الترهوني يكتب مقالًا بعنوان : تعريف بمسؤوليات الشاحن البحري والناقل والوكيل الملاحي

653

كتب : د. عبدالله ونيس الترهوني – أخصائي إقتصاديات النقل

في خضم الفوضى التي تعصف بالموانئ البحرية الليبية في غرب ليبيا بسبب منظومة التتبع، وفي غياب أطراف بحرية كان يفترض بها أن تكون فاعلة إلا أن جهلها بأبسط أبجديات المهنة جعلها تنأنى بنفسها عن الخوض كلياً أو جزئياً في أي موضوع، ويبقى الإستثناء الوحيد لها هو فريق عمل غرفة الملاحة البحرية والتي لم تدخر جهداً وبالأخص بعد إعادة تشكيل مجلس إدارتها خلال الاسبوع الاخير من شهر يناير 2021، فقد رأيت تسليط الضوء على عدد من المفردات الهامة وإن كانت في أسطر معدودة لعلها تنير الظلمة أو على الأقل تزيل الغشاوة.

يعتبر عقد النقل البحري من أهم العمليات التي تقوم بها السفينة بوصفها أداة للملاحة البحرية، ويحتل عقد النقل البحري أهمية خاصة بين موضوعات القانون البحري إذ أنه يؤدي وظيفة لها أهمية جوهرية من الجانبين الاقتصادي والتجاري سواءاً على النطاق الدولي أو المحلي.

أغلب التشريعات حددت مسؤوليات الناقل والوكيل الملاحي وبإستفاضة، ولكنها لم تُعط نفس المساحة لحدود ومسؤوليات الشاحن البحري، وبالتالي فإن الاجتهاد في مسؤوليات هذا الشاحن هي محل مزيد من الإجتهاد والبحث ، وهذا بدوره مايفسر لنا جزء من اللغط الذي صاحب تعميم السيد مدير مديرية جمارك مصراتة ذو الرقم الاشاري 461 والمؤرخ في 21 فبراير الجاري والذي يُحمل فيه المسؤولية للوكلاء الملاحيين بخصوص البضائع الواردة للميناء من غير كود التتبع المثير للجدل، وبالطبع فإن هذا الكلام غير صحيح.

فيما يخص دور الشاحن البحري فإن أغلب المراجع قد حصرت دوره وفقاً لعقد النقل البحري في دورين إثنين لاثالث لهما وهما: إلتزامه بدفع أجرة النقل المتفق عليها (النولون)، بالإضافة إلى إلتزامه بتسليم البضاعة المتفق عليها إما لربان السفينة أو لوكيل الشحن (حسب الاحوال)، وبالتالي فإن موضوع كود التتبع في هذه الحالة هو من مسؤولية الشاحن والذي يجب أن يتحصل عليه بعد إصدار مستندات الشحنة مثل بوليصة الشحن (سند الشحن) وشهادة الوزن الفعلي للبضائع…الخ.

وفي المقابل إذا تعمد الشاحن ذكر بيانات غير صحيحة عن البضائع في سند الشحن سواءاً عن طبيعة البضائع أو قيمتها فلا يسأل الربان أو الناقل عن هلاكها أو تلفها جزئياً إذا ثبت عدم صحة هذه البيانات، ومن الطرائف النادرة والتي سمعنا بها مؤخراً أن شركة التتبع المثيرة للجدل لاتمتلك مفتشين على الارض بل وتريد أن ترغم المُصدرين والشاحنين على دفع الرسوم المقررة قبل حتى إصدار بوليصة الشحن وباقي مستندات الشحنة.

أما فيما يخص دور الناقل (السفينة) وبكل إختصار فهو استلام ربانها للبضاعة والحفاظ عليها ثم تسليمها بنفس حالتها في الجهة المقصودة وفي الاجل المحدد، أما دور الوكيل الملاحي فهو أشبه تماماً بدور المحامي، والذي عليه القيام بإبلاغ السلطات بموعد وصول السفينة وحجز رصيف لها، وتقديم خدمات السفينة وهي راسية في الميناء بالاضافة إلى عد وحصر البضائع….الخ، وفي كل الأحوال فان قصة التتبع لاعلاقة لها بالناقل ولاالوكيل الملاحي لامن قريب ولامن بعيد.

المشرع الليبي لم يكن غائباً بل كان مواكباً لهذا الجانب، فمنذ الاستقلال سنت ليبيا عدد من التشريعات، أذكر منها نص المادة 8 من قرار أمين شؤون الخدمات للعام 2004 بأنه لايجوز توكيل الملاحي أي غرامات أو  مخالفات لايكون طرفاً في تسببها وبصفة رسمية، وفي حال حدوث ذلك عليه التظلم امام غرفة الملاحة البحرية، في حين نصت المادة 206 من القانون رقم 10 للعام 2010 بشأن الجمارك على أن ربابنة السفن والطائرات غير مسؤولين مدنياً عن كل مخالفة تتعلق بالطاقم أو بوسيلة النقل ، ويعتبر اصحاب البضائع مسؤولين مدنياً عن جميع أعمال مستخدميهم وأعمال مخلصيهم الجمركيين والمتعلقة باعداد البيانات  والاجراءات الجمركية.

ختاماً ، أعتقد أن العشوائية والتخبط لن يقودنا إلا لمزيد المشاكل على كاهل المواطن ، وأنه وبعد كل هذا الاخذ والرد و تأزم الموقف يوماً بعد يوم ومع قرب حلول شهر رمضان فإن المنطق الذي يفرض نفسه يقضي بالافراج الفوري عن البضائع المكدسة بموانئ غرب ليبيا، ثم اعادة النظر في موضوع منظومة التتبع شكلاً وموضوعاً وإيجاد بديل مناسب لها، ووضع الجميع في الصورة بداءاً من غرف الملاحة وغرفة التجارة مروراً بسلطات الموانئ وصولاً لسلطات الجمارك.