خلال لقاءه مع صدى “أستاذ الاقتصاد بالأكاديمية الليبية” يتحدث حيال مقترح إدارة الموارد النفطية

287

تحدث أستاذ الاقتصاد بالأكاديمية الليبية “عمر زرموح” في لقاء له مع صحيفة صدى الاقتصادية حول مقترح “إدارة الموارد النفطية” المقدم من قبل مجموعة العمل الاقتصادية المنبثقة عن مؤتمر برلين حول ليبيا ؛ مُعرفاً بمجموعة العمل الاقتصادية حيث قال: هي واحدة من مجموعات العمل الفنية الأربع التي أنشأها مؤتمر برلين حول ليبيا، وتشترك في رئاستها مصر والاتحاد الأوربي والولايات المتحدة وبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا.

وعن تشكيل لجنة اقتصادية فنية قال “زرموح”:


مجموعة العمل الاقتصادية تقترح تشكيل لجنة اقتصادية فنية، من الأطراف الليبية ذات العلاقة، لتنفيذ برنامج أسمته (إدارة الموارد النفطية)، وقد بررت مجموعة العمل الاقتصادية مقترحها هذا على أساس أن ليبيا تمر بظروف استثنائية.

ويكون تنفيذ برنامج (إدارة الموارد النفطية) من خلال قيام اللجنة الاقتصادية الفنية بتنفيذ جملة من الإجراءات التي تضمن في إطار الشفافية الآتي:
1- التخصيص الأمثل لعائدات النفط والغاز.
2- عودة إنتاج النفط والغاز والعمل على رفع معدلات الإنتاج النفطي.
3- متابعة تحصيل الإيرادات النفطية بالشكل الطبيعي.
4- متابعة الإنفاق الحكومي وفق الظروف الواقعية.
5- إعداد التقارير اللازمة للإنفاق بما يحقق العدالة والشفافية.
6- دعم الإدارة المحلية بالتعاون مع عدد من المنظمات الدولية ذات الصلة.

كذلك علق “زرموح” فيما يخص الهيمنة الأجنبية واحتمال تزايد الفساد المالي والإداري، قائلًا:


تتكون اللجنة الاقتصادية الفنية من ممثلين عن الجهات الآتية: مصرف ليبيا المركزي، ديوان المحاسبة، هيئة الرقابة الإدارية، وزارة المالية، رئيس اللجنة المالية بمجلس النواب، ومع ذلك فهذه اللجنة تتبع بداهة الجهة التي شكلتها وهي مجموعة العمل الاقتصادية، وتحيل لها تقاريرها وغني عن البيان أن حالة عدم الانضباط الإداري أو قل (الظروف الاستثنائية) المشار إليها، من الأرجح في تقديري أن تجعل هؤلاء الممثلين يشعرون بأنهم هم كل شيء، هم الحكومة وهم مجلس النواب وهم الجهات الرقابية، وسيتركون الجهات التي يمثلونها خلفهم لأن تبعيتهم ليست للجهات التي يمثلونها بل لمجموعة العمل الاقتصادية المكونة من الدول الأجنبية السابق ذكرها، ويعزز هذا الاستنتاج أن مقترح برنامج (إدارة الموارد النفطية) لم ينص على أي علاقة بين هؤلاء الممثلين والجهات التي يمثلونها.

مضيفًا: قد يعترض البعض على هذا الاستنتاج على أساس أن كل الدول لديها ممثلون في لجان ومنظمات دولية، والرد على ذلك هو أن الحالة الاستثنائية لليبيا تجعل من المتوقع أن تحدث اللجنة الاقتصادية الفنية تغييرات هيكلية في الداخل الليبي ومن ثم فإن أعضاء هذه اللجنة ليسوا مجرد ممثلين عاديين يحضرون اجتماعات معينة ثم يقدمون تقاريرهم للجهات التي يمثلونها، إن المرجح في تقديري هو تغول هؤلاء الممثلين على الجهات التي يمثلونها مما قد يفتح نافذة جديدة للفساد المالي والإداري نحن في غنى عنها؛ ومع ذلك فقد ورد في مقترح (إدارة الموارد النفطية)ما نصه الآتي: (التأكيد على ممارسة المؤسسات )الأعضاء ( اختصاصاتها المسندة إليها بموجب القوانين الليبية ذات العلاقة باستقلالية تامة) لكن السؤال هو: كيف تكون هذه (الاستقلالية التامة) إذا كان برنامج (إدارة الموارد النفطية) يدار تحت هيمنة مجموعة العمل الاقتصادية التي ليس فيها ليبي واحد؟

وعن تعارض مهام اللجنة الاقتصادية الفنية مع القوانين الليبية وسيادة الدولة قال:


ورد في مقترح تشكيل اللجنة الاقتصادية الفنية لإدارة الموارد النفطية ما نصه الآتي: “وتظل مهام اللجنة الاقتصادية الفنية تمثل تجسيداً حقيقياً لعمل المؤسسات الليبية المختلفة في الإشراف على الإنفاق والمتابعة وضمان التوزيع الأمثل للثروات”، وهذا النص وحده يكفي لإثبات أن هذه اللجنة ستكون هي المهيمنة على كافة المؤسسات الليبية (التنفيذية والتشريعية) مما يعني تراجع أو تضاءل بل ربما انعدام السلطتين التشريعية والتنفيذية (لا حكومة ولا مجلس نواب)؛ وبما أن هذه اللجنة تتبع مجموعة العمل الاقتصادية المشار إليها فمن الواضح أنها، أي اللجنة، سوف ترسل تقاريرها لمجموعة العمل الاقتصادية التي ترأسها الدول السابق ذكرها مما يتعارض تماماً مع سيادة الدولة الليبية ويفرغ السلطتين التشريعية والتنفيذية من محتواهما ويضع كل شيء تحت تصرف تلك الدول الأجنبية، وهذا مرفوض شكلاً وموضوعاً ولا يمكن للشعب الليبي، إذا عرف هذه الحقيقة، أن يقبل بتسليم مقدراته ومستقبل أجياله بهذا الشكل المهين لحريته واستقلاله، وورد في المقترح أيضاً أن أعمال اللجنة الاقتصادية الفنية تنتهي في نهاية هذا العام 2022 (أو انتهاء المرحلة الانتقالية والوصول إلى حكومة منتخبة) ومن الواضح من هذا النص أنه لا توجد نهاية محددة لهذه اللجنة ولا لبرنامج (إدارة الموارد النفطية) وخاصة أننا تعودنا أن مجرد تمكين مثل هذه اللجنة من العمل سوف تصبح أسلحة التمديد جاهزة لها وسوف تساق التبريرات اللازمة لذلك حتى تصبح اللجنة لجنة أبدية والبرنامج برنامجاً أبدياً. وهذا يؤكد مرة أخرى أن هذه اللجنة هي انتهاك صارخ لسيادة الدولة الليبية لا يمكن القبول به؛ لا شك أن الجميع يعلم أن هناك صراعاً أو نزاعاً داخلياً بين عدة أطراف (مجلس النواب، مجلس الدولة، حكومة الوحدة الوطنية، حكومة الاستقرار) لكن ذلك يجب، في تقديري، أن يجعل مجموعة العمل الاقتصادية تقوم ببذل كل ما بوسعها من مساع حميدة، وهي قادرة لأنها مدعومة من عدة دول ومن الأمم المتحدة كما أشير أعلاه، لتوحيد المؤسسات السياسية والإدارية والاقتصادية وإزالة كل الانقسامات بينها، لا أن تمارس الهيمنة الأجنبية لتحل محل السلطات التشريعية والتنفيذية المتنازعة، لقد علمتنا التجربة أن القرارات الدولية تجاه دولة من الدول قد يسهل اتخاذها، لكن يصعب أو يكاد يصبح من المستحيل إلغاؤها.

عليه، أحذر كل الليبيين سواء كانوا في السلطة أم خارجها من هذا البرنامج الجائر (إدارة الموارد النفطية) الذي أتصوره نسخة معدلة من برنامج (النفط مقابل الغذاء) الذي طبق على العراق قبل نحو عقدين أو أكثر من الزمان والذي عانى منه الشعب العراقي الأمرين.

كذلك أضاف “زرموح” فيما يخص التخصيص الأمثل لعائدات النفط والغاز، قائلًا:


النقطة الأولى في قائمة الإجراءات السابق ذكرها هي (التخصيص الأمثل لعائدات النفط والغاز) وهنا يجب أن أؤكد أنه لا يوجد شيء إسمه التخصيص الأمثل لعائدات النفط (والغاز) بالمعنى الذي يتردد على ألسنة بعض السياسيين وذلك للأسباب والتوضيحات الآتية:
1- إن نظريات وأدبيات الموارد الناضبة قدمت نماذج اقتصادية ونظريات للتخصيص الأمثل الأمثل لهذه الموارد (وأهمها هنا النفط) ولكن عبر الأجيال وليس عبر المناطق ولا القطاعات.
2- إن إيرادات النفط (أو قل عائداته) تمثل نسبة عالية من موارد الميزانية العامة للدولة وصلت في سنة 2020 مثلاً إلى 69% وفي غيرها أكثر من هذه النسبة،كما تساهم إيرادات الضرائب والجمارك وبعض أرباح الوحدات الاقتصادية للدولة بنسبة في موارد الميزانية،لذلك عندما نتحدث عن تخصيص الموارد في مجال الميزانية العامة للدولة فإن المقصود هو كل الموارد (نفطية وغير نفطية) ولا يقصد بها الجزء النفطي من موارد الميزانية بصرف النظر عن نسبته كبيرة أم صغيرة. وقد طالبت في أكثر من مناسبة بضرورة تنشيط الإيرادات غير النفطية للتقليل من هيمنة قطاع النفط على الميزانية لما في ذلك من مشاكل ليس هنا محل تفصيلها.
3- إن موارد الميزانية (نفطية وغير نفطية) يمكن تخصيصها قطاعياً وجغرافياً (البلديات) ولكن يصعب وصفه بأنه تخصيص (أمثل) لأن التخصيص وإن كان يجب أن يخضع للأهداف الكمية والنوعية للميزانية إلا أنه يجري عبر سلسلة من الاقتراحات والتنقيحات والمناقشات عبر القطاعات وعبر البلديات وفي مجلس الوزراء ثم في مجلس النواب الذي يصدر بذلك قانون الميزانية، ولذلك لا يمكن من الناحية العملية ادعاء المثالية إلا إذا أعيد تعريف مصطلح (التخصيص الأمثل)، وكما هو واضح من هذه النقطة أن تخصيص موارد الميزانية، سواء كان تخصيصاً أمثل أم غير أمثل، هو عمل شامل ينتهي بإقرار الحكومة له ثم مجلس النواب، فإذا أصبح ذلك من مهام اللجنة الاقتصادية الفنية، فإن دور السلطتين التنفيذية والتشريعية يكون قد انتهى، وتصبح الإدارة الليبية تتسول مجموعة العمل الاقتصادية لكي تسمح لها بالإنفاق لأي غرض من أغراضها.
4- إن الإيرادات النفطية تؤثر أيضاً في الميزان التجاري ومن ثم في ميزان المدفوعات، وفي هذا الصدد لا يوجد تخصيص لا أمثل ولا غير أمثل بل يوجد نظام يتيح بيع النقد الأجنبي للجميع وفق نفس سعر الصرف المعتمد للمصارف التجارية دون تمييز (وهذا واقع منذ مطلع عام 2021) بشرط أن تلتزم المصارف التجارية بقانون المصارف رقم (1) لسنة 2005 وتعديلاته، ومن ثم لا يقبل أن يتعلل أي مصرف أو أي منطقة بعدم حصولها على حصتها من النقد الأجنبي لأنه أصلاً لا توجد حصة محددة مسبقاً بل يوجد نظام يضمن إتاحة بيع النقد الأجنبي لكل من يرغب، إن هذه الحقيقة تدحض ما يتردد على ألسنة بعض السياسيين من المناداة بعدالة (توزيع الثروة) والمقصود طبعاً ثروة النفط، لأن العدالة هنا تكمن في إتاحة الفرصة للجميع بأن كل من يطلب النقد الأجنبي بسعر الصرف المعتمد يجب أن يلبى طلبه ولا علاقة لذلك بالمساواة لا مناطقياً ولا قطاعياً، وفي هذه النقطة يمكن لمجموعة العمل الاقتصادية (دون حاجة لتشكيل لجنة اقتصادية فنية) أن تسعى لإلزام الجهات ذات العلاقة بتطبيق القانون الليبي وخاصة قانون المصارف رقم (1) لسنة 2005 أو على الأقل أن تنصح بذلك.

وبخصوص رفع معدلات الإنتاج النفطي ومتابعة الميزانية قال:


أقصد بهذا العنوان أربع النقاط من (2) إلى (5) في قائمة الإجراءات السابق ذكرها وهي عودة إنتاج النفط والغاز والعمل على رفع معدلات الإنتاج النفطي، متابعة تحصيل الإيرادات النفطية بالشكل الطبيعي، متابعة الإنفاق الحكومي وفق الظروف الواقعية، إعداد التقارير اللازمة للإنفاق بما يحقق العدالة والشفافية، ويلاحظ الآتي:
1- إن كل هذه الأعمال توجد لها مؤسسات وتشريعات نافذة تقوم بها وليست في حاجة للجنة الاقتصادية الفنية للقيام بها نيابة عنها، وأنه إذا كانت هناك حاجة لرفع كفاءة أداء هذه المؤسسات فهي ضرورة الإسراع في توحيد المؤسسات المنقسمة )توحيد مصرف ليبيا المركزي الذي طال انتظاره، توحيد الجهات الرقابية، …الخ( والعمل بحزم على رفض كل الأجسام الموازية وذلك تنفيذاً لقرارات مجلس الأمن الصادرة في هذا الخصوص والتي لم نر لها على أرض الواقع تنفيذاً يستحق الذكر بل رأينا أنه ما مضت إلا بضعة أشهر على توحيد الحكومة (باعتماد حكومة الوحدة الوطنية) حتى ظهرت حكومة موازية (وصفت بحكومة الاستقرار).

2- أتمنى أن تركز مجموعة العمل الاقتصادية بل ومجموعات العمل الأربع المنبثقة عن مؤتمر برلين على هذه القضية الأساسية (توحيد المؤسسات) بدلاً من سلب الاختصاصات للأجهزة التنفيذية والرقابية والتشريعية القائمة وتشكيل لجنة أو لجان على أنقاضها.
3- إن مجموعة العمل الاقتصادية يمكنها أن تراقب من بعيد سير العمل وليس بالضرورة أن تقدم لها تقارير تفصيلية على كل شيء، على النحو الذي يقدم للحكومة أو مجلس النواب، بل يكفي، إن لزم الأمر، أن يقدم لمجموعة العمل الاقتصادية تقارير بالمشاكل التي تعترض أو تعيق انسياب العمل لتساهم مجموعة العمل الاقتصادية في انسيابه بصورة أفضل دون تدخل يتعارض مع السيادة الوطنية.

تحدث أيضًا فيما يخص دعم الإدارة المحلية بالتعاون مع عدد من المنظمات الدولية ذات الصلة، حيث قال:


رغم أن المقترح لم يعط تفصيلات حول طبيعة هذا الدعم وترك الإجراء مبهما، إلا أني لا أرى غضاضة في تلقي الدعم المتمثل في المشورة الفنية الأجنبية من المنظمات الدولية ولكن بشكل مباشر دون حاجة لتوسيط اللجنة الاقتصادية الفنية ودون حاجة لبرنامج (إدارة الموارد النفطية) وخاصة أن مثل هذا الدعم قائم الآن بل ومنذ عشرات السنين، وأن ليبيا عضو في معظم، أو ربما كل، المنظمات الدولية، ومثال للدعم أو المشورة الفنية الأجنبية التي أقصدها المشورة الفنية التي تحصل عليها ليبيا عندما تطلبها من صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي. أما الدعم المالي فهو غير مقبول من وجهة نظري لأن ليبيا من الدول المانحة وليست من الدول الفقيرة التي تنتظر المنح الدولية، وإن كانت ليبيا، من جهة أخرى، قد شهدت خلال السنوات الثماني الماضية محاولات واضحة وبتدخل بعض الدول التي نعرفها جيداً لإفقار الدولة الليبية وإفقار شعبها عن طريق إغلاقات النفط وإشعال الحروب وخلق الانقسام السياسي والمؤسسي وإطالة المراحل الانتقالية، وعليه يمكنني القول إن أعظم مساعدة تقدم للشعب الليبي هي إبعاد التدخل الأجنبي بكل أشكاله إلا في إطار المساعي الحميدة وفق القوانين والأعراف الدولية ومواثيق الأمم المتحدة.

أما عن الأهداف العامة لبرنامج (إدارة الموارد النفطية) التي لا يمكن أن يقبلها الشعب الليبي قال:


خلافاً لما يروج له سياسياً فإن الشعب الليبي لا يمكنه أن يقبل بالتنازل عن إدارة ثرواته النفطية أو غير النفطية وتسليمها لدول أجنبية بحجة أن ليبيا تمر بحالة استثنائية. إن برنامج (إدارة الموارد النفطية) قد وضعت له أهداف عامة أراها، مع ذكر سابقاً، تتعارض مع السيادة الليبية وأنها تجعل ليبيا تدار في كل شيء من الخارج من قبل الدول الأجنبية السابق ذكرها وبأدوات ليبية، وفيما يلي بيان الأهداف العامة لهذا البرنامج كما وردت في المقترح والمزمع أن تنفذها اللجنة الاقتصادية الفنية برعاية مجموعة العمل الاقتصادية:
1- الإشراف على آلية إدارة الإيرادات السيادية للدولة وضمان نقلها في الوقت المناسب إلى الحسابات السيادية بمصرف ليبيا المركزي.
2- الإشراف والمساءلة على عمليات تخصيص الأموال لضمان تغطية النفقات والخدمات الأساسية وفق أولويات محددة، مع توفر معايير الشفافية والرقابة والمتابعة وضمان تعزيز الاحتياطي العام بفائض الإيرادات.
3- الإشراف على إنجاح برامج الإدارة المحلية وضمان تنفيذ مخصصات البلديات وفق المعايير المعتمدة للتوزيع (التساوي، النطاق الجغرافي، عدد السكان، الطبيعة الخاصة).
4- الإشراف على إعداد التقارير الشهرية للتحصيل والإنفاق وعرضها ونظرة واحدة لهذه الأهداف يتضح مدى فداحة سلب الاختصاصات السيادية للدولة الليبية ونقلها عبر هذه اللجنة إلى أيد أجنبية سوف يستحيل افتكاكها منها بعد ذلك.

وفيما يلي تعليق مقتضب على كل هدف:


1- الهدف الأول قائم بذاته ولا حاجة لتنفيذه لأي إجراء عدا توجيه رسمي أو لفت نظر يصدر عن ديوان المحاسبة، وهيئة الرقابة الإدارية بضرورة احترام التشريعات النافذة في هذا الخصوص والالتزام بتحويل الإيرادات النفطية خلال 48 ساعة لمصرف ليبيا المركزي، ولكن بما أن هذا الهدف يشمل ضمنياً الإيرادات السيادية غير النفطية )كالضرائب والجمارك، …ألخ( فإنه يمكن لوزير المالية توجيه تعليماته بهذا الخصوص إذا لاحظ أي تأخير في إحالة مثل هذه الإيرادات السيادية، إن النقطة المهمة هنا أن أساس عمل أجهزة الدولة بانتظام وبكفاءة يكمن في الالتزام بالتشريعات النفافذة وأن توجيهاً بذلك يكفي لحل هذه الإشكالية بدلاً من تسليم مقدرات البلد لدول أجنبية تحت أي ذريعة.
2- الهدف الثاني يدعو للاستغراب فعلاً لأن تخصيص الأموال وإن كان يظهر في البداية كمقترح من الحكومة (بناًء على عرض من وزارة المالية) إلا أن القرار النهائي لتخصيص الأموال يصدر عن السلطة التشريعية في شكل قانون للميزانية، وها هو مجلس النواب قد اعتمد ميزانية عام 2022 وخصص من خلالها الأموال بصرف النظر عن عدالة أو عدم عدالة التخصيص فكيف يحق للجنة يتكون أعضاؤها من جهات تتبع مجلس النواب بشكل مباشر (مصرف ليبيا المركزي، اللجنة المالية بمجلس النواب، ديوان المحاسبة، هيئة الرقابة الإدارية) وبشكل غير مباشر (وزارة المالية) أن تقوم بمساءلة مجلس النواب؟! صحيح نعلم أن مجلس النواب مقصر وأنه ضعيف وأنه مجلس نواب أمر واقع، لكن الحل ليس باحتلال البلد والاستيلاء على اختصاصات السلطتين التشريعية والتنفيذية ووضعها في أيد دول أجنبية بل الحل يجب أن يكون بإصلاح الخلل عن طريق معرفة سبب التقصير والضعف الذي أصيب به مجلس النواب وتقديم العلاج الناجع وهو سبب واضح وجلي يعرفه كل متابع.
3- الهدف الثالث تستطيع وزارة الحكم المحلي بالتنسيق مع وزارتي المالية والتخطيط أن تقوم به ولا حاجة للجنة الاقتصادية الفنية ولا توجد مشكلة في ذلك.
4- الهدف الرابع هو الآخر غير منطقي لما يمثله من تدخل غير مبرر وعرض لمعلومات لا يوجد مايضطرنا لعرضها حتى إن لم تكن سرية،وأرى أن يستبدل هذا الهدف بهدف تقديم دورات لموظفي الدولة حول كيفية إعداد التقارير الشهرية وخاصة في ظل استخدام التقنية الحديثة التي أصبح كل الموظفين يتعاملون معها بدرجات متفاوتة.

قال أيضًا فيما يخص التعاون والدعم الدولي واختصاصات اللجنة الاقتصادية الفنية:


ورد في المقترح أنه (ضماناً لتوفير الخبرة الدولية لإنجاح أعمال اللجنة الاقتصادية الفنية يجوز للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية والاتحاد الأوربي وبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا تقديم الدعم اللازم والمشورة الفنية اللازمة لأعمال اللجنة متى تطلب الأمر ذلك)، وفي تقديري هذا جيد ولكن يجب أن يكون بشكل مباشر بين هذه الجهات والمؤسسات الليبية التي تحتاج لمثل هذا الدعم دون حاجة لتوسيط اللجنة الاقتصادية الفنية لأن هذه الأخيرة من خلال ما تقدم ومن خلال بعض الاختصاصات الواردة في المقترح يتعارض عملها مع التشريعات النافذة وتفقد الإدارة الليبية في ظلها الانسيابية في إصدار الأوامر والتعليمات، مما يؤدي إلى التضارب والفساد كما أشرت سابقًا ، فمن جهة يجد الإداريون في مؤسسات الدولة أنفسهم أنهم ملزمون بالقوانين النافذة ومن جهة أخرى يجدون أنفسهم مجبرين على الخضوع للجنة الاقتصادية الفنية بحكم اختصاصاتها، وفيما يتعلق باختصاصات هذه اللجنة فإنه يمكن تقسيمها إلى نوعين من الاختصاصات هما: ( أ )اختصاصات استشارية وهي من حيث المبدأ مقبولة لكونها عبارة عن دراسات أكاديمية، ولكن مع ذلك فهذه الاختصاصات يمكن أن تسند لأي مكتب استشاري محلي أو دولي ولا أتوقع من موظفين أن يتحولوا إلى باحثين أكاديميين إلا إذا اشترط على الجهات المعنية أن يكون ممثلوها ذوي تخصصات ومؤهلات معينة.
(ب)اختصاصات متعارضة مع اختصاصات الإدارة المحلية وهي غير مقبولة من النواحي القانونية والإدارية والسيادية، وفيما يلي هذه الاختصاصات كما ور
د في المقترح مع التعليق على كل منها بين قوسين:


1- تحليل أولويات الإنفاق الحالي وقرارات التخصيص من منظور كفاءة الإنفاق العام والعدالة وتحليل النتائج وإبداء التوصيات بشأنها، (اختصاصات استشارية).
2- تحليل المصروفات المتوقعة للفترة المقبلة حتى 2022/12/31 ومتابعة إجراءات التفويض والإنفاق وإعداد التقارير ذات العلاقة. (التحليل عمل استشاري، أما متابعة إجراءات التفويض والإنفاق فهو عمل إداري يتعارض مع عمل الإدارة المحلية).
3- تسهيل عمليات المراجعة من قبل ديوان المحاسبة لأنشطة الإنفاق المعتمدة بما يضمن تحقيق فعالية الإنفاق العام في الوقت المناسب. (اختصاصات استشارية).
4- مراجعة التقارير المقدمة من مصرف ليبيا المركزي بهدف تطويرها وضمان إبداء التوصيات بشأنها لتوفير المزيد في الإفصاح حول الإنفاق العام بحسب المؤسسات والتوزيع الجغرافي المتفق عليه ،(اختصاصات متعارضة لأن مثل هذه التقارير أولاً يجب أن تصدرها الحكومة ممثلة في وزارة المالية فهي الجهة المسئولة عن صرف الميزانية وعن الإفصاح والشفافية حول الإنفاق العام، ثانياً إن المصرف المركزي يمكنه باعتباره جهة مستقلة عن الحكومة ويتبع السلطة التشريعية أن يقوم بتطوير تقريره بالاستعانة بمن يراه من المكاتب الاستشارية أو المنظمات الدولية الاستشارية إن لزم الأمر، ثالثاً إن عبارة “التوزيع الجغرافي المتفق عليه” ربما غير سليمة لأن ما يسمى التوزيع الجغرافي يجب أن يصدر به قانون من السلطة التشريعية وليس مجرد اتفاق)
. 5- متابعة كيفية إنفاق الأموال بمجرد تحويلها من مصرف ليبيا المركزي بالتنسيق مع الجهات الرقابية (يمكن تقديم دراسة استشارية في هذه النقطة، أما المتابعة فيجب أن تترك للجهات الرقابية بشكل كامل).
6- متابعة عائدات النفط والغاز وضمان الشفافية بشأن تحصيلها، وإحالتها من حسابات المؤسسة الوطنية للنفط إلى حسابات مصرف ليبيا المركزي ومعالجة أي مشكلات بخصوصها، بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة وإعداد التقارير ذات الصلة، (هذا أيضاً متعارض مع اختصاصات الإدارة المحلية وقد سبق أن أشير إلى أن الأمر لا يحتاج إلى أكثر من خطابين يصدران عن ديوان المحاسبة وهيئة الرقابة الإدارية).
7- إبلاغ النائب العام بأي شبهات بالفساد بمجرد توفر الأدلة الكافية (يتعارض مع دور الجهات الرقابية).
8- إعداد التقارير الفنية اللازمة بشان الإنفاق العام ونتائج أعمال اللجنة وذكر المعوقات التي تواجهها بهدف معالجتها،(وهو أيضاً عمل تقوم به مختلف أجهزة الدولة، وعندما يسند للجنة الاقتصادية الفنية فهو لن يأتي بأي جديد عدا تكرار نفس العمل).

وخلاصة كل ماسبق ذكره، قال “زرموح”:


إذا أردنا أن نحافظ على ما تبقى من سيادة الدولة الليبية يجب أن نرفض هذا البرنامج المقترح المسمى (إدارة الموارد النفطية) بسبب ما يتضمنه من مساس بالسيادة الليبية من خلال فرض الهيمنة الأجنبية على أهم مورد سيادي وهو النفط بل ويتعداه إلى المساس بكل الأجهزة التنفيذية والتشريعة للدولة حتى يمكن القول أنه، بتنفيذ هذا البرنامج لن تكون هناك دولة ليبية، إن هذا البرنامج المقترح لا أراه إلا نسخة معدلة من برنامج النفط مقابل الغذاء الذي طبق على العراق منذ عقدين أو أكثر من الزمان، إن الظروف الاستثنائية التي تعيشها ليبيا الآن لا تبرر بأي حال مثل هذا التنازل عن السيادة الوطنية والتدخل الأجنبي المقيت بهذا الشكل وبهذه الدرجة المهينة، إن الشعب الليبي، إذا علم بحقيقة هذا البرنامج المقترح، لن يوافق عليه بأي حال من الأحوال، بل سوف يدينه جملة وتفصيلاً، وإني على ثقة أن الشعب سوف يتوصل إلى حلول أفضل بكثير من هذا البرنامج المقترح من خلال الحوار البناء بين ذوي الاختصاص وليس بالهيمنة الأجنبية، وهو حوار لم يحصل حتى الآن لغلبة التعنت السياسي القائم على الجهل، ولقد أثبت هذا التعليق وهذه الملاحظات أن هناك ثغرات بل ومغالطات لايمكن تمريرها علمياً ولا قانونياً ولا إدارياً ولا سياسياً، إن ما نطلبه من مجموعة العمل الاقتصادية ليس هذا البرنامج المقترح بل نطلب منها مساعدة الليبيين على العمل على توحيد المؤسسات بمختلف أنواعها ومنع ظهور أي أجسام موازية جديدة تحت كل الظروف وذلك تنفيذاً لقرارات مجلس الأمن الصادرة في هذا الخصوص، ومنع تهريب النفط أو تصديره من خلال قنوات غير مشروعة،هذا هو كل المطلوب اقتصادياً في الوقت الحالي.