الشاوش لصدى: على السلطة التشريعية محاسبة الجهات غير المهتمة بتوصيات الديوان و الانقسام السياسي عمّق الفساد في الدولة

489

“ديوان المحاسبة” جهاز كشف الفساد، هرم الرقابة المالية والمحاسبة في ليبيا التابع للسلطة التشريعية المباشرة، رغم وجود إدارات موازية في الشرق والغرب إلا أن الديوان حافظ على توازنه و سعت الإدارتان إلى تقريب وتوحيد عملهما من خلال اللقاءات المباشرة وصولاً لأحكام رقابة فعالة على الإدارات والمؤسسات سواء بشرق البلاد أو غربها وهو أمر يحسب لديوان المحاسبة ككل. 

و لمعرفة تفاصيل أكثر حول عمل ديوان المحاسبة اتجهنا لأهل الاختصاص و أحد المسؤولين بجهاز ديوان المحاسبة فالتقينا ” رافع الشاوش” بصفته مدير الإدارة العامة للرقابة المالية على الشركات بديوان المحاسبة الليبي بطرابلس وكان لنا معه هذا الحوار :

س/ هل لنا بنبذة عن مهام إدارتكم ؟

ج/ الإدارة المكلف بها هي الإدارة العامة للرقابة المالية على الشركات و المصارف ، وهذه الإدارة معنية بفحص ومراجعة القوائم و التقارير المالية التي من المفترض أن تُعد و تُقدم من الشركات و المصارف نهاية كل سنة مالية ، وذلك وفقاً لمتطلبات القانون رقم (23) لسنة 2010 بشأن النشاط التجاري و الأنظمة الأساسية للشركات و المصارف المملوكة للدولة بنسبة تزيد عن(25%) ، وتكمن أهمية مراجعة القوائم المالية للشركات المملوكة للدولة بالنقاط التالية :

مساعدة الجمعيات العمومية للقيام بدورها بشكل فعال فيما يخص مسائلة مجالس إدارة الشركات ، وذلك من خلال إضفاء الثقة على التقارير المالية السنوية و التي من المفترض أن تعكس و تبين أداء مجالس إدارة الشركات وقدرته على تحقيق أهداف الشركة و المحددة بالنظم الأساسية للشركات، فقد تلجأ الإدارة إلى تحسين هذا الوضع و إظهاره على غير حقيقته عن طريق ما يعرف بالمحاسبة الإبداعية ، بالتلاعب بعمليات التقييم و القياس ، وتغيير نتيجة نشاط الشركة من خسائر إلى أرباح أو إخفاء الخسائر حتى تظهر أمام الاجتماع السنوي للجمعية العمومية للشركة على أنها قد نجحت بإدارة الشركة بشكل فعال و تتجنب مخاطر الإقالة و المحاسبة. 

إعداد وتقديم تقرير شامل غير تقرير الرأي السابق إلى الجمعية العمومية عن أداء مجلس الإدارة و الإدارة التنفيذية للشركات من حيث قياس مدى الالتزام بأنظمة الحوكمة و بالتشريعات و مدى قدرتهما على المحافظة على أصول المؤسسة و إدارتها بشكل كفؤ و فعال ، بحيث أنه لا يوجد هدر للمال العام غير مبرر ، و بأن كافة القرارات و التصرفات المتخذة خلال السنة كانت منسجمة مع أهداف الشركة و تصب بمصلحتها ، و بأنه كلا من مجلس الإدارة و الإدارة التنفيذية حافظا و بشكل مستمر على أنظمة رقابة داخلية فعال تساعد على الحد من المخاطر التشغيلية و المالية و نظم المعلومات.

و توجد معوقات حالت دون تحقيق الإدارة للأهداف السابقة بسبب أن معظم الشركات متأخرة بقفل حساباتها الختامية وإعداد التقارير المالية السنوية ، فمعظم أعمال الفحص والمراجعة التي تقوم بها الإدارة لقوائم مالية تاريخية لسنوات مالية قبل 2010 و في أفضل الأحوال لسنة 2012 .

ومن هنا اتجه ديوان المحاسبة لمتابعة الشركات من خلال إدارات تقييم الأداء وهي تعد متابعة لمواضيع معينة وليست شاملة لأنها ليست مرتبطة بتقارير و أداء مالي شامل مثبت بالتقارير المالية السنوية، إلا أن الإدارة ومن خلال دعم رئاسة الديوان وضعت خطة لمراجعة كافة القوائم المالية و حثت الشركات على تقديم قوائمها المالية حتى الوصول إلى التاريخ التي تنتظم فيه عملية المراجعة وتكون عن سنوات حالية بما يحقق أهداف المتابعة الفعالة. 

س/ هل لديكم استراتيجية معينة نحو تقييم أداء مؤسسات بعينها دون مؤسسات آخرى ؟

ج/فيما يخص الإدارة المكلف بها “الإدارة العامة للرقابة المالية على الشركات و المصارف” لا تقوم بعملها بشكل انتقائي أو اختياري، و إنما بمراجعة شاملة، فعملها نمطي يعتمد على ما يرد من قوائم مالية سنوية إلى الإدارة تتطلب الفحص و المراجعة، فالإدارة تكون ملزمة بفحصها و لا تخضع لعمليات انتقاء واختيار ، إلا أن عمليات الانتقاء و الاختيار تمارس من خلال الإدارات الفنية المعنية بتقييم الأداء، فهذه الإدارات ذات إمكانيات بشرية محدودة، من هنا يتطلب الأمر وضع خطة استراتيجية توزع من خلالها المهام الرقابية على مجموعة من السنوات من ثلاثة إلى خمس سنوات وبما يتلاءم مع الإمكانيات البشرية المتوفرة بالإدارات ، و بناءً عليها يتم اختيار المواضيع و الجهات وفق الأهمية النسبية و حجم الفساد المتوقع من المواضيع ، فمثلا خلال السنوات السابقة كان هنالك تركيز على بعض المهام و التي منها الاعتمادات المستندية و الدعم النقدي و السياسة الدوائية و المرتبات و توريد الكتاب المدرسي و توريد و تركيب المعدات الطبية و الإيفاد للدراسة بالخارج وغيرها من المواضيع المهمة و التي كانت تثير الرأي العام بالشارع الليبي. 

س/ هل تخصع المؤسسات السيادية إلى متابعة من إدارتكم ؟ وكيف تقيمون سير أعمالها ؟

ج/الإدارة المكلف بها معنية بمراجعة القوائم المالية لكافة الشركات و المؤسسات السيادية و غير السيادية، و لكن تختلف مهام الفحص و المراجعة حسب الأهمية النسبية للجهة و حجم العمليات المالية السنوية و أصول المؤسسة ، وأعمال مراجعة القوائم المالية محكومة بمعايير مراجعة متعارف عليها تحدد و تبين البرنامج الزمني و حجم عينة الفحص و المراجعة و المؤهلات و المهارات المطلوب توفرها بفريق الفحص و المراجعة و أسلوب العمل الميداني و إجراءات الفحص و المراجعة و جمع الأدلة و تقييم أنظمة الرقابة الداخلية و غيرها من الأمور الفنية ،فالمؤسسة التي تعمل بمجال الاستثمار تختلف عن التي تعمل بالنفط و الطاقة عن التي تعمل بمجال الإتصالات أو الإنتاج أو المقاولات. 

س/ هل ترون أن مجرد كشف التجاوزات وترك موضوع المتابعة والمحاسبة لجهات أخرى هو أمر كاف وهو نهاية عمل إدارتكم ؟

ج/الأمر هنا لا يطرح بهذا الشكل وأن العملية عبارة عن ترك المتابعة، فديوان المحاسبة لا يعمل بمفهوم ترحيل المشاكل إلى جهات أخرى ولكن الموضوع يعتمد على مدى أهمية اكتمال الدائرة الرقابية ، و التي تبدأ بأعمال الفحص و المراجعة ومن ثم إعداد التقارير الرقابية و التوصيات ومن ثم قيام الجهة بوضع برنامج تنفيذي لتنفيذ توصيات الديوان بما يحقق مفهوم التغذية العكسية ، و كذلك الدائرة الأخرى الخاصة بمسائلة الحكومة و الجهات التنفيذية أمام اللجان البرلمانية المختصة عن أدائها السنوي حسب ما قدمه ديوان المحاسبة ، فديوان المحاسبة يشخص الخلل و يطرح التوصيات للتصحيح، و يتابع إجراءات التصحيح ولكن كل هذه الخطوات تتطلب دعم لديوان المحاسبة حتى تهتم الجهات بتوصيات الديوان و تتبناها و تجعل منها و تحولها إلى برنامج عمل متكامل ، و هذا الدعم يأتي من السلطة التشريعية ومن أعلى السلطة التنفيذية مجلس الوزراء أو رئيس الحكومة و الوزراء أو رؤساء مجالس الإدارة ، و ذلك من خلال تبليغ كافة الإدارات و حثها على الاهتمام بتوصيات الديوان و تنفيذها ، و على السلطة التشريعية محاسبة كل جهة لا تعير توصيات الديوان اهتماما و لا تضعها ببرامج عمل تنفيذية و للأسف هذه الدائرة المهمة غائبة تماماً بسبب أن كافة سلطات و دوائر الدولة مهتمة و تتعاطى بالسياسة، و الصراعات السياسية و على تولي المهام القيادية و الكراسي أكثر من تعاطيها بالتنظيم و الإدارة و مكافحة الفساد. 

س/ كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن التجاوزات والفساد في المؤسسات العامة ، و جميعنا نعلم وجوده منذ فترة، لماذا ارتفعت حدة الكلام عن الفساد هذه الفترة؟

ج/ ارتفاع وتيرة الفساد سببه الانقسام السياسي و غياب أهم آلية من آليات مكافحة الفساد وهي المسائلة البرلمانية ، من خلال الغياب التام لدور اللجان البرلمانية المعنية بمتابعة تنفيذ الخطط و البرامج و الأداء الحكومي و غياب دور الجمعيات العمومية بمساءلة مجالس إدارة الشركات و المصارف المملوكة للدولة. 

س/ إذا ما تم إقرار ميزانية 2019م ، ومن ضمنها مشاريع تنموية، هل من سياسة رسمتموها للمتابعة والتقييم؟

ج/ آليات متابعة ديوان المحاسبة للمشاريع التنموية عمل نمطي و متعارف عليه بديوان المحاسبة وليس بجديد فهو يتم من خلال أربع مراحل :

أولاً : دراسة خطة التنمية و التحقق من أنها تحقق أولويات المرحلة و بأنها موضوع بشكل يحقق أهداف اقتصادية تنموية وليست مجرد خطة تستنزف الأموال و لا تحقق منافع اقتصادية تنموية لأن العديد من الخطط السابقة كانت توضع بدون أهداف اقتصادية، فلا يوجد رابط بين المشاريع و المستهدفات، وفضلاً عن ذلك يجب التحقق من رصد المبالغ الكافية لتنفيذ الخطة حتى لا تتوقف و تتعثر.

ثانياً : المتابعة القانونية و الفنية من خلال متابعة إجراءات التعاقد على تنفيذ مشاريع بأنها كانت وفق صحيح القانون و بأنه قد تم الالتزام بلائحة العقود الإدارية بكافة مراحل التعاقد و ذلك للتحقق من الوصول إلى آليات التنفيذ الجيدة و بأسعار و مواصفات مقبولة.

ثالثاً : متابعة إجراءات سداد مقابل الأعمال المنجزة و بأنها كانت وفق المخصصات و العقود وأن كافة المبالغ المسددة كانت للبنود حسب كراسات المواصفات و العقود و منفذة فعلاً. 

رابعاً : متابعة حلقات الإشراف و تقييم أدائها بما فيه وزارة التخطيط و المكاتب الاستشارية بأداء دورها نحو متابعة المشاريع و رصد أي حالات ضعف بأعمال المتابعة و الإشراف ، ومتابعة إجراءات الاستلام و دخول المشاريع في الحلقة الاقتصادية و التنموية و متابعة عمليات التشغيل و التوظيف الأولى و بأنها كانت بالمستوى المخطط له.

س/ ألا تعتقدون أن إسناد الإدارات التنفيذية ومجالس الإدارة إلى أناس غير ذوى كفاءة قد فاقم من موضوع الفساد المالي والإداري بالمؤسسات الحكومية؟

ج/ الكفاءة التشغيلية عنصر مهم من العناصر الواجب توفرها للحد من الفساد و بالعكس هي مهمة بما يتجاوز الفساد هي مهمة للتشغيل الأمثل و تحقق المستهدفات و الكفاءة مطلوبة في القيادة و لدي كافة مستويات الوظيفية  بالمؤسسات الحكومية ، ولكن توفر الكفاءة التشغيلية لا يكفى للحد من الفساد بل يجب أن يكتمل ذلك بكفاءة و كفاية التشريعات و وضوح الأهداف و الحوافز الجيدة المرتبطة بالعائد و توفر أنظمة رقابة داخلية مالية و تشغيلية فعالة و ملتزم بها و أنظمة حوكمة تتوفر فيها عناصر المسائلة و الإفصاح و الشفافية.

س/ متى باعتقادكم يمكن القضاء أو التقليل إلى حد كبير من عمليات الفساد ونهب المال العام؟

ج/ أولاً : البناء السياسي المتمثل في الدستور و انتخاب السلطة التشريعية و رئيس الدولة و ما يرتبط بها من تشريعات و آليات محاسبة و مسائلة و إقرارات ذمة مالية ، وبوضع الدولة الليبية التي تعد التركيبة القبلية و الجهوية مؤثرة جداً يجب أن يكون رئيس الدولة منتخب من الشعب حتى يستطيع أن يتجاوز ضغط القبيلة و المدن نحو المحاصصة التي قد  تحول دون تحقيق الكفاءة التشغيلية المطلوبة  لدى حكومته.

تانياً :البناء الرقابي من خلال الاهتمام بالأجهزة الرقابية و أدوات متابعة الفساد و دعمها و التحقق من أنها تعمل وفق مواثيق شرف مهني و مستقلة تماما عن الإدارات التنفيذية و تتوفر لديها الإمكانيات المادية و البشرية لأداء واجبها على أكمل وجه و بأن تقاريرها تلقى العناية الكافية من متابعة توصيات و مساءلة من خلال اللجان البرلمانية و الجمعيات العمومية.

تالثاً : البناء القانوني و التشريعي وذلك برفع من مستوى القوانين و اللوائح  و أنظمة الرقابة بما فيها القانون المالي و لوائح التابعة له و القانون التجاري  و متابعة الالتزام بها و تطبيقها بشكل فعال .

رابعاً : التحول من الدولة الراعية لكل شيء إلى الدولة المتابعة و تفعيل القطاع الخاص و خلق آليات المتابعة لهذا القطاع للتحقق بأنه يعمل بمناخ حر و منافسة ودون احتكار و ملتزم بسداد الضرائب و الرسوم بكافة أنواعها .

خامساً : تفعيل سوق الأوراق المالية و وضع معايير إفصاح وشفافية و قياس بما يحقق الوصول إلى القيمة الحقيقة للشركات و تجميع القدر الكافي من مصادر التمويل للوصول إلى شركات قوية و فعالة يمكن أن تتبنى إنجاز المشاريع العملاقة بشكل فعال و كفؤ. 

سادساً : الرفع من القدرات البشرية بما يتلاءم مع سوق العمل و التوجه إلى الرفع من مستوى الموارد البشرية بالمجالات الحديثة و التي توفر سوق عمل بالأنشطة الخدمية كالمعلوماتية و الاتصالات و السياحة و المواصلات و الأنشطة المهنية كالمحاسبة و أعمال البناء و المقاولة و التصميم و الهندسة، وللتحقق من ذلك يجب التطوير من التعليم و الاتجاه إلى التعليم المهني و القصير و تعليم اللغة و الرفع من مستوى التفكير و الابتكار و التطوير لدى الطلاب بما يمكنهم من امتلاك مهارات التعليم الذاتي و الرفع من القدرات بعيد عن مؤسسات التعليم التقليدي. 

سابعاً : إدخال الميكنة و المعلوماتية في كافة مؤسسات الدولية لتسهيل إجراءات المواطنين بما يقلل من تكلفة التنقل و المحافظة على الوقت و الرفع من أداء التقارير و توفر كافة المعلومات عن أداء المؤسسات و الشركات و الوزارات بما يحقق مبدأ الشفافية المهم لاطلاع أفراد المجتمع على ما يكفي من معلومات لتقييم أداء الجهات الحكومية.