“هيومن رايتس ووتش” تتهم الإمارات بتنفيذ هجوم مصنع السنبلة جنوب طرابلس وتطالبها بتعويض الضحايا

359

اتهمت منظمة هيومن رايتس ووتش اليوم الأربعاء دولة الإمارات العربية المتحدة بالوقوف وراء الهجوم الذي شنته طائرة بدون طيار على “مصنع السنبلة” بمنطقة وادي الربيع جنوب العاصمة طرابلس شهر نوفمبر الماضي وأسفر عن مقتل 8 مدينيين وإصابة 27 آخرين.

وقال مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالإنابة في هيومن رايتس ووتش “إريك غولدستين”: إن “الإمارات هاجمت مصنعا للمنتجات الغذائية، دون دليل على وجود أهداف عسكرية فيه” مضيفا أن “عدم التحقق من أن العمال هناك كانوا مدنيين ومن عدم وجود هدف عسكري مشروع يُظهر التهور والمعلومات الاستخبارية الخاطئة”، بحسب تعبيره.

وأضافت المنظمة أن باحثة من هيومن رايتس ووتش زارت مكان الهجوم في ديسمبر الماضي ووثّقت الأضرار المادية التي ألحقتها الصواريخ الموجهة التي أطلقتها طائرات مُسيّرة بالمصنع وعثرت على بقايا من الأسلحة، ولم تجِد هيومن رايتس ووتش أي أهداف عسكرية في المنطقة، وألحقت الغارات أضرارا بالمبنى ودمّرت شاحنة وسيارة وتوقّف المصنع عن العمل بعد الهجوم.

وأوضحت هيومن رايتس ووتش أنها عثرت في موقع الغارة على بقايا أربعة صواريخ على الأقل من طراز “بلو آرو – 7” (Blue Arrow-7) الموجهة بالليزر التي أطلقتها طائرة مُسيّرة من طراز “وينغ لونغ – 2” (Wing Loong-II)، مشيرة إلى أن دولة الإمارات هي وحدها من تستخدم هذا الطراز من الطائرات المُسيّرة والصواريخ في ليبيا.

وذكرت المنظمة أن باحثة تابعة لها قابلت خمسة أشخاص كانوا في موقع القصف وهم موظفَيْن من شركة السنبلة كانا موجودَيْن يوم الغارة، وثلاثة موظفين آخرين أصيبوا أثناء الهجوم وكانوا يتعالجون في منشأة قريبة تابعة للشركة، وأكدوا جميعا أن خمسة صواريخ أُطلقت جميعها في غضون بضع دقائق.

وأشارت هيومن رايتس ووتش إلى أن موقع الهجوم هو مجمّع صناعي يضم عدة عنابر صناعية تُستخدم في الغالب كمستودعات لتخزين المواد الخام والمعدات، وتٌنتج الشركة أكثر من 20 نوعا من المواد الغذائية، مضيفة أن المنطقة المحيطة تضم بمعظمها أراض زراعية إضافة إلى بعض المنازل الفردية ومصانع أخرى بما فيها مصنع مناديل ورقية ومصنع طحين وهي ليست قريبة من بعضها البعض.

وبحسب المنظمة فإن صُوَر الأقمار الصناعية الملتقطة منذ بداية أبريل الماضي تظهر بناء نقطة تفتيش محتملة على الطريق الرئيسي المجاور لمجمّع المصنع، على بعد 75 متر شرق مسجد عمر بن الخطاب، فيما تُظهر صور أخرى في فبراير حواجز إضافية على الطريق ضمن نطاق الحاجز الواضح.

وأكدت المنظمة أنه عند زيارتها للموقع في ديسمبر لم يُشاهد الباحثون أي علامة على وجود جماعات مسلحة في المنشأة، وقال الموظفون للمنظمة إن أقرب وجود عسكري في وقت الهجوم كان مستشفى ميداني في مسجد آخر يبعد 1.5 كيلومتر على الأقل، كما أن خط الجبهة يبعد عن الموقع 5 إلى 6 كيلومترًا.

وأسفر الهجوم عن مقتل 8 أشخاص؛ سبعة منهم من العاملين بالمصنع قُتلوا على الفور، أما الثامن فهو بنغلاديشي الجنسية وتوفي متأثرا بجراحه بعد عشرة أيام في مستشفى بالعاصمة طرابلس.

وقالت منظمة هيومن رايتس ووتش “يبدو أن الإمارات لم تتخذ إجراءات تُذكر لتقليل الأذى اللاحق بالمدنيين في هجومها وينبغي لها إجراء تحقيق شفاف في هذا الحادث، ونشر النتائج علنا، وتعويض الضحايا أو أسرهم”، مضيفة أنها راسلت السلطات الإماراتية في 17 أبريل الماضي لتطلب معلومات حول أي تحقيق قد تكون السلطات قد فتحته السلطات في الهجمات بطائرات مسيّرة التي حدثت في 18 نوفمبر والخطوات التي اتخذتها لتخفيف الضرر اللاحق بالمدنيين، وحتى تاريخ كتابة هذه السطور لم تستلم هيومن رايتس ووتش أي إجابة.

وقال مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالإنابة في هيومن رايتس ووتش “إريك غولدستين”: “تقصف الطائرات المقاتلة والطائرات المُسيّرة الإماراتية العاصمة طرابلس منذ عام، دون أدنى احترام على ما يبدو لحياة المدنيين، الحاجة مُلحّة لكي يدقّق مجلس حقوق الإنسان الأممي في سجل الإمارات الدموي في ليبيا”.

وطالبت منظمة هيومن رايتس ووتش مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بإنشاء لجنة توثيق دولية لتوثيق مثل هذه الانتهاكات وتحديد المتورطين فيها، بما في ذلك الجهات الخارجية، وحفظ الأدلة كلما أمكن لاستخدامها في إجراءات جنائية مستقبلا، مشيرة إلى أن كل من يرتكب أو يأمر أو يساعد أو يتحمل مسؤولية قيادة في جرائم حرب في ليبيا معرّض للمحاكمة في المحاكم المحلية أو محكمة الجنايات الدولية التي لها صلاحية النظر في جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، والإبادة المرتكبة في ليبيا منذ 15 فبراير 2011.

تفاصيل الهجوم والأسلحة المستخدمة

نقلت منظمة هيومن رايتس ووتش عن موظف إداري كان في المصنع يوم الهجوم قوله إن خمسة صواريخ سقطت على المصنع في غضون دقائق خلال دوام العمل، موضحا أن الصاروخ الأول سقط بالقرب من مستودع ورغم تضرر المبنى لم تُسجَّل وفيات أو إصابات بين العمال، لكنه قال إن مجموعة من العمال في المستودع خافوا وهربوا إلى الخارج، يبدو أن الصاروخ الثاني استهدفهم وقتل ثلاثة منهم، والصاروخ الثالث أصاب مجموعة أخرى من العمال الهاربين موقعا بينهم قتيلا واحدا، واستهدف الصاروخ الرابع شاحنة اسمنت في المجمّع وأودى بحياة شخص، أما الصاروخ الخامس فسقط قرب سيارة كان سائقها يستعد لنقل عامل بنغلادشي إلى المستشفى، ما أسفر عن مقتلهما معا.

وأضافت المنظمة أن روايات الموظفين الثلاثة المصابين تتسق مع رواية الموظف الإداري وتدعم تسلسل الأحداث، حيث أصيب ثلاثتهم بشظايا الصواريخ، قال عامل من تشاد، أصيب في ركبته وكاحله الأيسر بشظايا من الصاروخ الثاني، “هربت مجموعة منّا خارج المصنع باتجاه المساحات المفتوحة بسبب الخوف بعد سقوط الصاروخ الأول، كنّا مجموعة من سبعة أو ثمانية أشخاص، بينما كنّا نركض، سقط الصاروخ الثاني وأسفر عن مقتل ثلاثة ليبيين، كنتُ ضمن الخمسة الآخرين المصابين، كانت الدماء في كل مكان، جثمت إلى جانب حائط حتى جاء أحدهم ونقلني إلى المستشفى. احتجت إلى عملية جراحية ومكثت 12 يوما في عيادة خاصة في شارع الزاوية في طرابلس.

ووثّقت هيومن رايتس ووتش مخلّفات صواريخ من طراز بلو آرّو-7 الموجهة بالليزر أطلقتها طائرة مسيّرة من طراز وينغ لونغ -2، صينية التصنيع جميعها، من المخلفات التي عاينتها هيومن رايتس ووتش، دعائم أجنحة وآليات استشعار الأخطاء (servos) واسطوانات غاز مخصصة لصواريخ بلو آرّو، تشبه هذه المخلفات مخلفات أخرى لصواريخ بلو آرّو-7 وُثِّقت إثر غارة سابقة على مستشفى ميداني قرب طرابلس في يوليو الماضي، مضيفة بأن “صواريخ بلو آر-7 هي قيد الاستخدام التشغيلي فقط في ثلاث دول هي الصين وكازاخستان والإمارات”.

وأضافت المنظمة أن هذه الأسلحة نُقلت من الصين ووجدها محللون للمرة الأولى في صور الأقمار الصناعية عندما كانت تُستخدم في المنطقة في أواخر 2017، وبحسب تقرير فريق خبراء الأمم المتحدة، يشغّل موظفون إماراتيون هذه الطائرات دعما لـ”القوات المسلحة العربية الليبية”، وأكدت تحقيقات الفريق أن هذه الطائرات المسيرة لم تصل إلى ليبيا عبر المصنّع أو بلد التصنيع مباشرة، ووجدت أن الإمارات تنتهك حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على ليبيا عبر “نقل منظومة المركبات المقاتلة المسيرة من دون طيار من طراز وينغ لونغ 2 ومنظومة بلو آرو-7 بعد استلامهما إلى ليبيا”.

وأشارت هيومن رايتس ووتش ونقلا عن تقارير سابقة أن الطائرات المسيرة والصواريخ من الطراز نفسه استخدمت في هجوم 5 يناير على الكلية العسكرية بالهضبة في طرابلس، والذي أودى بحياة 30 طالبا عسكريا وأصاب 33 آخرين بجروح، وحمّلت “حكومة الوفاق الوطني” آنذاك مسؤولية الهجوم لـ”القوات المسلحة العربية الليبية” التي نفت مسؤوليتها عن الهجوم، ونوهت المنظمة إلى أنها لم تتمكن من التأكد بشكل مستقل ما إذا كانت “الجماعات المسلحة” تستخدم حرم الكلية لأهداف عسكرية، بحسب وصفها.

طرفا النزاع والدول الداعمة لكل طرف

ذكرت منظمة هيومن رايتس ووتش أن “القوات المسلحة العربية الليبية” والتي يقودها “خليفة حفتر” ومقرها في شرق البلاد، تحظى بدعم جماعات مسلحة متعددة، بعضها من المدن الساحلية الغربية مثل صبراتة وصرمان ومن ترهونة، مضيفة أنه “في 13 أبريل الماضي طردت حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا قوات حفتر من المدن الساحلية الغربية واستعادت السيطرة عليها”، بحسب وصفها.

وقالت المنظمة إن “ميليشيات لديها أجندات سلفية متشددة”، وفق تعبيرها، تدعم أيضا “القوات المسلحة العربية الليبية”، وحصلت على دعم عسكري من الإمارات والأردن ومصر رغم حظر الأسلحة المفروض على ليبيا، مشيرة إلى أن دولة الإمارات تشغل قاعدة جوية عسكرية شرق ليبيا وتمدّ “القوات المسلحة العربية الليبية” بالأسلحة والذخائر، وتنفّذ طائراتها المقاتلة والمسيّرة المسلحة عمليات دعما لها، مشيرة إلى أن هذه القوات تحظى بدعم مقاتلين أجانب من السودان وتشاد ومقاتلين روس يعملون لحساب شركات أمن خاصة بالإضافة إلى مقاتلين سوريين تدعمهم روسيا، بحسب ما ذكرت المنظمة وفق تقارير.

في المقابل، قالت هيومن رايتس ووتش إن تركيا، التي صارت الآن طرفا في النزاع، هي الداعم الأجنبي الأساسي لحكومة الوفاق الوطني في طرابلس والجماعات المسلحة التابعة لها من غرب ليبيا، وذلك بعد توقيع مذكرتيْ تفاهم في أواخر عام 2019 بين “السراج وأردوغان” ترسمان الخطوط العريضة للتعاون البحري والأمني، حيث تقدم تركيا الأسلحة والآليات المصفحة والطائرات المسيرة من طراز “بيرقدار تي بي 2” (Bayraktar TB2)، كما نشرت بحسب تقارير آلاف المقاتلين السوريين المدعومين من تركيا، مضيفة أن “حكومة الوفاق الوطني” تعاقدت أيضا مع مقاتلين أجانب من تشاد والسودان، للقتال لصالحها، وفق قول المنظمة.

وبحسب تقارير الأمم المتحدة فقد تسبب الصراع المستمر منذ عام في محيط العاصمة طرابلس بمقتل 356 مدنيا وإصابة 329 حتى نهاية شهر مارس، كما تسبب القتال بنزوح أكثر من 150 ألف شخص، يعيش بعضهم في ملاجئ مكتظة وغير صحية وغير قادرين على العودة إلى منازلهم، وقدّرت “المنظمة الدولية للهجرة” أن أكثر من 373 ألف شخص لا يزالون نازحين داخليا في ليبيا حتى نهاية فبراير الماضي.