أبو سنينة يكتب مقالاً بعنوان “فلتكنْ السياسة الاقتصادية المناسبة في الوقت المناسب”

199

كتب: الخبير الاقتصادي “محمد أبو سنينة”

لازلنا نخلط بين معالجة تداعيات أزمة مستجدة وهي جائحة فيروس كورونا المستجد، ومعالجة معضلات اقتصادية متأصلة ( chronical ) في الاقتصاد الوطني. وفي تقديري لا يجوز استغلال ظرف الجائحة للمطالبة بتطبيق سياسات اقتصادية، حتى وإن كانت صحيحة في الظروف العادية، وبغض النظر عن تداعياتها على حياة الناس ومستوى معيشتهم.

فالمطالبة برفع الدعم عن الوقود حتى مع التعويض النقدي لابد أن تكون له بعض الآثار السلبية على المواطنين في المدي القصير، رغم قناعتنا بأن دعم الوقود سبب رئيسي لتهريبه واختلاف سعره من منطقة إلى أخرى، ولكن مع ذلك هناك دول خفضت أسعار المحروقات لمساعدة المواطنين على تجاوز الأزمة رغم أنها كانت قد رفعت الدعم عنها في فترة سابقة، ودول قدمت إعانات نقدية شهرية للمواطنين وصلت إلى 2000 دولار شهريًا لكل أسرة لفترة محددة وإلى أن تمر أزمة جائحة كورونا.

رفع الدعم عن الوقود يعني ارتفاع أسعاره في المحطات، وقد لا يتوفر أصلاً لمختلف الأسباب ولعل أهمها توقف استخراج النفط وتصديره، وينطبق نفس القول على سعر الصرف، نحن ندرك أن سعر الصرف الرسمي للدينار الليبي لم يعد توازني، وأنه سبب في الكثير من التشوهات في الاقتصاد الوطني، لعل أقلها السوق السوداء للنقد الأجنبي وعجز الموازنة العامة في ظل انفلات الإنفاق العام وعجز ميزان المدفوعات، وتعديل سعر الصرف صار مطلباً ملحاً لمعالجة هذه التشوهات والمختنقات ومطلبًا كافيًا لالتئام مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي واجتماعه، غير أن تغيير سعر الصرف ( تخفيض سعر صرف الدينار الليبي ) سيؤدي إلى تغيير كافة الأسعار، بدون استثناء لكل السلع والخدمات، المنتجة محليًا والمستوردة على حد سواء، وسيكون هذا التغيير بالارتفاع بدرجات متفاوتة في المدى القصير وإلى أن يستقر السوق، فهل رفع سعر أية سلعة مرحب به ومقبول في الوقت الحاضر ( وقت مجابهة جائحة كورونا ).

وبالمثل فإن التفكير في رفع الرسم على مبيعات النقد الأجنبي، في الوقت الحاضر، لن يزيد الأمر إلا سوءًا، فهو إجراء تورط فيه الاقتصاد الليبي وتم اللجوء إليه اضطراراً وليس اختياراً، حيث كان الأجدى في عام 2018 تعديل سعر الصرف الرسمي بإجراءات رسمية يتخذها المصرف المركزي ولا تتدخل فيها الحكومة بشكل مباشر. الآن أصبحت المطالبة برفع الرسم المفروض على سعر الصرف سياسة يهدف من ورائها معالجة العجز في ميزان المدفوعات وتمويل الميزانية العامة، وذلك خلافاً للمتعارف عليه والأهداف المرجوة من وراء فرض رسم على سعر الصرف.

لن تودي زيادة الرسم على سعر الصرف إلى تخفيض العجز في ميزان المدفوعات ولن تؤدي إلى معالجة العجز في الميزانية العامة السنوية، في ظل الحجم الكبير للديْن العام الذى تجاوز المائة مليار دينار، النتيجة الحتمية لزيادة الرسم في الوقت الحاضر ارتفاع أسعار السلع والمزيد من المضاربات على النقد الأجنبي في ظل عدم إمكانية فرض السعر الجديد على كافة المعاملات للقطاع العام والقطاع الخاص، باختصار شديد الوقت غير مناسب لمعالجة دعم المحروقات وغير مناسب لتعديل الرسم المفروض على مبيعات النقد الأجنبي، ولا حتى مناسب لترشيد الإنفاق العام بعيداً عن الفساد، وغير مناسب لمعالجة المشاكل المزمنة في الاقتصاد الوطني، دعوا هذه الأزمة تمر بسلام وبعدها لكل حادث حديث.