المسلاتي يكتب لصدى مقالاً بعنوان “العلاقة بين المصرف و عملائه” الجزء الأول”

315

كتب رجب المسلاتي لصحيفة صدى الاقتصادية مقالاً بعنوان ” العلاقة بين المصرف و عملائه”

بداية لا بد من الإشارة إلى أنه لا يعتبر عميلاً من يرتاد المصرف ليجري معاملة أو معاملات عابرة لا تتكرر كثيراً، أو من لا تربطه بالمصرف علاقة تعاقدية مستمرة تنشأ عن عمليات سحب وإيداع، لها صفة الاستمرار والتكرار، من حساب أو أكثر يفتحه العميل مع المصرف فلا يعتبر عميلاً السائح الذي يدخل به و العملاء بالمصرف لتحصيل قيمة صكّ سياحي، ثم ينصرف لحاله، ولا يعتبر عميلاً من يتقدم إلى شباك صرّاف الدفع، ليصرف صكّاً مسحوباً على حساب لدى المصرف ثم لا يعود.

إن من يمكن أن يعتبر عميلاً هو من يقيم مع المصرف علاقات تعامل لها صفة الدوام والاستمرار، تنظّم في حساب أو حسابات متحركة، دائنة أو مدينة، تعكس عمليات مصرفية نشطة حقيقية، فمنذ اللحظة التي يتم فيها فتح الحساب وتجري فيه العملية الافتتاحية الأولى ، تنشأ بين المصرف وبين صاحب الحساب علاقة تعاقدية، تتضمن حقوقاً وواجبات متبادلة، ينظمها عقد مكتوب أو غير مكتوب، وتخضع للعرف أو لقوانين وقرارات وقواعد تصدرها السلطات المختصة، لكي يكون أي عقد صحيحا ينبغي أن يكون كل طرف من طرفيه حائزاً على الشروط التي تؤهله للتعاقد وأول هذه الشروط وأهمها، أن يكون كامل الأهلية ويمتلك الصلاحيات التي تخوّله الدخول فيما يرتبه العقد من التزامات، وما ينشئه من حقوق.

بالنسبة للمصرف، فإن أهليته، كشخصية اعتبارية، ينشئها وينظمها عقد تأسيسه ونظامه الأساسي والترخيص الممنوح له لمزاولة العمل، ويحدد نظامه الأساسي من لهم الحق في التوقيع باسمه من أعضاء مجلس إدارته، وتصدر بأسماء المخولين بالتوقيع عنه من كبار موظفيه ومديريه، وبشروط هذا التخويل وحدوده، قرارات من سلطاته الإدارية العليا، وعادة ما تدرج أسماء من لهم الحق في التوقيع نيابة عن المصرف، ونماذج توقيعاتهم في كتيب يسمى كتيب المخولين بالتوقيع يعمم على مراسلي المصرف ووكلائه وفروعه. على أننا يجب أن ننبه إلى أن هذه الترتيبات لا تسري إلاّ عند التعامل مع المراسلين والفروع والوكلاء، وعند القيام بعمليات كبيرة وغير معتادة.

أما فيما يتعلق بالمعاملات الجارية اليومية، التي تتم بين المصرف وعملائه داخل مقره، فقد جرت العادة والعرف أن يفترض العميل أن الموظف المكلف بخدمته وإنجاز المعاملة التي يريدها، مخول بذلك، وأن المصرف ملتزم بما يجريه موظفه، ومسئول عن أخطائه، فإذا وقف العميل أمام موظف المصرف المختص بفتح الحسابات الجارية مثلاً وأتم معه إجراءات فتح حساب، ووقع على النماذج التي أعدها المصرف لهذا الغرض، فإن المصرف أصبح ملزماً بفتح الحساب ولا يستطيع النكوص عن ذلك بحجة أن فتح الحساب لم يتم أمام موظف من موظفيه المخوّلين بالتوقيع نيابة عنه، وإذا ما قام عميل ما بتسليم صراف الاستلام بالمصرف مبلغاً من المال لقيده لحسابه، فمن حقّه أن يعتبر أن المصرف قد استلم المبلغ بمجرد حصوله على إيصال يحمل ختم المصرف وتوقيع الصراف وأن المصرف لا يستطيع إنكار استلام المبلغ حتى لو كان الصراف قد وضعه في جيبه، وإذا جلس عميل أمام موظف القروض في مصرفه، ووقع أمامه عقدا للحصول على قرض بمبلغ معين فله أن يتوقّع من المصرف أن يضع قيمة القرض تحت تصرفه.

ومما هو جدير بالملاحظة هنا، أنه في الوقت الذي يستطيع فيه العميل أن يتنصل من أي التزام تم باسمه لصالح المصرف، إذا لم يكن هذا الالتزام قد تم القبول به منه شخصياً، أو من شخص يحمل تخويلا كتابياً صريحاً وموثّقاً بالدخول فيه باسمه ونيابة عنه، فإن عملاء المصرف لهم أن يفترضوا أن موظف المصرف المكلّف بإنجاز المعاملات التي يريدون إتمامها, يفعل ذلك باسم المصرف ونيابة عنه، طالما تمت هذه المعاملات داخل مقر المصرف، وفي المكان الذي خصصه لمن يقوم بها، وتم إجراؤها من قبل موظف من موظفيه تشير الشواهد علي أنه مكلف بإنجازها.

يري بعض رجال القانون أن العلاقة التي تربط المصرف بعملائه، والعلاقة التي تربط عملائه به، هي علاقة قانونية تشبه علاقة الدائن بالمدين، بل هي علاقة دائن بمدين، يكون فيها المصرف دائناً والعميل مديناً في حالة قيام المصرف بمنح قرض للعميل، ويكون المصرف مديناً والعميل دائناً في حالة قيام العميل بوضع وديعة لدي المصرف، ويجري تحديد الحقوق والواجبات المترتبة عن هذه العلاقة في عقد القرض، أو شروط الوديعة، أو نموذج طلب فتح الحساب، وتطبق في شأنها أحكام القوانين التي تنظم العلاقة بين الدائن والمدين، ويري بعضهم الآخر أن العلاقة القانونية التي تربط المصرف بعملائه لها وجهان، فهي علاقة دائن بمدين في حالة الإقراض، وعلاقة مودع بمودع لديه في حالة الإيداع، فمن وجهة نظرهم تعتبر علاقة المصرف بعملائه المقترضين منه هي فعلاً علاقة دائن بمدين، المصرف دائناً والعميل مديناً وتخضع للأحكام القانونية التي تنظم مثل هذه العلاقة أما علاقة المصرف بالمودعين لديه فهي في نظرهم، علاقة مودع بالمودع لديه، فهم يرون أن الأموال التي يودعها المتعاملون مع المصرف تحت أي مسمى وفي أي حساب، جاري، أو وديعة لأجل ، أو توفير، هي في حكم الوديعة (الأمانة)، العميل هو المودع، والمصرف هو المودع لديه، والأموال المودعة هي الوديعة، وهؤلاء لا يفرقون بين الودائع النقدية لدي المصارف وبين الودائع الأخرى علي إطلاقها إلاّ من جانبين الجانب الأول، أنه على خلاف الودائع العادية علي مختلف أشكالها التي يتعين علي المودع لديه أن يعيدها للمودع هي بذاتها، وكما استلمها، فإن الودائع النقدية لدي المصارف تختلف من حيث أن المصرف المودع لديه ملزم بإعادتها للمودع بعملتها ومقدارها وليس بذاتها، بمعني أنه إذا إستلم من أحد عملائه وديعة بالدينار الليبي مقدارها ألف دينار، بخمسين ورقة نقدية من فئة العشرين ديناراً، فلا يلزم بإعادتها إليه بنفس الأوراق النقدية التي استلمها منه، ولكنه يستطيع أن يعيدها بألف ورقة من فئة الدينار الليبي الواحد، أو بمائتي ورقة من فئة الخمس دينار ليبية، أو بمائة ورقة من فئة العشر دينار ليبية، أو بمزيج من كل هذه الفئات أم من بعضها، ويكفيه أن يعيد للمودع ما مقداره ألف دينار ليبي حتى وإن كان من فئات مختلفة وبأرقام مسلسلة مختلفة وبإصدارات مختلفة.

أما الجانب الثاني، فهو استتباع للجانب الأول حيث أنه ما دام المصرف كمودع لديه يستطيع إعادة ما يعهد به إليه من ودائع نقدية إلى مودعيها بمقدارها وبعملتها وليس بذاتها فإنه يستطيع إقراضها أو الإقراض منها دون إذن من المودعين طالما أن قبول الودائع ومنح القروض من أغراضه المنصوص عليها في نظامه الأساسي وان المودعين لديه يعلمون أنه سيتصرف طبقاً لهذه الأغراض، وسيقرض كل أو جزء من ودائعها، وهذا على خلاف أنواع الودائع الأخرى حيث لا يجوز للمودع لديه التصرف فيها إلاّ بإذن من المودع.

لست علي دراية كافية بالقانون بما يمكنني من تأييد هذا الرأي أو ذاك ولكن يهمني أن ألفت الانتباه إلي العواقب والتبعات التي يمكن أن يتعرض لها المقترض، والذي توصف علاقته بالمصرف بأنها علاقة مدين بدائن، إذا ما تخلف عن سداد بكل أو بجزء مما أقترضه في الموعد أو المواعيد المتفق عليها مقارنة بالعواقب والتبعات التي يمكن أن يتعرض لها المصرف، سوي اعتبرناه مديناً أو مودعاً لديه، في حالة تأخره ولو لساعات، عن رد ما أودع لديه من أموال لأصحابها عند الطلب مؤتمن عليها، إذا كانت من الودائع الجارية، أو عند إنتهاء الأجل إذا كانت من الودائع لأجل، بصرف النظر عما إذا اعتبرنا ما أودع إليه قرضاً فهو مدين به أو اعتبرناه وديعة فهو مؤتمن عليها.