محمد بعيو يكتب “التزييف الخطير في بيان الصديق الكبير”

1٬283

كتب: الكاتب الصحفي “محمد بعيو”

احتساباً لله وحده وطلباً لرضاه، وتحسباً ليوم لا ينفع فيه مالٌ ولا بنون إلاّ من أتى اللهَ بقلب سليم، وحيث يصبح كتم الشهادة إثمٌ للقلب، وحيث لا قيمة لرضى البشر إذا نالك من الله الغضب، لابد أن تتكلم، بما أنت موقنٌ أنه الحق، وأن ترفض وترجم ما تعرف أنت أنه الباطل، خاصةً إذا كان الحق في مقام البلج، وكان الباطل في موضع اللجج.

وعلى أعتاب الوطن تسقط كل المجاملات والصداقات والعلاقات، ما دام الوطن وشعبه سيكون ضحية تلك الأشياء منفردةً أو مجتمعة. وفي حضرة التاريخ وبين أيدي الحقيقة لا يبقى سوى خيار واحد يجنبك اللعنة، هو أن تنطق في الوقت المناسب، وقبل فوات الأوان، بما ينصر الحق ويهزم الباطل.

رداً على بيان السيد فائز السراج رئيس المجلس الرئاسي الصادر يوم الخميس الماضي 2 أبريل 2020، بالدعوة إلى انعقاد مجلس إدارة مصرف لـــيـبـيـــا المركزي، أصدر المحافظ السيد الصديق الكبير بياناً مليئاً بالكذب والتدليس، مما أنا شاهد على حقيقته عياناً وبياناً لا نقلاً ولا ظناً، وإليكم أيها الليبيون تفنيداً لهذه المزاعم:-

1- يزعم السيد الصديق الكبير أنه منذ 2015 وهو يبادر بطلب توحيد مصرف لـــيـبـيـــا المركزي، بعد إجراء التدقيق الشامل لعمليات المصرفين في طرابلس والبيضاء، وهذا ليس صحيحاً على الإطلاق من الناحية العملية، بغض النظر عن الدعوات الكلامية الفارغة من المضمون الفعلي، فالرجل عمل كل ما في وسعه لإبقاء الحال على ما هو عليه، حيث زاده الانقسام قوةً ونفوذاً وسطوةً وطغياناً، من حيث سيطرته على الاحتياطيات بالعملة الصعبة، وانفراده بسلطة التحويلات والاعتمادات، واستخدامه لهذه السلطة في المساومات والمناورات بغرض بقائه في كرسيه حتى الموت، وشرائه لذمم معظم شخوص السلطات السياسية والتشريعية والتنفيذية والأمنية والميليشيات، ولم يعجز إلا أمام المؤسسة القضائية الشامخة التي رغم محاولاته اختراقها في بعض المواضع مما ستتكشف حقائقه مع الأيام، لم يتمكن من تدجينها ولا ترويضها مِن أعلى سلمها قيادياً حتى أدناه تراتبياً.

2-أما بخصوص التدقيق الدولي على عمليات المصرف المنقسم، فالذي بادر إلى طلبه رسمياً من المجتمع الدولي هو السيد رئيس المجلس الرئاسي، وادّعى الصديق الكبير قبوله من باب المناورة وكسب الوقت، وفعل كل ما يستطيع لتأخير الشروع فيه وإنجازه، فهو يعرف أن التدقيق الدولي المحترف المحترم النزيه لن يكون في مصلحته على الإطلاق، وسيكشف حجم الاستغلال غير القانوني وغير المشروع لأموال واحتياطيات الليبيين الواقعة تحت سلطته المفردة المطلقة، في الفساد السياسي والاقتصادي الداخلي والخارجي، بل ربما في دعم الإرهاب بطرق غير مباشرة، بعلمه أو بدون علمه، وفي المضاربات على العملة، وفي إشعال الحروب الأهلية، وفي تخريب السلم الأهلي من خلال منظومة من الأتباع الخاضعين ومن التجار الفاسدين معروفين بالاسم، وفي تغيير بنية الاقتصاد نهائياً إلى اقتصاد مضاربات وسمسرات وتهريب، لا يرتبط فيه الربح وخلق الثروة بالعمل والإنتاج، وفي سحق الطبقة الوسطى، وتحويل المجرمين والفاسدين والسماسرة والمهربين إلى أثرياء فاحشي الثراء دون أي منطق ولا حق.

وعندما وصلت عمليات الترسية والاختيار للشركات الدولية التي ستتولى مهمة التدقيق، وانتهت الذرائع ولم تعد المماطلة تُجدي، وأصبح لزاماً توقيع العقد والشروع في العمل، لجأ السيد الصديق الكبير إلى حلفائه الذين يستخدمونه متى أرادوا ويستخدمهم متى شاء، حزب الإخوان المسلمين، والذين صالحوه على السيد خالد شكشك رئيس ديوان المحاسبة، ليتولى الأخير استخدام سلطاته المزعومة في إيقاف التعاقد، بمزاعم ودعاوى باطلة، سأقوم بشرحها وتفنيدها وكشفها في مقال آخر، فقد أجبرت المصالح المشتركة، والمصير المشترك، وتعليمات المعبد الكهنوتي الأعلى، الرجلين الذين يكرهان ويحتقران بعضهما، على التلاقي من جديد، بل والتحالف بعد نحو أربع سنوات من القطيعة والجفاء والحرب والصراع.

3- يقول السيد الصديق الكبير في بيانه الغبي، إنه قدم الدعم اللازم لوزارة الصحة في مواجهة وباء كورونا، فهل من مهام المصرف المركزي تقديم الدعم لأي جهة كانت، أم هذه مسؤوليات واختصاصات السلطة التنفيذية، أم أن الرجل فقد عقله بسبب طغيانه، فكتب ما يُدينه قانونياً، ويثبت استخدام المال العام المؤتمن عليه في غير مجاله.

المصارف لا تدعم أيها المحافظ، بل الحكومات هي التي تدعم، وباشتراطات وآليات محددة.. المصارف وعلى رأسها مصرفك المركزي، تدفع الأموال لأصحاب الودائع والحسابات، من الحكومة إلى أي متعامل صاحب حساب، وتُقرض وتأتمن وتستثمر، ولا تدعم، وإلا أصبحت مجرّمةً بحكم القانون بسوء التصرف والإهدار والفساد.

4- يقول بيان السيد الصديق الكبير، إن المصرف المركزي قام بتنفيذ مرتبات يناير وفبراير ومارس 2020 مجتمعة، أي أنه عطلها عن موعد استحقاقها شهراً بشهر، حسب أذونات الصرف المحالة إليه من وزارة المالية، متذرعاً عن غير حق بتأخر اعتماد الترتيبات المالية لسنة 2020، وهذا عدا كونه تدليساً فهو مرفوض ولا يمكن قبوله تبريراً للتأخير المتعمد، الذي أساسه مزاج المحافظ الشخصي، ومناكفته للمجلس الرئاسي، وكراهيته الشخصية لوزير المالية المفوض، وتلك والله كارثة الكوارث، فكيف تخضع حقوق الليبيين خاصة في معيشتهم المرتبطة بالمرتبات والمعاشات، لمزاج شخص واحد يكره ويحب، ويرضى ويغضب، ويمنح ويمنع، وقد جرت العادة والسياق أن لا ترتبط عملية دفع المرتبات الشهرية باعتماد الميزانيات، أو الترتيبات المالية، بل تُدفع انتظاماً منذ بداية العام كمديونية تحت الحساب، ثم تتم تسويتها محاسبياً ومستندياً، بين وزارة المالية والمصرف المركزي.

ثم إن جريمة تأخير دفع المرتبات، أدت إلى وقوع الضرر الاقتصادي، بدخول نحو 6 مليارات دينار، هي إجمالي مرتبات الأشهر الثلاث إلى السوق دفعة واحدة، مما أدى إلى الضغط على السلع والخدمات وارتفاع أسعارها، ومن المعروف اقتصادياً أن أية كمية من النقود لا تقابلها كميات من السلع تخلق ما يُعرف بحالة التضخم، وهو ظاهرة مكروهة في الاقتصاد، فكيف إذا كان هذا التضخم مصنوعاً ومقصوداً وناتجاً عن سوء تصرف السيد المحافظ وطغيانه ونزقه وعدم تقديره للمسؤولية.

وإلى جريمة إحداث التضخم المفتعل، ورفع الأسعار، وتخفيض القوة الشرائية للدينار، ارتكب المحافظ جريمة أمن قومي، وألحق الأذى المباشر بالمواطنين الليبيين، بإرغامهم على التكدس في المصارف لسحب مرتباتهم، في ظل بداية انتشار وباء كورونا {عافاكم الله}، والذي يتطلب التعامل معه وقايةً وحماية، منع الازدحام في أي مكان وبأي صورة كان.

5-يخلط بيان السيد المحافظ عمداً وتزويراً بين إقفال المنظومة على فرع المصرف المركزي بنغازي سنة 2014، وبين إيقاف منظومة المقاصة الألكترونية بين المصارف والفروع نهائياً منذ نحو 15 شهراً، وهو إجراء متعسف خاطيء، آذى معظم أصحاب الحسابات المصرفية، وتسبب في تعطيل التدفقات النقدية وتحريك الودائع بين المصارف، وإفلاس بعضها واقعياً، وسينتج عنه إذا استمر انهيار النظام المصرف الليبي بالكامل خلال مدة لا تتجاوز شهر يونيو القادم.

وهي كوارث ما كانت لتحدث، مهما كانت المخالفات التي من مسؤولية مصرف لـــيـبـيـــا المركزي ضبطها ومعالجتها، لو كان مجلس إدارته يعمل بشكل طبيعي، ولم يكن على رأس المصرف متسلطاً منفرداً، شخـصٌ ثبت للأسف، أنه يعاني ضعفاً شديداً في مداركه ومناعته الوطنية.

6- لو كان السيد الصديق الكبير يستشعر كما يزعم في بيانه حالة الضرورة والظروف الاستثنائية، ويراعي الصالح العام ويحرص على توحيد الجهود وتكاثفها كما يزعم كذباً وزوراً، لما كان أقفل منظومة التحويلات فجأة، ودون سابق إنذار ولا تنسيق ولا إخطار، مما أوقف تدفق السلع ووضع الوطن كله في أعلى درجات الخطر، وجعل الشعب على مشارف الجوع، بل وأن هناك معلومات يجري التثبت منها تقول إن المحافظ أوقف المنظومة بعدما فتح اعتمادات بمبالغ كبيرة للتماسيبح الكبار من التجار، وساهم في رفع سعر الدولار في السوق السوداء ليستفيد سماسرة العملة مرتين، مرة عند إغلاق المنظومة وأخرى عند فتحها.

وهذه قصةٌ أخرى خطيرة أنا شاهد عيان عليها، وشريك في المساعي الحميدة لتداركها، لكن تجبر وعناد وطغيان السيد الصديق الكبير أضاع كل الجهود وخرب كل المساعي، وليس لما فعله عن سابق قصد وإصرارٍ سوى توصيف واحد هو الخيانة العظمى.

نعم أنت أيها المواطن الصديق عمر الكبير الذي تشغل وظيفة محافظ مصرف لـــيـبـيـــا المركزي، ارتكبت جريمة الخيانة العظمى، بما فعلته قصداً وعمداً للإضرار بمصالح الوطن وحقوق الشعب في زمن الوباء وحالة الطواريْ، وأنا مسؤول عن اتهامي هذا، ومستعد لتحمل تبعاته، وأدعو النيابة العامة إلى اعتباره إخطاراً وإبلاغاً، ولتتصرف على أساسه باعتبارها وفق المستقر من قواعد القانون الوصي الأمين على الدعوى العمومية.

ليقل من شاء بحقي ما شاء، فوحقِّ الله الواحد الأحد، الذي رفع بالحق السماء بلا عمد، لن أختار باطلاً على الحق، ولن أنحاز لشخص مهما علا به المقام، وتوثقت بيننا الأواصر، على الوطن وشعبه، وليكن ما يكون، فالوطن قدر وليس وجهة نظر. ولـتـبـق لـــيـبـيــا حـتـى زوال الـزمـن.