شركات الدفع الإلكتروني.. خدمات بمخاطر عالية وسوق موازي بنظر المركزي!

590

ساهمت السنوات الماضية في جعل الخدمات التي تقدمها المصارف التجارية سواء العامة والخاصة تتراجع إلى مستويات غير مسبوقة، حتى أن تلك المؤسسات المالية لم تعد قادرة على توفير مرتبات المواطنين ولفترات تجاوزت الأشهر من كل عام؛ نتيجة الأزمة اقتصادية التي كانت ولاتزال مستمرة بسبب الأوضاع السياسية غير المستقرة للبلاد.

وعلى الرغم من أن تأثير الأزمة الاقتصادية دفع المصارف التجارية إلى سلوك طرق أكثر تطورًا خاصة من ناحية آلية الدفع الإلكتروني لتجاوز مشكلة نقص السيولة النقدية، ظلت الكثير منها متأخرة في تبني الوسائط المصرفية الإلكترونية مع استمرارها في العمل وفقا لأساليب تقليدية تتصف بالمخاطر والتكاليف المرتفعة.

وأظهرت بيانات المصرف المركزي وجود تحسن كبير في الخدمات المصرفية الإلكترونية المقدمة من قبل المصارف التجارية بالتعاون مع الشركات الوطنية في السوق المحلي خلال السنوات القليلة الماضية، لكن تلك البطاقات اقتصرت على التعامل بالعملات المحلية فقط، حيث بلغ حجم التعامل بالبطاقات المصرفية في السوق المحلي أكثر 2 مليار دينار مع نهاية العام الماضي 2019.

وظلت عملية تقديم بطاقات ائتمانية عالمية توفر خدمات الشراء والتعامل عبر الإنترنت بالعملة الأجنبية تحديًا حقيقيًا، حيث مثلت تجربة مصرف الأمان في السابق من خلال توفير تلك البطاقات خطوة مهمة على طريق تطوير نظام الدفع اللأكتروني العالمي رغم توقف المصرف عن توفيرها منذ فترة.

وأدى توقف الحصول على النقد الأجنبي عبر بطاقات الائتمان التي تمنحها المصارف التجارية مثل Master Card و Visa، إضافة إلى خدمات التحويلات المباشرة عبر Sweft أو التحويلات عبر moneygram وwestern union، إلى ظهور وكالات لشركات عالمية خاصة في السوق تقدم خدمات الدفع الإلكتروني بالعملات الأجنبية مع بداية العام 2019، رغم احتوائها على مخاطر عالية بسبب الخصومات مرتفعة وجودة حماية بيانات المستخدمين، الأمر الذي جعل المركزي يتدخل ويعلق على المسألة في وقت سابق من العام الحالي بعد إطلاق حملات توعوية في وسائل التواصل الاجتماعي محذرة منها.

سوق موازي

وقال أحد المسؤلين في المصرف المركزي بطرابلس، إن العمل بالبطاقات الإلكترونية التي تملكها شركات أجنبية يشكل سوق موازي إلكتروني لبيع العملة الأجنبية في البلاد والذي يشكل مخاطر كبيرة على القطاع المصرفي، ومؤكدا بأن المركزي لا يعمل في اتجاه تلك الخدمات أو التصريح باستخدامها.

وأوضح مدير إدارة المدفوعات والتسويات بالمصرف المركزي فوزي بوخزام، في مقابلة تلفزيونية تابعتها صحيفة صدى الاقتصادية، بأن بطاقات الدفع الإلكتروني التي ظهرت مؤخرا في السوق تفتقد للشرعية ولكنها أيضا تشكل خطرا على المواطنين وبياناتهم، حيث أن معظم تلك الشركات التي تقدم الخدمات المالية عبر البطاقات ليست محلية.

وأشار إلى أن الخدمات المالية التي تُقدم عبر بطاقات ما يعرف بـ”الكاش يو” وغيرها تعتبر غير قانونية ولم تتقدم تلك الشركات للحصول على إذن مزاولة من المصرف المركزي، مضيفا بأن إدارة المدفوعات والتسويق ليس لها صلاحية للموافقة على مثل هكذا خدمات.

وعد ذلك، توجد في الوقت الحالي 3 شركات محلية تقدم خدمات الدفع الإلكتروني بالدينار بينما تتواجد على طاولة المركزي الكثير من الشركات المماثلة تنتظر الحصول على إذن المزاولة، حيث بلغت عدد نقاط البيع لتلك الشركات ما يقرب من 11 ألف نقطة، إضافة إلى وجود 1,3 مليون بطاقة مصرفية من مختلف الفئات بينها 600 ألف بطاقة تشتغل بالفعل بالسوق المحلي.

ومع هذا، تبقى الخدمات المصرفية العالمية التي توفر إمكانية الشراء والبيع عبر الإنترنت المطلب الأبرز للكثير من المواطنين أصحاب المشاريع الصغيرة والمتاجر الإلكترونية والذين يعملون على حسابهم، مما دفعهم للجوء إلى تلك البطاقات حتى مع وجود مخاطر عالية، في ظل العجز الواضح للنظام المصرفي المحلي.

حملات تحذير

وقال أحد المدونين التقنيين المهتمين بالموضوع، إنه رغم كل شيء تبقى الخدمات المقدمة عبر بطاقات كاش يو وشتيوي باي على سبيل المثال غير قانونية ولايجب التعامل معها من قبل المواطنين.

وأوضح أمين صالح الذي كان من بين الأشخاص المطالبين من المركزي التدخل والتعامل مع الخدمات المقدمة، بأن من يتحدث عن أن بطاقات الكاش يو وشتيوي باي تعتبر حلول جيدة في هذه المرحلة غير صحيح، مضيفا بأن الحلول يجب أن تأتي من المصرف المركزي بطرابلس الجهة الوحيدة التي تملك القرار في هذا الجانب.

وأشار بأن هناك حلول جيدة يمكن الاعتماد عليها من بينها توفير بطاقات إلكترونية مثل فيزا كارت عبر المصارف التجارية والذي كان يقدمها مصرف الأمان في السابق والتي توقفت بعد عامين من إطلاقها في العام 2017 .

وتتمثل الخدمة في إيداع المواطن للأموال بالعملة الصعبة عبر اتباع إجراءات مايعرف بـ “KYC” أو شروط إيداع عملة أجنبية لاستخدامه في الحصول على بطاقة إتمانية عالمية؛ حتى يتمكن الزبون من الحصول على فيزا لأغراض الشراء عبر الإنترنت وأمور أخرى.

ويعتقد صالح بأن المسؤولية كلها تقع على المصرف المركزي بطرابلس من خلال عدم وجود لائحة للدفع الإلكتروني “منشورة” المنظمة لجميع الشركات والبنوك والتي يفترض وجودها في الموقع الرسمي للمصرف مثل كل التشريعات الأخرى.

استمرار الخدمة

من جهة أخرى، قال أحد الممثلين لشركة كاش يو في العاصمة طرابلس، إنهم مستمرين في تقديم الخدمات للعملاء على الرغم من التحذيرات التي أطلقها المصرف المركزي بطرابلس بالأونة الأخيرة.

وأوضح محمد الذي يعمل مع وكيل الشركة في طرابلس، بأن الخدمات متوقفة منذ فترة لغرض التطوير مع عدوم وجود تاريخ محدد لعودة الخدمة، حيث أن الشركة الأم تحاول تطوير خدماتها وأن الموضوع ليس له علاقة بتصريحات المركزي الأخيرة.

وأكد محمد الذي فضل عدم الكشف عن هويته بشكل كامل في تصريح لصحيفة صدى الاقتصادية، بأنهم مستمرين في التعامل مع الشركة على الرغم من أنها تواجه العديد من المشاكل مما جعلها تتوقف عن تقديم الخدمات، مشيرًا في الوقت نفسه إلى أن جميع البيانات والأموال التي تتعلق بالعملاء في مأمن إلى حين عودة الشركة لتزويدهم بالخدمة.

ويوجد وكلاء للشركة التي تقدم خدمة “كاش يو” في مختلف المدن والمناطق حيث يفوق عددم 100 وكيل تقريبًا، وفق ما قاله محمد، وأشار إلى أنه على الرغم توقف أغلب الخدمات التي تقدمها الشركة، إلا أن بعضها لايزال متاحًا من بينها إمكانية الحصول على بطاقات أمازون وغيرها عبر الشراء من موقع الشركة بخدمة الكاش يو.

ويعتقد بأن خدمة كاش يو لاتزال تحظى بثقة الكثيرين في البلاد رغم ما قيل عنها مؤخرًا، حيث يعتبرها من بين أفضل الخدامات التي تقدم حلول مستقرة خلال العامين الماضيين على الأقل ومؤكدًا عودتها في وقت قريب أيضا.

ومما لا شك فيه، يمكن إيجاد الكثير من المبررات لدخول مثل هذه الخدمات التي تقدمها الشركات الأجنبية في البلاد، في ظل تجاهل المصارف التجارية ومن بينها المصرف المركزي في طرابلس عن توفير الخدمات الإلكترونية للمواطنين خاصة العالمية منها والتي يمكن أن تؤدي إلى نشاط السوق حيث أن أغلبها يتعلق بالتجارة الإلكترونية وإدارة المتاجر عبر الإنترنت.

ومع مرور الوقت، فإن هناك ضرورة حتمية لتوفير خدمات الدفع الإلكتروني العالمية عبر البطاقات الائتمانية من قبل المصرف المركزي والمصارف التجارية العاملة في البلاد، والابتعاد عن سياسة التجاهل وعدم التدخل، حيث يجب أن تكون الخدمات من بين الأهداف التي يتضمنها مشروع تطوير القطاع المصرفي في المستقبل القريب.