هل يملك المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني إصدار تعليماته لفتح منظومة بيع النقد الأجنبي؟

1٬543

كتب: الخبير القانوني “نزار الجدي”

إن المتابع للشأن الليبي يلاحظ أن هناك جدل قانوني قائم بين مؤسسات الدولة ( المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني – مصرف ليبيا المركزي – المجلس الأعلى للقضاء) حول صلاحيات المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني بإصدار تعليمات لفتح منظومة بيع النقد الأجنبي، لذا فقد قررنا تناول هذا الموضوع وأيضاً التطرق بالأساس إلى موضوع صحة قرار فرض الرسوم على بيع النقد الأجنبي الصادر من المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني.

أولاً:- صحة قرار فرض الرسم على بيع النقد الأجنبي الصادر من المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني

بعد الإطلاع على التشريعات ذات العلاقة والمواضيع ذات الصلة نجد بأن القانون رقم 1 لسنة 2005م بشأن قانون المصارف وتعديلاته، قد منح حق تعديل سعر الصرف  الرسمي لمجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي، كما أن فكرة ابتداع فرض الرسوم على بيع النقد الأجنبي هو أمر يجانب الصواب، ذلك أن الرسوم تكون مقابل خدمة تقدم للأفراد على خلاف الضريبة – قيمة مالية تحددها الدولة بهدف تمويل نفقاتها ويلزم الأفراد الطبيعيين والاعتباريين بدفعها بصورة نهائية ودون الحصول على منفعة محددة في المقابل-.

وفي ضوء الاستحالة المادية لتعديل سعر الصرف لانقسام مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي كان من الأجدى أن يصدر قانون ينص على ضريبة بيع النقد الأجنبي بدلاً من خلق حل يخالف التشريعات والقواعد العامة هذا من جانب، ومن جانب آخر حتى وإن قبلنا جدلاً بصحة قرار فرض الرسوم  – وهو ليس الحال- فإنه ليس من المعقول أن تتجاوز قيمة الرسوم قيمة سعر الصرف الرسمي؟!

ويتضح للمتابع أن المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني على علم مسبق بمخالفة مثل هذا الإجراء للتشريعات والقواعد العامة لذا فقد اشترط على المواطن الراغب في شراء النقد الأجنبي التوقيع على تعهد بعدم المطالبة بترجيع قيمة الرسوم المدفوعة، وحيث أن إلزام المواطن على توقيع مثل هكذا تعهد إنما هو إكراه معنوي لأن المواطن سيجد نفسه بحاجة إلى نقد أجنبي قابل للتحويل حال ما قرر السفر خارج الدولة الليبية أو كان لديه التزام خارجي واجب السداد، ولا خيار أمامه إلا توقيع التعهد.

لهذا فإن رجوع المواطن على الدولة في وقت لاحق للمطالبة باسترجاع ما دفعه هو أمر غير مستبعد، وسيكون الفيصل فيه هو القضاء الليبي.

ثانيا:- صلاحيات المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني بالإذن بفتح منظومة بيع النقد الأجنبي

إن التعليمات الصادرة من السيد/ رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني لمصرف ليبيا المركزي بشأن فتح منظومة بيع النقد الأجنبي، وما ورد في كتاب السيد مستشار/ رئيس المحكمة العليا و المجلس الأعلى للقضاء، الذي يحمل الرقم 513، والمؤرخ في 12/4/2020، حول الصلاحيات الاستثنائية للسلطة التنفيذية أثناء إعلان حالة الطوارئ ، أمر يحتاج إلى تفصيل وهو كالتالي:-

  1. إن كتاب السيد مستشار/ رئيس المحكمة العليا و المجلس الأعلى للقضاء، المشار إليه أعلاه نص على إعلان حالة الطوارئ كقاعدة عامة يمنح بعض الصلاحيات الاستثنائية للسلطة التنفيذية بالدولة، إلا أن هذه الصلاحيات الاستثنائية لم توضح صراحة في هذا الكتاب مما يستوجب علينا البحث عن مصدرها، ومدى صحة الإعلان.
  2. إن الإعلان الدستوري لسنة 2011 وتعديلاته نص على النصاب اللازم توفره عند اعتماد السلطة التشريعية مشروع قانون (إعلان حالة الطوارئ ورفعها) ولم يذهب أبعد من ذلك في هذا الخصوص.
  3. إن القانون رقم ( 21 ) لسنة 1991م بشأن التعبئة ( حالة الطوارئ و الأحكام العرفية) –ألغى ضمنياً القانونين الصادرين سنة 1955 بمرسوم بشأن الأحكام العرفية وحالة الطوارئ لذا فلا يجوز الاستناد على أيٍّ منهما-، نص في مادته الثالثة على أن السلطة التشريعية هي المختصة بإعلان التعبئة، وكما نص في نفس المادة المشار إليها على الحالات التي يتم فيها إعلان التعبئة وإحدى هذه الحالات هي “… حدوث كوارث أو أوبئة أو غيرها مما يهدد حياة السكان وأمنهم وسلامتهم….” وحيث أن حالة الطوارئ الماثلة أمامنا هي مواجهة وباء فيروس كورونا المستجد COVID-19، لذا فإن إعلان حالة الطوارئ (التعبئة) يجب أن يتم من قبل السلطة التشريعية لا التنفيذية.
  4. إذا ما أخذنا بمواد الاتفاق السياسي الليبي فقد نص في مادته الثامنة الفقرة الثانية على أن قرار إعلان حالة الطوارئ هي من اختصاص مجلس الوزراء المتكون من رئيس مجلس الوزراء و نوابه وثلاث وزراء، كما اشترط الاتفاق على أن يتخذ القرار بإجماع رئيس مجلس الوزراء ونوابه و ذلك بعد موافقة مجلس الدفاع والأمن القومي، وعلى أن يعرض الأمر على مجلس النواب، خلال فترة لا تتجاوز عشرة 10 أيام من صدوره لاعتماده، وهو ما لم يتحقق.
  5. إن قانون المصارف رقم 1 لسنة 2005م وتعديلاته، قد أوكل إدارة احتياطات النقد الأجنبي لمصرف ليبيا المركزي على أن تكون في إطار السياسة العامة للدولة، كما نص أيضا على أن مصرف ليبيا المركزي هو المسؤول على تنظيم السياسة النقدية والإشراف على تحويل العملة داخل ليبيا وخارجها، لذا فإن هذا الأمر يقودنا للسؤال عن السياسة العامة للدولة من يضعها ومن ينفذها، وهل للمصرف المركزي حق الاعتراض على أوامر رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني في نطاق التصرف في احتياطات النقد الأجنبي للدولة.
  6. إجابة على السؤال المطروح في النقطة الخامسة  فإن الإعلان الدستوري قد نص في مواده على أن السلطة التشريعية هي المختصة بوضع السياسة العامة للدولة، على أن تتولى السلطة التنفيذية تنفيذها.

وبناءً على ما سبق توضيحه فإننا ننتهي إلى ما يلي:-

  1. إن فرض رسوم على بيع النقد الأجنبي يخالف التشريعات والقواعد العامة، وإن تعديل سعر الصرف الأجنبي هو الطريق الأمثل والمتوافق مع صحيح القانون.
  2. في ضوء الاستحالة المادية لاجتماع مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي، فإن السلطة التنفيذية بإمكانها تقديم مشروع قانون للسلطة التشريعية يقترح فيه فرض ضريبة على بيع النقد الأجنبي.
  3. إن التعهد المكتوب الذي يلزم المواطن على توقيعه والذي يتنازل بموجبه عن أي مطالبة لاحقة للرسوم المفروضة هي محل جدل والفيصل فيه هو القضاء الليبي حال رفع الأمر إليه.
  4. إن إعلان حالة الطوارئ تم بالمخالفة للقانون لأنه صدر من السلطة التنفيذية لا التشريعية، كما أن الإعلان الصادر من المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني تم بالمخالفة لمواد وإجراءات الاتفاق السياسي الليبي.
  5. إن مصرف ليبيا المركزي هو من ينظم السياسة النقدية ويشرف على تحويل العملة داخل ليبيا وخارجها كما أنه يدير احتياط النقد الأجنبي للدولة وفقاً للقانون على أن يتم ذلك في إطار السياسة العامة للدولة، وحيث أن السلطة التنفيذية هي الملزمة بتنفيذ تلك السياسة وفقاً للإعلان الدستوري، لذا فإن مدى صحة الأمر الصادر من رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، ورفض مصرف ليبيا المركزي، موقوف على معرفة السياسة العامة للدولة الموضوعة من السلطة التشريعية.