خبير نفطي يكتب: الاقتصاد الليبي بين الإصلاح والإنقاذ وضياعه في دهاليز الألاعيب السياسية

297

كتب: الخبير النفطي “محمد أحمد”

في سنة 2017 انطلقت مبادرة برعاية مصرف ليبيا المركزي أطلق عليها مبادرة الإصلاح الاقتصادي وأتت هذه المبادرة بعد إعادة إنتاج النفط الذي توقف منذ النصف الثاني لسنة 2013، وقد عقدت ندوات عديدة حول هذا الموضوع تم اذاعتها تلفزيونيا لمناقشة خطة تم طرحها مع الأجهزة ذات العلاقة بما فيها بعثة الأمم المتحدة للدعم والمساندة وبمشاركة بعض المنظمات الدولية والسفارات الأجنبية.

حقيقة لم يكن في خطة الإصلاح الاقتصادي المعروضة شيئا من خارج الصندوق حيث تم التركيز على الحلول الاقتصادية والنقدية التقليدية المعروفة وهي على سبيل المثال الإدارة الكفؤة لسعر الصرف، خفض الغنفاق الحكومي، علاج معضلة الدعم الحكومي، ورفع مستوى الدخل الفردي، وتخفيض مستويات العرض النقدي ومعالجة مشكلة السيولة.

معظم هذه الحلول مستمدة من الفكر الاقتصادي النيوكلاسيك وقد طبقت في العديد من دول العالم المنتظمة بمجرد الخروج من أزمات اقتصادية كان السبب فيها عوامل خارجية مثل الحروب، الأوبئة، انهيار أسعار السلع أو الكوارث الطبيعية.

تزامن التنظير لهذه المبادرة مع استعدادات وضع ما أطلق عليه الترتيبات المالية وهي إجراء بديل لاعتماد موازنة حكومية من قبل السلطة التشريعية للظروف السياسية التي كلنا على علم بها، وبطرح مبادرة الإصلاح الاقتصادي من قبل من مجموعة من الاقتصاديين الليبيين ربما الكثير منهم بحسن نية بهدف تقديم مساهمة منهم لصناع القرار السياسي لخروج البلد من أزماتها المتعددة فإن الاقتصاديين قدموا للسياسيين برنامج متكامل بمعنى أن تطبيقها يستلزم تطبيقها المتدرج الشامل، ولكن للأسف فإن السياسيين اعتبروا هذا البرنامج الإصلاحي قائمة مطعم Food Menu يختاروا منها فقط ما يناسبهم ويتركوا الباقي لسلة المهملات.

خرجت الترتيبات المالية لسنة 2017 بغطاء نظري أكاديمي إصلاحي استعمل فيها الاقتصاديين الليبيين الذين شاركوا في وضعه كمنشفة وكان الاختيار الوحيد الذي فعله السياسيون هو اختيار ملتوي بفرض رسوم عالية على سعر صرف الدينار الليبي بعد رفض مصرف ليبيا المركزي تعديل سياسة سعر الصرف المتبعة نتيجة لعدم إمكانية اجتماع مجلس ادارته، هنا السياسيون ضربوا عصفورين أو قد أقول عدة عصافير بحجر واحد.

أولا استطاعوا شراء تأييد سياسي معين نتيجة لفتحهم عمليات بيع المخصصات العائلية بالسعر الرسمي 1.4 دينار لكل دولار مع معرفتهم بأن هذ سيعاد بيعه في السوق 3.9 دينار/دولار للمواطن مما قد يخفف من معاناته الماليةنوعا ما.

ثانيا تم التحكم في التضخم المتصاعد بخفض سعر السوق السوداء للدولار من مستوى 9 دينار/دولار إلى تقريبا 4 دينار/دولار وفتح الاعتمادات المستندية عند هذا السعر.

أخيرا فإن تحصيل عشرات المليارات من الدنانير من مصدر سهل ساهم في تغطية العجز الحكومي وقلص من الضغط السياسي على حتمية خفض الإنفاق العام واتباع خطوات الإصلاح الأخرى، وفي ظل عودة إنتاج النفط وارتفاع أسعاره في السوق العالمية فإنه لا داعي للتأكيد هنا أن الاقتصاديين تعرضوا إلى طعنة خلفية من السياسيين وهي حقيقة عن سبق إصرار وترصد.

حذر الكثير من الاقتصاديين الليبيين من خطورة الالتفاف السياسي على برنامج الإصلاح الاقتصادي من ناحية أثره على سوء توزيع الثروة بتركيزها في قناة معينة لا يمنكن ألا أن تسئ التصرف في الموارد التي ستجنيها منها، ولكن استمر الحال على ما هو عليه وخرجت ترتيبات مالية لسنة 2018 ومن ثم 2019 وأخيرا 2020 بنفس الكيفية مع بعض التحويرات الخفيفة مثلا تخفيض قيمة الرسوم، الاقتصاد حقائق وأرقام وتجارب لا يمكن أن تخطئ وهي تتنبأ بالإخفاقات قبل حدوثها.

الكثير أشاروا أن المكاسب السياسية المؤقتة التي ستتحصل عليها الحكومة ستنقلب عليها فالتضخم سيعود أكثر شراسة، ودخل الفرد سينخفض، وسيسوء توزيع الثروة بين المجتمع وسيزداد الدين العام وستستفحل أزمة السيولة هذا في ظل الظروف العادية وبدون أي صدمات غير متوقعة، وللأسف أيضا فأن كل أنواع الصدمات التي لا يمكن أن تخطر في الخيال حدثت بالفعل، قفل إنتاج وتصدير النفط وأسعاره انخفضت إلى الحضيض في السوق العالمية، تفشى وباء لعين يستلزم الكثير لمواجهته.