 13 ليرة للدولار الأمريكي قبل أن تعود أمس إلى 12.88 .
و الليرة التركية خلال السنوات السبع الماضية شهدت إنخفاضات متتالية من 2 ليرة للدولار خلال العام 2013 إلى 6 ليرة خلال يوليو 2018 م مروراً ب 10 ليرة وصولاً إلى 13 ليرة للدولار الأمريكي الواحد خلال الشهر الحالي.
و في الجانب الأخر أصبح سعر الفائدة محل جدل و خلاف كبير بين المركزي التركي و الرئيس رجب طيب أردوغان على مدار السنوات الثلاث الماضية، ما أدى إلى إستقالة محافظ المركزي التركي السابق.


وأضاف: فالمركزي يرى أن تخفيض سعر الفائدة سبب مباشر في إنخفاض قيمة الليرة، في حين يرى الرئيس أن رفعها سيؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم و زيادة كلفة الإنتاج في بلد يعتمد على الصناعة و التصدير.

إقتصادياً و كما هو معروف رفع سعر الفائدة من قبل البنوك المركزية أحد أهم الوسائل لرفع قيمة العملة المحلية لبلد ما و ذلك عبر إمتصاص جزء من الكتلة النقدية بالسوق أو بالإقتصاد ، حيث هذا الإجراء يحفز المستثمرين و حتى صغار التجار لإيداع أموالهم بالمصارف بهدف الحصول على مكاسب مريحة و مضمونة لا تنطوي على أي مخاطر بدلاً من توجيهها إلى مجالات أخرى محفوفة بالمخاطر ، كإسثتمارها في قطاعات التشييد و الصناعات و الإنتاج و النفط و غيرها من مجالات و التي تتأثر بأي طارئ كفياروس كورونا المستجد، ما قد يتحول معها إقتصاد تلك البلد بشكل أو بأخر إلى إقتصاد ربعي غير منتج يعتمد على عوائد الفوائد المصرفية و هذا في حد ذاته كارثة.

و لكن و في نفس الوقت رفع سعر الفائدة يؤدي مباشرةً إلى رفع معدلات التضخم بسبب زيادة تكلفة الإنتاج ما يؤدي إلى إنخفاض دخول المواطنين كما إنه سيقف عائق أمام الإستثمار.
فالمستثمر عندما يقترض ميلغ 5 مليون ليرة بسعر فائدة ‎%‎19 بدلاً من ‎%‎05 لإستيراد مواد خام فهذه الزيادة في سعر الفائدة ستؤدي حتماً إلى زيادة في تكلفة المنتج المحلي يتحمل عبئها المواطن أو المشتري التركي و هذا من شأنه أن يؤدي إلى تراجع الطلب بسبب ارتفاع الأسعار و ارتفاع معدلات البطالة و انزلاق الاقتصاد إلى دائرة الركود ما سينعكس سلباً على الناتج المحلي الإجمالي.

فالمركزي التركي يطالب برفع سعر الفائدة بهدف رفع قيمة الليرة من خلال إمتصاص جزء كبير من كمية العملة المتداولة في السوق و هذا و كما أسلفنا له ما يبرره إقتصادياً.

في حين إن الرئيس التركي يطالب بتخفيضها أي عكس وجهة نظر المركزي و عكس النظرية الإقتصادية و هذا الرأي أيضاً له ما يبرره.
فالإقتصاد التركي منتج و يرتكزاً أساساً على التصدير و السياحة ، فإنخفاض الليرة التركية و إلى حدود معينة تسهم في رفع القدرة التنافسية للبضائع التركية في الأسواق المحلية و الخارجية مما يزيد من معدلات الطلب عليها ، كما إنها تسهم و بشكل كبير في إستقطاب الملايين من السواح إلى تركياً و هذه العوامل ستساعد في دعم ميزان المدفوعات لتركيا عبر زيادة الصادرات و زيادة رصيدها من العملات الاجنبية ما سيفضي إلى زيادة و نمو الناتج المحلي الإجمالي للبلاد أو ما يعرف ب G D P .

وعليه فإنه يمكن القول إن إنخفاض قيمة الليرة إلى حدود معينة سلاح ذو حدين في إقتصاد منتج كتركيا أي له إيجابياته و سلبياته و قد تكون الإيجابيات أكثر و هذا ما يبرر رأي و إصرار الرئيس التركي.
لكن المزيد من الإنخفاض في قيمة العملة المحلية في بلد ريعي غير منتج يعتمد كلياً على الإستيراد في توفير كافة إحتياجاته كحال ليبيا بالتأكيد سيكون له تداعيات سلبية فقط و ترفع من معاناة مواطنيها.


و ما يحرج الرئيس التركي و الذي تطمح بلاده في الإنضمام إلى دول الاتحاد الأوربي هو إن سعر الفائدة في تلك الدول يقترب من ‎%‎01 أو الصفر في حين سعر الفائدة في تركيا يصل إلى ‎%‎19 و يسعى المركزي إلى زيادتها عند‎ ‎‎‎‎%‎24.
و صراحةً الإقتصاد التركي لا يقل قوة عن عن العديد من إقتصادات دول الإتحاد الأوربي بل حتى يفوقها فالناتج المحلي الإجمالي لتركيا في العام 2020 م قارب من 720 مليار دولار أمريكي و الحادي عشر عالمياً و بمعدل نمو سنوي قدره ‎%‎05 .
لكن يبدو الأداء السياسي الداخلي و الخارجي لحكومة أردوغان في ملفات عدة كالملف السوري و تحركات الجيش التركي في شمال العراق لمواجهة مشروع الدولة الكردية فضلا عن موقف تركيا الداعم لما يعرف بثورات الربيع العربي و توثر علاقاتها مع الولايات المتحدة و غيرها من ملفات أخرى بالتأكيد كان له تداعيات سلبية على الإقتصاد التركي .
فبالفعل و كما يقال الإقتصاد و السياسة وجهان لعملة واحدة .