“خبير اقتصادي” يحلل بيان مصرف ليبيا المركزي عن الإيرادات والمصروفات

548

كتب الخبير الاقتصادي “محمد أحمد”

أصدر المصرف المركزي بيانه الشهري عن الإيراد والانفاق للأشهر الأربعة الأولى من سنة 2020، ويصدر المصرف المركزي عادة كذلك نشرة ربع سنوية تحتوي على أهم التطورات النقدية في البلد، يختلف المنشوران في المحتوى والهدف، فالبيان الشهري هو مخصص لمتابعة تنفيذ الموازنة الحكومية التي تصدرها السلطة التنفيذية بشكل شهري وهدفه واضح وهو هدف سياسي يتمثل في محاولة اعلان براءة المصرف من تصرفات السلطة التنفيذية.

أما النشرة الربع سنوية فهي دليل احصائي قيم يشمل جميع مناحي الأنشطة الاقتصادية وأثرها على الحركة النقدية في الدولة وهدف النشرة الشهرية هدف توثيقي وافصاحي، وبينما النشرة الربع سنوية هي تقليد متبع لدى جميع المصارف المركزية عبر العالم فأن البيان الشهري لا مثيل له.

عدم نشر البيانات النقدية والاقتصادية بتتابع شهري له أسباب منطقية في علوم المحاسبة، والإحصاء، من ناحية محاسبية فأن التتالي الشهري للتدفقات النقدية سيهمل أثر التصحيحات الناتجة عن التسويات المالية التي عادة ما تتم بفترات زمنية تزيد عن الشهر مما سيعطي نتائج خادعة خصوصا في لحظات انقطاع الانسياب العادي للتدفق النقدي.

أما من ناحية إحصائية فأن الفترة الشهرية تدفع إلى اللجوء إلى ما يسمى بالإحصاء الأولي الذي لم يتم التأكد منه بمقارنته بالمتقاطعات ذات العلاقة والتي قد تعيد صياغة الرقم في السلسلة، هذا لا يعني ألا يتم المراقبة الداخلية وفقا لتتابع شهري ألا أن عملية نشره للعامة مسألة غير مجدية سوى لتمرير الرسائل السياسية كما أشرت أعلاه.

يتم الآن نشر بيانين شهريين في مسألة حيوية تخص الرأي العام الليبي وهي دخل المبيعات النفطية البيان الأول صادر عن المصرف المركزي أما البيان الثاني فهو صادر عن المؤسسة الوطنية للنفط، يفترض نظريا أن تتماثل الأرقام في البيانين، لكن هناك معضلة، فالمصرف المركزي ينشر بيانات تحصيل عائد البيع بالدينار الليبي بينما تنشر المؤسسة بيانات البيع وفقا لتاريخ تنفيذ الشحن وبالدولار الأمريكي، وبما أن التحصيل يتم وفقا لعقود البيع بعد شهر تقريبا من تنفيذ الشحن فأن هناك شهر متراجع في بيان مصرف ليبيا المركزي.

التحصيل كذلك ليس نهائيا فهناك تسويات تجارية تتم في الكثير من عمليات البيع تنتج عن تغير مستوى الأسعار وبعض المسائل اللوجستية وقد تحتاج لأكثر من شهر في التسوية النهائية لها، إذا الأرقام في بيان مصرف ليبيا المركزي الشهري ليست واقعية إلى حد بعيد من ناحية تقنية فنية وقد يغطي عليها في الأحوال العادية انتظام التدفق ولكن في الحالات الاستثنائية سيظهر فيها الخلل واضحا في التتابع الشهري الذي لا يسمح بالتعديل، ولكن الرسالة السياسية التي يود المصرف إيصالها عن طريق البيان الشهري لا تنتظر فيتم النشر بغض النظر عن صحة الاحصائيات.

البيان الأخير مثال لذلك، فالرسالة السياسية التي يود المصرف إيصالها إلى الرأي العام الليبي هي وجود عجز في تنفيذ الموازنة الحكومية وهو واضح بالأرقام الحمراء في البيان تحت عمود (عجز/فائض) في جدول الإيراد هذا من ناحية، أما من ناحية أخرى فإن المصرف يود أن يبين أن إجراءاته في التحكم بالصرف ناجحة مما أنتج عنها فائض نقدي وهو مبين في الجدول الثاني الانفاق تحت نفس العمود.

هناك التواء بسيط في الموضوع يضعه المصرف في خانة الملاحظات أسفل الجداول. فبينما يوثق المصرف أن العائدات النفطية في الأربع أشهر الأولى هي 1.978 مليار دينار ليبي وهي فيما أظن تحصيل مبيعات شهر ديسمبر، يناير، فبراير، مارس، يعود فيقول في الملاحظات (الملاحظة 4) أن التحصيل الفعلي هو 4.849 مليار دينار ليبي بإضافة 2.871 مليار دينار ليبي عن صادرات نفطية خلال شهر ديسمبر.

طبعا الملاحظة تفتقد تماما بعين تجارية للمنطق. 2.8 مليار دينار ليبي تعني تقريبا 2 مليار دولار وهذا يعني قيمة 33 مليون برميل نفط أي بمقدار انتاج 1.1 برميل/يوميا، وبينما إنتاج ليبيا يصل في ديسمبر إلى 1.2 مليون برميل/يوميا وقد تم تحصيل معظمها فهذا يطرح سؤال جدي حول ماهية هذه الكمية الإضافية التي تم تحصيلها متأخرا لمبيعات في شهر واحد (ديسمبر 2019) كما هو وارد في البيان.

هذا يعني أن ليبيا في شهر ديسمبر انتجت 3 مليون برميل يوميا من النفط وهو أمر غير منطقي تماما، الأشد غرابة هي أن يقوم المصرف بإدخال الرقم 1.978 مليار دينار ليبي في الجدول بينما كان من الأصح ادخال الرقم 4.849 مليار دينار ليبي، وهذا سيعطينا فائضا قدره 2 مليار دينار ليبي وهو أمر بالطبع لا يتماشى مع الرسالة السياسية التي يود المصرف إيصالها والتي تتمثل في أن هناك عجزا في الدخل المحقق مقابل المتوقع.هناك بعض الملاحظات الأخرى ولكني سأكتفي بهذا.