كتب: الخبير النفطي الدولي “منصف الشلوي”
واقع الدولة الليبية الحالي فيما يخص عائدات النفط هو غير متجانس بالمرة مع حاجات المواطن الليبي ، و ذلك يأتي في ظل هذة الفوضى السياسية و الاقتصادية والأمنية التي تعيشها البلاد ، حيث تضرر قطاع النفط بشكل مباشر و في أكثر من مناسبة و يمكنني هنا أن أستشهد بما ذكره السيد المبعوث الدولي إلى ليبيا غسان سلامة و الذي قال (( إن الصراع في ليبيا لا يتم في بلد فقير بل بلد ثري جدا ينتج أكثر من مليون برميل من النفط ولديه إمكانية العيش برفاهية لكنه لا يعيش، بل على العكس نحن اليوم في وضع واحد من أصل سبعة ليبيين يحتاج مساعدة إنسانية، هذا يعني أن هناك نهبا قائما في هذا البلد )) .
عن شخصي أرى نفسي متوافقا تماماً مع وصف السيد غسان ، وعلى سبيل المثال ماذا يعني ما صرح به المتحدث باسم خفر السواحل الليبي و الذي أعلن بأن المهربين و الذين استغلوا حال البلاد الهشة ، حيث أنهم قد (( استحدثوا أنبوباً يصل إلى عمق 3 كيلو متر في البحر فيتم الشحن مباشرة دون حتى استخدام الجرافات )) هذا بالنسبة لنا يكشف عمل مجموعات محترفة تهرب النفط الليبي، وتضيع على الدولة الليبية نحو 750 مليون دولار سنوياً ، نعلم أن الأموال التي يدرها النفط ليست لمؤسسة النفط الليبية علاقة بإدارتها و لا علاقة لمؤسسة النفط أيضاً بالنفقات الحكومية، و لكن و وفق ما أظهره تقرير ديوان المحاسبة من مخالفات وفساد ، كان هناك جزئية كبيرة ترسخت في منح الرواتب في أغلب القطاعات و ما نعرفه جميعاً ” أن أجمالي قيمة الرواتب هي خيالية، تذهب تقريباً بجل عائدات النفط بالدولة الليبية ، و هنا يمكنني الإشارة لما صرحت به السيدة مستشارة منظمة الشفافية الدولية كندا ، و التي نوهت بأن تقرير ديوان المحاسبة وجد أن (( 1.8 مليون موظف لا يعملون أكثر من ربع ساعة وهذا بحد ذاته فساد )) مشيرةً إلى أن هذه المبالغ الهائلة يجب أن تكون مبالغ مخصصة للخدمات بما فيها المساءلة، ويجب وضعها في الموازنة وتصرف العائدات على التنمية وإعادة الإعمار !!
الوضع الأمني له تأثير سلبي على القطاع النفطي و أخص بالهلال النفطي و كذلك حقلي الفيل و الشرارة ، فمن المعلوم أن الطاقات الإنتاجية لحقل الفيل تبلغ 70 ألف برميل يوميا كما أن حقل الشرارة وهو يعد أكبر حقل نفطي في ليبيا حيث يتعدى إنتاجه ال 300 ألف برميل يومياً ، كذلك فإن الهلال النفطي و الذي يعد الأكثر شهرة ، حيث يضم أكثر من 15 حقلاً منتجاً للنفط و بما أنه تقع غالبية هذه الحقول بمنطقة الهلال النفطي ، في وسط الصحراء، جنوب اجدابيا، وحتى حقول الواحات، وتمتد منها أنابيب تصل إلى مصافٍ للتكرير وموانئ للتصدير على ساحل البحر المتوسط، قرب طبرق، وفي بنغازي، واجدابيا نفسها، وفي رأس لانوف، والسدرة ، وقدرتها الإنتاجية تفوق الثلث مليون برميل يومياً .
وعلى اعتبار أنه لكل من هو متابع و مهتم بالإنتاج النفطي عموماً يعرف جيدا بأن هناك علاقة وطيدة ، حيث أن أي تصعيد لأعمال العنف سيترتّب عنه و بشكل مباشر إخلاء هذة الحقول ووقف وتعطل إنتاج النفط و التجربة مريرة و لقد تكررت للأسف بالدولة الليبية مراراً خلال السنوات الأخيرة وإلى وقت قريب مضى ، نتيجة لمحاولة السيطرة أحيانا من قبل ما يسمى زورا بالدولة الأسلامية و أحياناً أخرى مجموعات مسلحة ذات توجه جهوي تحاول إخراج قوات حرس المنشآت النفطية التابعة لقوات الجيش الليبي بغية محاولة التأجيج للصراع و حالة الإغلاقات لخلق قوة تفاوضية بأي اجتماعات دولية تهدف لحلحلة الوضع السياسي و الأمني الراهن بالبلاد ، أيضا ربما هناك بعض الإغلاقات لبعض الحقول تأتي نتيجة لتردي الوضع الاجتماعي أو تحت مطالب لمكونات و شرائح معينة من المواطنين .
كما أن هناك و في أحيان أخرى تكون هناك إيقافات لعدد من خطوط أنابيب النفط و الحقول تأتي تحت نزاعات مجتمعية قبلية، و هنا أقول تحت المبررات سالفة الذكر ، بأن ليبيا سيستمر تذبذب و عدم استقرارها بالإنتاج النفطي و بدأت هذه الظاهرة منذ عام 2013 م و حتى الآن ، وبالرغم من السيطرة الشبة كلية للقائد العام للقوات المسلحة المشير خليفة حفتر على معظم حقول ومنشآت النفط في ليبيا و في نفس الوقت تكون إيرادات النفط و مشتقاته خاضعة للبنك المركزي في طرابلس حيث تعتمد موازنة الدولة على صادرات النفط والغاز بنسبة تزيد على 95 في المائة ، و بالرغم بأن النفط والغاز الليبي هو ينتج بتكاليف اقتصادية مثلى و ذلك بالمقارنة بعدد من الدول أخرى إلا أن أي استقرار منشود للإنتاج النفطي على المديين المتوسط والطويل يعتمد على تحسن الوضع الأمني والاستقرار .
وهذا هو ما يمثل التحدي الكبير نظرًا للمناخ السياسي المنقسم و تكرار فرض حالة القوة القاهرة على بعض الحقول النفطية، مثلما تكرر في حقلي الشرارة والفيل، الأمر الذي يقلل ثقة الشركات الدولية العاملة، ويحد من الاستثمارات الجديدة، حيث تشكك الشركات العاملة في قدرة الدولة الليبية على توفير ضمانات أمنية وتطبيق حكم القانون ، و كما أنه و من المعتاد رأس المال جبان ، فإنه و في ضوء حالة التهديدات المستمرة و عدم استقرار المناخ الأمني في ليبيا يجعل العودة صعبة المنال إلى مستويات الإنتاج ما قبل العام 2011م ، و أن استمرار حالة الغموض حول مستقبل الإنتاج النفطي و غياب تسوية ناجحة من خلال المفاوضات ينذر باستمرار التحديات الأمنية، وتأثيرها السلبي على تعافي الإنتاج النفطي على المدى الطويل.