الشحاتي يكتب : توطين صناعة النفط والتنمية المستدامة: فروق أساسية

181

كتب : محمد الشحاتي الخبير بمجال النفطي مقالا

تدخل ليبيا العقد السابع على اكتشاف النفط وإنتاج وتصدير النفط، ويتلازم ذلك مع هياكل وسياسات تم انتاجها وتجذيرها عبر السنوات الماضية.  العالم اليوم يختلف بصورة كبيرة عن تلك الأيام التي تطورت فيها عمليات الاستكشاف والإنتاج وضخ المواد الهيدروكربونية للتصدير أو للاستعمال المحلي أو حرقها بالقرب من مكامنها تقليصا للتكاليف.

الشركات العالمية للنفط واجهت أزمات نتيجة اصطدامها بالمجتمعات المحلية في أغلب الدول المنتجة للنفط، في البداية كانت تلك الشركات تركن إلى الاختباء وراء القبضة الحديدة للحكومات التي كانت تمنع المجتمعات المحلية والأهالي من التصدي لنشاط هذه الشركات وقد لجأت بعض هذه الشركات أحيانا إلى تشكيل ميليشيات مسلحة مستقلة لتحمي مصالحها النفطية بالاتفاق مع حكومات مرتشية فاسدة. 

النموذج الغالب الذي اتبعته الشركات النفطية العالمية هو إنشاء تحالف تجاري سياسي مع الحكومات الوطنية يكون مقره في أغلب الأوقات عاصمة البلد السياسية، ومن هذه المقرات يتم إدارة “عن بعد remote” مناطق الإنتاج المبعثرة في مناطق صحراوية أو شبه خالية من السكان.

النظام الإداري اللوجيستي بناء على هذا النموذج كان يحافظ على أقل احتكاك مع المجتمعات المحلية المحيطة بمناطق الإنتاج أما عن طريق الاتصال الجوي أو طرق خاصة بعيدة عن الاستعمال العام.

كان التوظيف في هذا النموذج يعتمد على أنظمة التناوب Shift وذلك لإتاحة الفرصة للكفاءات أن تعمل في الحقول مع احتفاظها في نفس الوقت بإقامتها الاصلية في مركز حضري آخر في الأغلب يكون العاصمة أو أحيانا حتى خارج البلد.  هذا النموذج اللوجيستي الإداري سبب ظلما مضاعفا لمناطق الإنتاج وللمجتمعات المحلية حولها. 

فجميع النشاطات الاقتصادية حتى أضعفها مثل التموين أو النقل كانت بعكس المنطق لمناطق أخرى قد تكون خارج الوطن أحيانا، وهناك كثير من الأمثلة على ذلك في ادبيات الصناعة النفطية سواء عالميا أو محليا.

هذا النموذج تم رفضه تماما في الدول الصناعية المتقدمة المنتجة للنفط مثل بريطانيا، النرويج، كندا والولايات المتحدة.النموذج هناك يقوم على توطين الصناعة حيث يتم الاعتماد شبه الكامل على المجتمعات المحلية في تطوير الصناعة.

الموارد الناقصة أو غير المتوفرة مثل الموارد البشرية أو حتى الصناعية كان يتم اجبار الشركات على نقلها بصورة دائمة إلى المنطقة الإنتاجية، للمساهمة في تطوير هذه المنطقة مهما كانت درجة تخلفها. 

من ناحية الاقتصاد كما من ناحية العدالة كان هذا النموذج أكثر توازنا وأسفر في بداياته عن نشوء مفهوم التنمية المستدامة والتي أساسا تعني التنمية غير المركزية المفعلة بوجود موارد طبيعية قابلة للاستثمار والتطوير.تلقفت الشركات هذا المفهوم بعد النجاح المبهر الذي صادفته في هذه الدول مما خلق لها صلحا اجتماعيا مع المجتمعات المحلية وخفض مقاومتها إلى أقل حد، بل أنه وفي حالات كثيرة كسبها في مواجهته لحركات المحافظة على البيئة والحركات النقابية وغيرها.

  طورت الشركات هياكل خاصة لبرامج التنمية المستدامة وضمنتها لهياكل التكلفة للإنتاج كسبيل لإصلاح وجودها الهيكلي في الدول النفطية مثل ليبيا وغيرها.مفهوم التنمية المستدامة هنا مرتبط بشكل لا يمكن فصله عن مفهوم توطين الصناعة في مناطقها الإنتاجية.

  المشكلة أن صناع القرار في الدول النفطية ومنها ليبيا يخلطون الامر ويظنون أنهم قادرين على الاستمرار بنفس الهياكل القديمة وتوظيف مفهوم التنمية المستدامة لاستمرار الفصل بين الصناعة النفطية والمناطق الإنتاجية.على سبيل المثال استمرار سياسة العمل التناوبي Shift system، عدم توطين الخدمات النفطية بترشيد الشركات المنتجة والخدمية على فتح فروع لها في مناطق الإنتاج، وتسجيلها تجاريا هناك.

كما لا يمكن إطلاقا وفقا لمفهوم التنمية المستدامة ذاته وأدبيات هذا المفهوم النبيل أن يكون مركزيا بيد مؤسسة أو حكومة، يجب أن تكون آليات هذا المفهوم مرتكزة على العلاقة المباشرة بين الشركات والمجتمعات المحلية بدون هذا العنصر الهام فأن مسألة احتواء مقاومة المجتمعات المحلية تنهار من أساسها، وهذا يجب أن يكون واضحا أمام الشركات النفطية سواء كانت شركات وطنية أو عالمية.