“خبير نفطي” يكتب: المستقبل السياسي والاقتصادي بين قارئة الفنجان ولغة الأرقام

199

كتب: الخبير النفطي “د.محمد أحمد”

نزار قباني فنان اللعب مع الكلمات وأستاذ الرسائل السياسية المبطنة التي تقرأ على كافة الأوجه، حيث يمكن أن تقرأ قصائده كثائر قاصد للحرية وفي نفس الوقت كمؤيد مخلص للملكية، إبدع في قصيدة قارئة الفنجان والتي تغنى بها العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ. أتذكر أنها بدأها بقصيدة.

جلست والخوف بعينيها، تتأمل فنجاني المقلوب، قالت يا ولدي لا تفزع، فالحب علينا هو المكتوب يا ولدي” كيفما قرأت الكلمات ستجد أنها لها بعد عميق، فإذا كنت شابا مراهقا يبحث عن الرومانسية فلن تجد أفضل منها دواء للحرمان والشوق، أما إذا كنت سياسيا مخضرما فلن تجد أكثر منها انعكاسا لمقلوب أفعالك، أما إذا كنت اقتصاديا فلن تجد أفضل منها لتفسير معالجة الفزع والهلع بالتكاثف وليس بالصراع.

تترامى علينا قارئة الفنجان يوميا من صفحات فيس بوكية وإذاعات عالمية ووكالات إخبارية تخبرنا عن ما سيحدث لنا مستقبلا، البعض مثل المنجمة “ليلى عبد اللطيف” ليس لها سوى كرة الكريستال التي ترى فيها أحداث المستقبل، والآخر مثل “طلال أبو غزالة” ليس لديه إلا إعادة تفسير نقاشات مؤتمرات وندوات، وبدأ البعض اليوم مثل الممثلة الكويتية “حياة الفهد” باستعمال الحدس في تصوير المجاعات القادمة والحروب المشتعلة والكراهية المبررة.

حقيقة هذا ليس جديدا على البشرية وفي الأوقات العصيبة كان الناس يدفعون العقل المنطقي بقوة خارج نطاق الفعل ويستسلمون وفقا لفكرهم الرغبوي إلى النبوءات التي تتماشى مع معتقداتهم الدفينة ونفسيتهم اللا-واعية لتصديق أنواع من الخزعبلات التي لم يكن لهم أن يصدقوها في ظروف أخرى أكثر منطقية.


دعوني مثلا أجرب: لقد قرأة فنجانكم:
ماذا لو قلت لكم أن المؤشرات تدل على سقوط أمريكا وظهور الصين كقوة عالمية أولى بعد انقضاء أزمة كورونا؟
. أو أقول إن النفط لن يرتفع سعره ما فوق 10 دولار للبرميل؟
. أو أن أقول إن المجاعة ستضرب الإنسانية من أقصاها إلى أقصاها؟
. أو أن الطاقة الشمسية ستحل محل النفط في جميع مصادر توليد الطاقة؟
. أو أن ديانة معينة ستعم العالم بمجرد انتهاء الأزمة؟
. قرأت ذلك مراراً وتكراراً في العديد من النبوءات والتوقعات من قارئي فنجان يجلسون والخوف بعينيهم.
فعلا الفنجان اليوم مقلوب.

ولكن التفكير العلمي والتسبيب المنطقي المعزز بالأرقام لديه رأي آخر هو:
أن الازمة الحالية لم تنتج عن حرب أو صدام عالمي تدمرت فيه وسائل الإنتاج الأساسية وبذلك فإن العودة إلى الحياة الطبيعية ستكون أسرع.
. أن المكننة الآلية أتاحت للإنسانية بقاء نسبة ثابتة من الإنتاج
. أن ثورة الاتصالات أتاحت تسيير الأعمال من بعد
. أن الإنسانية تثبت استجابة كبيرة منظمة للأزمة أدى إلى انحسارها في أضيق الحدود بالتناسب مع كثافة الحركة والتنقل

وأخيرا فإن نزار قباني كان محقا عندما قال لنا على لسان قارئة الفنجان “قالت يا ولدي لا تفزع ، فالحب علينا هو المكتوب”، الخروج من الأزمة سيكون بالتكاثف وليس بالصراع كما يصور الكثير والتحكم في الفزع هو المفتاح .. وعلى الله فليتوكل المتوكلون.