لماذا تواجه السلطات الاقتصادية صعوبات في ضبط الأسعار بالسوق المحلي؟

353

يمثل السوق الليبي أحد أضعف الأسواق على الأقل في منطقة شمال أفريقيا خاصة من ناحية القوانين التي تنظم العمل التجاري، إضافة إلى القوانين المتعلقة بالضريبة وغيرها من الإجراءات المنظمة للنشاط.

وعلى الرغم من انتقال السوق من النظام الاشتراكي ودخوله إلى الرأسمالية عبر دعم القطاع الخاص منذ فترة ليست بالقصيرة من خلال قانون التجارة الحرة الذي أقر في العام 2010، إلا أن ما نشاهده في الوقت الحالي يشبه إلى حد كبير سوقًا تعصف به الفوضى والاستغلال والمضاربة إن صح التعبير.

عندما ألغى النظام السابق التجارة الحرة في سبعنيات القرن الماضي، أصبحت الأسواق تدار عبر الدولة من خلال تسعيرة موحدة مع خدمات متدنية كثيراً استمرت لسنوات، لكن في مقابل ذلك ظهر تجار السوق السوداء الذين استمر عملهم على ما يبدو حتى مع إنتقال الدولة إلى قانون التجارة الحرة في العام 2010 تحديدًا.

ولكن مع التغيير الذي حدث وفق القانون رقم 23 لذلك العام والمنظم للنشاط التجاري، ظلت السلطات الاقتصادية غير مواكبة للتطور من خلال عدم اتخاذها قرارات لضبط أسعار كافة المنتجات في الأسواق بما في ذلك الخدمات الطبية بالقطاع الخاص والأدوية ووسائل النقل، باستثناء المحروقات التي ظلت أسعارها ثابتة طول الفترة الماضية وإلى الآن.

وعلى ما يبدو جعلت المادة 1284 من قانون 23، الجهات الضبطية بمختلف مسمياتها مغلولة قانونًا من متابعة التسعيرة ومعاقبة المخالفين وتوقيع العقوبات بهم، إضافة إلى إمكانية رفع مزاولي الأنشطة التجارية قضايا ضد الجهات الضبطية عملا بتلك المادة التي تنظم التجارة الحرة وتجعلهم يستغلون مبدأ المنافسة في سوق مضطرب.

لقد سمح قانون التجارة الحرة منذ إعلانه أصحاب الخدمات والأنشطة التجارية والاقتصادية على تحديد أسعار منتجاتهم بدون قيود، مع غياب تسعيرة محددة أو إطار عام يعملون من خلاله من قبل وزارة الاقتصاد والصناعة للمساعدة للتحكم على الأقل بارتفاع الأسعار الجنوني في فترات كثيرة.

ومنذ العام 2011، دخلت البلاد في صراع مستمر على السلطة أثرًا سلبيًا على الاقتصاد المحلي، وفي ظل الفوضى وضعف الدولة المركزية وأدواتها، إضافة إلى اعتماد الدولة على الاستيراد بشكل شبه كامل، كان تأثير الاقفالات المتكررة للنفط والذي يمثل المصدر المالي الوحيد للدولة سلبيًا بكل المقاييس، والذي بدوره أدى إلى ارتفاع سعر العملات الأجنبية في السوق الموازي مما ساعد في انهيار الاستقرار النسبي للسوق والتجارة في البلاد.

أدوات غير فعالة

في جميع المدن والمناطق داخل البلاد، تمتلك وزارات الاقتصاد في حكومة الوفاق الوطني والحكومة المؤقتة مؤسسات صغيرة تسمى مراقبات الاقتصاد والتي أنشأت حديثًا بعد ثورة فبراير بسنوات قليلة.

لكن رغم ذلك، تبدو مراقبات الاقتصاد غير قادرة على مساعدة السلطات الاقتصادية في مراقبة السوق أو التحكم بأسعار المنتجات والسلع القادمة من الخارج على الأقل، رغم انتشارها في جميع البلديات والمجالس التسييرية.

ويظهر أداء المراقبات خاصة بعد نقل اختصاصاتهم إلى البلديات أنها عاجزة تماما على إدارة السوق المحلي من خلال وضع أسعار مناسبة للمنتجات والسلع خاصة في الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد خلال الفترة الماضية وفي الوقت الحالي أيضا، لسبب واحد مهم وهي غياب الدعم من قبل الجهات الاقتصادية الحكومية.

وقال مراقب الاقتصاد والصناعة في مدينة مصراتة مفتاح الإصيفر، إن وزارة الاقتصاد بحكومة الوفاق الوطني الذين يتبعون لها ليست لديها القدرة على التحكم في السوق ووضع الأسعار المناسبة ومراقبة النشاط التجاري بشكل عام.

وأوضح الإصيفر في تصريح لصحيفة صدى الاقتصادية، بأن أداء الوزارة ضعيف جداً حتى أنها تخلت على المراقبات عبر قانون نقل الاختصاصات بسبب فقدانها للميزانية وهربًا من المسؤولية العامة.

وأشار الإصيفر إلى أن تحديد الأسعار الأخير الصادر عن الوزارة في ظل أزمة كورونا أظهر بأنها غائبة تماماً عن ما يحدث في السوق حاليا، إضافة إلى أنه يعتقد بأنها لا تملك حتى البيانات الكافية عن الوضع الاقتصادي للدولة حاليا.

ويعتقد مراقب اقتصاد مصراتة بأن السوق المحلي تأثر كثيرا خاصة مع نهاية العام الماضي وبداية العام الحالي بسبب توقف فتح الاعتمادات المستندية من قبل المركزي التي كان لها دور كبير في استقرار السوق بعد فرض رسوم واضحة على مبيعات النقد الأجنبي وحصول جميع التجار على فرص متكافئة.

ويرى الإصيفر بأن الوضع الاقتصادي أصبح غامضا بالنسبة للمراقبات خاصة في الوقت الراهن بسبب تعذر الحصول على الاعتمادات المستندية بسبب رفض المصرف المركزي السماح بذلك، والذي أدى إلى اتجاه معظم التجار للسوق الموازي وبالتالي رفع أسعار منتجاتهم بصورة كبيرة.

تجارة حرة ولكن!

من جهته قال المسؤول في وزارة الاقتصاد والصناعة بحكومة الوفاق الوطني مصطفى قدارة، إن الوزارة ليست لها علاقة في تحديد الأسعار خاصة في ظل العمل بقانون التجارة الحرة الذي اعتمدته الدولة منذ تسع سنوات مضت.

وأضاف قدارة في تصريح لصحيفة صدى الاقتصادية، بأن الوزارة تتدخل في أوقات الأزمات فقط مثلما حدث خلال الأيام الماضية من خلال تحديد بعض أسعار المنتجات المهمة للمواطن بسبب تأثير أزمة فيروس كورونا على السوق إضافة إلى قدوم شهر رمضان المبارك.

ويعتقد المسؤول بأن قانون التجارة الحرة صنع مبدأ المنافسة بالسوق والذي يعتبر أمراً مهما في تنظيم النشاط التجاري، لكن ضعف الأجهزة الرقابية أثر كثيرًا، حيث أن هناك العديد من التجار في السوق يشتغلون كحلقات وصل بين تجار الجملة والتجزئة ويعملون أيضا على رفع أسعار المنتجات والسلع الأخرى بصورة مبالغ فيها.

إضافة إلى ذلك، يرى قدارة بأن الأزمات السياسية والاقتصادية التي تسبب بها إغلاق النفط وأزمة فيروس كورونا جعلت هناك حالة من الهلع بين المواطنين تسببت في ارتفاع كبير للأسعار في ظل غياب كامل لجمعيات حماية المستهلك للمساعدة في صناعة وعي شعبي لتقليل وطء الأزمة.

وأشار قدارة أيضا إلى أن مبدأ المنافسة في السوق عبر قانون التجارة الحرة مهم جداً، لكن ذلك يعتمد على وجود سعر صرف موحد للعملات الأجنبية مثلما حدث في العام الماضي والذي أدى إلى تقارب الأسعار لكنه لم يدم طويلا حيث أدى توقف منح الاعتمادات المستندية إلى رفع الأسعار مجددًا.

تداخل الاختصاصات

ومع كل ما سبق، وحتى من خلال حصول جميع التجار وأصحاب الأعمال والشركات المستوردة على العملات الأجنبية عبر الاعتمادات المستندية وبسعر موحد ظلت الأسعار غير محددة، حيث هناك هامش كبير يملكه التجار للمناورة ورفع أسعار منتجاتهم بصورة مبالغ فيها، دون تدخل من الجهات الضبطية التي من مهامها حماية المستهلك من الاستغلال والاحتيال في أحيانٍ أخرى.

وقال متحدث باسم جهاز الحرس البلدي، بأنه على الرغم من القرارات التي تصدر من وزارة الاقتصاد بشأن الأسعار فهي غير كافية لردع المخالفين، حيث أنها تعتبر قرارات تصدر في أوقات متقطعة ومتأخرة أيضا وغير فعالة مقارنة بالسابق.

وأضاف يوسف القيلوشي في تصريح لصحيفة صدى الاقتصادية، بأن قرار التجارة الحرة رقم 23 سبب لهم بالكثير من مشاكل ومجموعة قيود فرضها عليهم والتي تمنعهم من مراقبة السوق بصورة مستمرة لمحاولة التحكم والسيطرة على السوق والأسعار بشكل أفضل.

وأشار إلى أن العودة إلى النظام القديم أو تعديل القانون الحالي من خلال دعم الجهات الضبطية لكي يتمكن الجميع من أداء عملهم وتحسين السوق المحلي الذي يتسم بالفوضى.

ويعتقد المسؤل بأن منظومة الرقابة بشكل عام يوجد بها الكثير من الخلل والتضارب في الاختصاصات أحيانا، حيث أن هناك جهات ضبطية من مهامها مراقبة المنتجات والسلع المستوردة عبر المنافذ إلا أنها تعمل ميدانيًا كجسم موازي من خلال تواجدهم في الأسواق والمحلات التجارية والتي هي من اختصاصات الحرس البلدي.

ومع ما سبق، من غير الممكن توقع أن تثمر الجهود التي تبذل في تحسين الوضع الاقتصادي للبلاد في ظل الصراع القائم على السلطة والاحتراب المستمر، إضافة إلى تعرض أهم المنشآت الاقتصادية المتمثلة في الحقول النفطية للاعتداء المتكرر بالإضافة إلى انقسام المصرف المركزي بطرابلس.