ليبيا والتقرير الدوري عن أهداف التنمية المستدامة في قارة أفريقيا للعام 2019 “الجزء الثاني”

354

كتب: د. عبدالله ونيس الترهوني – أخصائي اقتصاديات النقل

تكمن مشكلة إدارة الدولة في ليبيا ومنذ مدة سنوات خلت في عدم وضوح و/ أوتكامل السياسات، وبالتالي صارالجميع يعمل في جزر منعزلة عن الآخرين، والتي أنتجت تعارضاً في السياسات بين الإقاليم المحلية (البلديات) والحكومة المركزية، ونتج عنها تكبيل المواطن والقطاع الأهلي بتشريعات عـفا عنها الزمن وتجاوزتها لغة العصر، وبالتالي فالنتيجة الطبيعية والحتمية هي أنها (التشريعات) لم ولـن تخدم التنمية الشاملة أوالمنشودة، وعليه فمن المنطقي أن تقوم البلديات بتطوير مواردها الطبيعية والبشرية، وتسويق خصائصها المميزة، كما أنه عليها السعي لأجل خلق شراكات جديدة، وبيئة استثمار صحيحة، لغرض جذب المزيد من المستثمرين سواءً كانوا محليين أو أجانب، وكل هذا يتماشى مع ما أكدت عليه أغلب الدراسات التنموية الليبية والتي دعت بكل جلاء إلى ضرورة خلق بدائل دخل غير النفط منذ الآن، وذلك بالتركيزعلى مكونات وفرص الاقتصاد الجديد، وتنشيط القطاع الأهلي (الخاص)، ومنح الأولوية للمشاريع الصغرى والمتوسطة، وذلك للحد من شأفة البطالة والفقر، ولمعالجة تضخم الجهاز الحكومي وترهله، وللخروج من مأزق الاقتصاد الريعي المُحفز لبيئة وثقافة الفساد والنهب، وهو المعتمد أساساً على مورد واحد يتميز بالنضوب وبالتذبذب وفق الأحوال والظروف العالمية خارجياً، أو الحالة الأمنية داخلياً، كل هذا لابد وأن يتم دون تحميل خزينة الدولة أي أعباء (قدر الإمكان)، وفي المقابل فإن الاستثمار في صناعة النفط لازال مطلباً مُلحاً لأن النفط سيبقى مصدر الطاقة الأول في العالم في أفق 2035 على الأقل، وهذا يعني أن جزءًا من إيراد النفط في ليبيا سيذهب في الاستثمار في هذا الجانب.

لقد صدر تقريرالتنمية المستدامة في أفريقيا للعام 2019 في منتصف العام، وهو يقع في 240 صفحة، وفيه وردت كلمة ليبيا في 120 موضعاً، وقد أشار التقرير صراحةً إلى أنه وعلى الرغم من وجود تحديث مستمر لبعض (وليس كل البيانات) وذلك عبر نافذة في موقع إلكتروني حكومي ليبي هو غير مخصص في الأساس لأهداف التنمية المستدامة، إلا أن هناك غيابًا لبعض البيانات الهامة من طرف دولتي ليبيا والسيشل قد تسبب في عدم وضع أي ترتيب لهما ضمن قائمة ترتيب دول القارة في تقرير العام 2019، ولقد أظهر التقرير وكما هو موضح بالصورة المرفقة تباطؤاً واضحاً في معظم الأهداف السبعة عشر الأساسية في ليبيا، كما أن بعض الأهداف الفرعية لا توجد لها أي بيانات على الإطلاق:- كمقياس مقاومة الفقر والجوع والحماية الاجتماعية للسكان، ومقياس جودة التعليم، ومؤشر التمييز بين الجنسين، ومؤشر استخدام الطاقات النظيفة والمتجددة، ومؤشر تأثر المواطنين بالتغييرات المناخية، ومؤشر التفاوت الطبقى وعدم العدالة، ومؤشر البحث والتطوير، ومؤشر بيانات دخل المواطنين، ومؤشر المواطنين القاطنين في تجمعات عمرانية، ومؤشر كمية وطرق جمع القمامة من طرف السلطات المحلية، وفي مقابل ذلك فقد تصدرت ليبيا قائمة ترتيب الدول الافريقية في العام 2019 في بعض المؤشرات الفرعية الأخرى نذكر منها:- أن ليبيا هي أقل دولة في القارة الأفريقية في معدل وفيات الأمهات أثناء الإنجاب، وأنها الدولة الأفضل في مؤشر الرعاية الصحية للأطفال حديثى الولادة أيضاً، كما أنها تتصدر الدول الافريقية في حصول المواطنين على منظومة الصرف الصحي واستعمالها، كما أن الوصول إلى الكهرباء قد تحسن في ليبيا بالرغم من الانقطاعات المستمرة للتيار الكهربائي، وبالمناسبة فقد حلت ليبيا في المركز السابع أفريقياً في سهولة الوصول إلى التيار الكهربائي، كما أشار التقرير أيضاً إلى التزام الموردين في سداد الرسوم الجمركية على الواردات (بالرغم من أنها لا تصل حتى لربع المستهدف منها وذلك بحسب البيانات الرسمية الصادرة عن وزارة المالية ومصرف ليبيا المركزي)، وكل هذه النقاط الإيجابية تُحسب لليبيا بكل تأكيد.

لقد أوضح التقرير أيضاً ارتفاع نسبة جرائم القتل في ليبيا، وأوضح أيضاً أن الناتج المحلى الإجمالي على أساس 5 سنوات قد انخفض بأكثر من 5%، وكل هذا يُنذر وبكل أسف بتدهور أحوال المواطن الليبي أكثر فأكثر من جهة، كما ستتأثر باقي أهداف التنمية المستدامة سلباً بمرور الوقت من جهة أخرى، ومن جانب آخر يعزو البعض تأخر ليبيا في مواكبة أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة بسبب حالة عدم الاستقرار والنزاعات المسلحة المتكررة منذ العام 2011، فالحكومات المتعاقبة منشغلة في الانقسام والصراعات ومواجهة الأزمات التي لا تنتهي، وكل الحكومات الليبية منذ العام 2011 وبدون استثناء تعمل من خلال ردود الأفعال، ولم تصل إلى مستوى الكفاءة التي تُمكنها من الموازنة بين احتواء الضغوط والتخطيط للمستقبل، وبالتالي فإن الكلام عن الأفعال والمبادرات من طرف الحكومات الليبية هو شئ بعيد المنال، بل أنه ليس من أولوياتها، وبالتالي فلاغرو من تجاهلها لأي رؤية أو حتى مجرد التفكير في رسم خطة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، والجدير بالذكر أن تقرير أهداف التنمية المستدامة في أفريقيا للعام 2019 قـد صنف كل دول جوار ليبيا العربية وهي مصر وتونس والجزائر، بالإضافة إلى بعض الدول الأخرى مثل المملكة المغربية وموريشيوس وساتومي بالدول الرائـدة في القارة الافريقية في تقرير العام 2019 للتنمية المستدامة، وفي موضوع ذو صلة صدر قبل أيام تـقرير ليجاتـوم للازدهــار2019 The Legatum Prosperity Index، والذي يتكون من 12 مؤشراً، وقد تراجعت ليبيا فيه من المركز 123 في 2009 إلى المركز 126 في العام 2011 ، ثم إلى المركز 127 في العام 2013 ، وإلى المركز137 في العام 2016، وصولاً إلى المركز 147 من أصل 167 دولة شملها تقرير العام 2019، حيث تراجعت ليبيا (وإن كان بشكل متذبذب) خلال هذه الفترة في كل معايير ومؤشرات هذا التقرير.

في الختام أشد على أيدي لجنة أهداف التنمية المستدامة ببلادنا العزيزة ليبيا، والتي تسعى لإظهار ليبيا في النسخة القادمة من التقرير بالمظهر الصحيح، وأتمنى في الوقت ذاته أن تحذو ليبيا حذو الدول التي بنت الإنسان في غياب الموارد الطبيعية لتتبوأ مكانة مرموقة بين دول العالم، ولنا في تجربة اليابان خير مثال: حيث عملت على نشر الوعي بين الشباب وخريجي الجامعات والمعاهد من خلال تملك مشروعات منتجة، والتي حققت نتائج أفضل من الوظائف الحكومية، وبالتالي فأنا أدعو إلى ضرورة اهتمام الجهات الرسمية المسؤولة عن التدريب والتعليم في ليبيا بنقل التجارب الناجحة للدول، وتشجيع شركات القطاع العام الليبية في الاعتماد على منتجات المشرعات الصغيرة المحلية بدلاً من استيرادها من الخارج، وأن هناك ضرورة لإنشاء بنك للمعلومات لكي يستفيد منه الجميع، بهدف معرفة العرض والطلب والفرص المتاحة في كل قطاع، وضرورة تشجيع الهجرة إلى خارج المدن الكبرى والمناطق الحضرية، وذلك من خلال خلق مشروعات صغيرة، وبنية تحتية جيدة، وتشجيع الأفراد على ترك العمل الحكومي.

رابط الجزء الأول من المقال: